Thursday 4 December 2025
كتاب الرأي

يونس مجاهد: اختزال التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة

يونس مجاهد: اختزال التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة يونس مجاهد
إن النموذج السائد في العالم، وخاصة في البلدان الديمقراطية، في مجال التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، يركز على الأخلاقيات كوظيفة أساسية. ويعتمد هذا النموذج على الطوعية والتلقائية، في الانضمام إليه من طرف منظمات الصحافيين والناشرين، حيث يتم اختيار الأعضاء عن طريق نظام الانتداب، باشتراط كفاءات علمية ومهنية عالية لأعضاء المجلس، وتتدخل أحيانا أطراف مستقلة مثل البرلمان والقضاء أو لجان تأهيل وطنية، في عملية الانتقاء لضمان الحياد، إضافة إلى إشراك ممثلي المجتمع المدني والجمهور لضمان مراعاة المصلحة العامة.
 
غير أن الأهم في هذا النموذج، هو استعداد الصحف ووسائل الإعلام، التي تنضم إلى هذه المجالس، في تقبل القرارات الصادرة عنها، دون مقاومة، وهي في أغلب التجارب قرارات معنوية، يكون وقعها أقوى، نظرا لحرص مقاولات الصحافة ومؤسسات الإعلام، على سمعتها وصورتها.
 
أما النموذج المغربي، فهو مزيج من هيئات المهن الحرة (كالمحامين والأطباء والصيادلة...) الذي يركز على تنظيم الولوج إلى المهنة عبر منح التراخيص، وفي حقل، الصحافة عبر منح البطاقة المهنية، ونموذج التنظيم الذاتي لأخلاقيات المهنة المتعارف عليه دوليا، والذي يتمحور حول ضمان احترام المواثيق الأخلاقية. وأدى هذا الخلط إلى اعتماد نظام الانتخابات في اختيار الأعضاء، سواء بالنسبة للصحافيين أو الناشرين، وهو ما تم تكريسه في مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، المعروض حاليا على مجلس المستشارين، بالبرلمان المغربي.
 
ويتضمن المشروع العديد من المقتضيات الإيجابية، مقارنة مع القانون المعمول به حاليا، حيث ورد في المشروع نظام شامل ومفصل لكيفية تنظيم عملية انتخاب الأعضاء، من طرف المجلس، وهو ما كان منعدما في القانون الحالي، مما خلق فراغا قانونيا، أدى إلى تمديد عمر المجلس واعتماد لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر.
 
كما اعتمد المجلس تقليص آجال البت في الشكاوى المقدمة للجنة الأخلاقيات، التي لا يمكنها أن تتجاوز عشرة أيام، كحد أقصى، بينما كانت تطول أسابيع وشهورا في النظام الحالي. وعالج المشروع أيضا مسألة تمكين المجلس من تبليغ النيابة العامة بقرارات سحب البطاقة والعقوبات الأخرى، من أجل تنفيذها، في الوقت الذي لم يكن ذلك متاحا، أضافة إلى إلزامية نشر القرارات التأديبية لتعميم الفائدة الردعية.
 
ومن بين أهم الإصلاحات الواردة في المشروع، إعطاء قرارات لجنة الوساطة والتحكيم الصفة الإلزامية دون انتظار التنفيذ القضائي، وفي ذلك إنصاف للصحافيين العاملين، في مواجهة المشغلين. كما تم وضع نظام لتعويض الأعضاء المستقيلين أو المتوفين، وهو ما لم يكن متوفرا في النظام الحالي، إضافة إلى النص على احترام مبدأ التمثيلية بين الجنسين.
 
ويمكن القول إن المشروع يحتوي على العديد من المكتسبات الإيجابية، التي كانت غائبة في القانون الحالي، الأمر الذي كان يخلق صعوبات كبيرة لعمل المجلس الوطني للصحافة، من أجل قيامه بالمهام المنتظرة منه، وهو ما كان ينبغي أن ينصب عليه النقاش، بدل التركيز على على توزيع المقاعد وطريقة الاختيار، مما حجب النقاش الجوهري حول الأبعاد الأخلاقية والمجتمعية للإصلاح.
 
وقد اختلفت المنظمات المهنية، للصحافيين والناشرين، في طريقة اختيار الأعضاء، فهناك من دعا إلى إجراء انتخابات فورية، في وسط الصحافيين والناشرين، وهناك من اقترح نظام انتداب الأعضاء من طرف الهيئات المهنية، على أساس الأكثر تمثيلية، بينما اتجهت مواقف أخرى إلى تفضيل نظام مختلط، يجمع بين الانتداب والانتخاب.
غير أنه إذا كان هذا النقاش جزئيا، وليس جوهريا، في وظائف المجلس الوطني للصحافة، فإن الدعوة لاعتماد لائحة مغلقة، في انتخابات الصحافيين، تختزل مسألة التنظيم الذاتي في البحث عن التموقع، وتعكس رؤية قاصرة عن استيعاب الدينامية التي يشهدها الحقل الصحافي، خاصة وأن معدل الانخراط في نقابات الصحافيين، لا تتجاوز نسبة محدودة، مما يجعل من الأغلبية الساحقة خارج أي منافسة انتخابية، إذا تم تبني نظام اللائحة.
 
وينبغي التذكير هنا أن اللائحة التي فازت باسم الصحافيين، سنة 2018، كانت وطنية، ولم تكن لائحة نقابة واحدة، فقد فتحت لجميع الصحافيات والصحافيين الذين تتوفر فيهم الشروط، ولم تكن مغلقة وضعت من طرف نقابة معينة، بل تم اختيار الأسماء من طرف لجنة من الشخصيات البارزة في المجال الحقوقي والإعلامي، ومثل هذا المنهج هو الذي تم اعتماده في العديد من البلدان الديمقراطية.