Thursday 4 December 2025
كتاب الرأي

عبد الحميد البجوقي: "قمة 2025 بين الرباط ومدريد.. اختبار نضج لشراكة معقدة"

عبد الحميد البجوقي: "قمة 2025 بين الرباط ومدريد.. اختبار نضج لشراكة معقدة" عبد الحميد البجوقي
يأتي اجتماع القمة رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب، المنعقدة في مدريد يومي 3 و4 ديسمبر، في لحظة حساسة وحاسمة بالنسبة لمسار العلاقات بين البلدين. فهي ليست لقاءً بروتوكولياً عابراً، بل محطة سياسية تحمل دلالات خاصة، لأنها تُعْقَد عقب التحول التاريخي في موقف الدبلوماسية الإسبانية من قضية الصحراء، وبعد صدور القرار 2797 عن مجلس الأمن، وفي ظل الاستعدادات المشتركة لاستضافة كأس العالم 2030. كل هذه المعطيات تجعل من هذه القمة اختباراً لنضج علاقة لطالما تراوحت بين التعاون الوثيق والتوترات المتكررة.
 
ولفهم أهمية هذا الحدث، لا بد من العودة إلى محطة فبراير 2023 في الرباط، حين عُقِدت آخر قمة مماثلة بعد مدة من القطيعة والتوترات بين البلدين. وقد جاءت تلك المصالحة ثمرة التحول الذي أقدم عليه رئيس الوزراء الإسباني في مارس 2022 حين اعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية الأساس الأكثر جدية وواقعية لحل نزاع الصحراء، وهو موقف رحّبت به الرباط وأثار جدلاً واسعاً داخل إسبانيا، كما تسبب في توتر مع الجزائر. هذا التحول أعاد رسم إطار العلاقة بين الطرفين وفتح الباب أمام إعادة بناء قنوات سياسية واقتصادية وأمنية بزخم غير مسبوق.
 
منذ ذلك الحين، شهدت المبادلات التجارية نمواً ملحوظاً، واستأنفت الأجهزة المختصة تعاونها في إدارة ملف الهجرة غير النظامية، فيما تعزّز التعاون في مجالات الطاقة والنقل والاستثمار. لكن ذلك لم يُنهِ كل نقاط الخلاف، فملفات ترسيم الحدود البحرية، وإدارة المجال الجوي للصحراء المغربية، وكيفية تأطير التحول الدبلوماسي الإسباني بقيت قضايا حساسة تتطلب معالجة هادئة.
 
وجاء القرار الأممي الأخير ليضيف بُعداً جديداً، إذ قرأته الرباط باعتباره تعزيزاً لوزن مقترحها للحكم الذاتي. أما مدريد، التي اتخذت مسبقاً خطوة في هذا الاتجاه، فتجد نفسها مطالبة بتنسيق سياستها الخارجية مع الواقع الدولي الجديد ومع مواقف الرأي العام المحلي، خصوصاً في جزر الكناري حيث تشكل الملفات البحرية والجوية مصدر قلق دائم. وتبدو القمة فرصة للطرفين من أجل صياغة قراءة مشتركة للقرار وتحديد كيفية تنزيله في التعاون الثنائي دون المساس باستقرار العلاقة بين البلدين.
 
يتزامن هذا الاجتماع رفيع المستوى مع تحدٍّ آخر يتمثل في الاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030 بمشاركة البرتغال. هذه التظاهرة العالمية تتطلب تنسيقاً مكثفاً في البنيات التحتية والنقل والأمن والربط الجوي والبحري والتأشيرات والجمارك، فضلاً عن توزيع المباريات. وضيق المواعيد يجعل من القمة مناسبة لبلورة تفاهمات عملية وتمويلات واضحة لتسريع التجهيزات اللازمة.
 
كما تحظى الملفات الاقتصادية بمكانة مركزية، خاصة في ظل المشاريع الكبرى التي يقودها المغرب في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر وتحلية المياه. وتمثل الشركات الإسبانية شريكاً طبيعياً لما تمتلكه من خبرة وتقنيات وقرب جغرافي، ما يرجح أن تُسفر القمة عن سلسلة اتفاقيات في مجالات المياه والطاقة والبنى التحتية، إلى جانب آليات جديدة لتسهيل دخول الاستثمارات الإسبانية في سلاسل الإنتاج المغربية.
 
أما قضية الهجرة والأمن فستظل محوراً أساسياً. من جهة، نجحت الشراكة الأمنية في تقليص عدد المهاجرين الوافدين إلى جزر الكناري، لكن إسبانيا تدرك أيضاً أن لدى المغرب قدرة تأثير في هذا الملف. ومن المتوقع أن يعمل الجانبان على تعزيز الآليات التي تسمح بإدارة أكثر توقعاً لتدفقات الهجرة، وتحسين التنسيق في مكافحة الجريمة المنظمة وتطوير منظومات المراقبة الحدودية، مع إبقاء الملفات الحساسة كالحدود البحرية والمجال الجوي وقضية الصحراء ضمن لجان تقنية متخصصة لتجنب أي توتر سياسي مباشر.
 
ويُرَجَّح أن تخرج القمة بثلاثة نتائج رئيسية: اتفاقات اقتصادية واسعة، وتحديث آليات التعاون الأمني والهجرة مع تخصيص موارد مالية لها، وتفعيل لجان تقنية لمعالجة الملفات المعقدة دون تسريع يخلّ بالتوازن. ولن تشهد القمة على الأرجح أي مفاجآت في القضايا السيادية، فالأولوية لدى الطرفين هي الاستقرار.
 
في الخلاصة، يُنتظر أن يصل البلدان إلى هذه القمة بأجندات داخلية حساسة لكن بمصالح متقاربة. وتبدو العلاقة اليوم محكومة بقدر من البراغماتية المدروسة، إذ يجري التركيز على الملفات ذات العائد المباشر مثل الاستثمار والطاقة والأمن والمونديال، بينما تُترك القضايا الشائكة لمسار طويل الأمد يراعي التعقيدات الدبلوماسية. وقد لا تنهي القمة خلافات عالقة، لكنها قادرة على تعزيز إطار أكثر نُضجاً ووضوحاً لعلاقة ضرورية في منطقة تتسم بقدر كبير من الاضطراب.
 
تقديري أنه ما زالت هناك جوانب في العلاقات الثنائية تحتاج إلى تحديث وضبط أدق، مثل تطوير إدارة الحدود، وتعزيز الربط الطاقي بين البلدين، وتنظيم أكبر لحركة اليد العاملة، ودفع التعاون الصناعي نحو شراكات أكثر طموحاً، وتنزيل خطة الطريق التي تم اعتمادها في قمة الرباط بأكثر من 20 اتفاقية ثنائية. ويمكن للقمة أن تشكّل المُحرِّك الذي يمنح هذه الملفات الشكل والوتيرة الضروريين للمضي قدماً في تطوير هذه العلاقات.