هناك تحوّلات مفصلية عرفها ملف قضية الصّحراء المغربية على كافة المستويات، أولا من حيث توالي الاعترافات واعترافات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، والصين وروسيا. هناك معطيات تدلّ على أن روسيا والصين بالدرجة الأولى لها مصلحة استراتيجية مع المغرب لحسابات سياسية ولتوازنات جيوسياسية، فهي تذهب في اتجاه يميل إلى الامتناع عن التصويت كما يعكسه القرار الأخير عن المجلس الأمن الدولي 27-56. وبالتالي فاليوم هذا المآل وهذه الاعترافات المتوالية يوجب أن تكون الديبلوماسية المغربية حاضرة بقوة على دعم هذا التوجه ومن أجل إخراج هذا الملف من اللجنة الرابعة، لأن اللّجنة الرّابعة كآلية دولية للحوار وما يرتبط بالّنزاعات التي خلّفها الاستعمار، فقضية الصحراء أصلا ليست قضية تصفية الاستعمار، وهي المسألة الأساسية التي يجب التركيز عليها.
هناك مسألة أساسية في القانون الدولي أنّه لا يمكن أن نستنتج من تصفية الاستعمار الانفصال، بل تصفية الاستعمار وهو أنّ الدولة يجب أن تبذل كل جهدها في الإطار الثّنائي المتعدّد الأطراف داخل المنظّمة الدولية حتى تحصل على الاستقلال. والحال أن المغرب حصل على استقلاله عندما تم طرد المستعمر، أي إسبانيا في الصحراء المغربية تم طردها في عام 1975، وهي بذلك خرجت من تصفية الاستعمار ولا علاقة للمغرب بهاته القضية، فالمغرب في صحرائه، له حق ممارسة سيادته، ولا حق للاستعمار في الاختصاص ولا حق له في الامتداد الترابي ولا في المسائل المرتبطة بالسيادة الواحدة. وبالتالي فالمشاريع التي أنجزها، والتي يشكل أساسه النموذج التنموي الذي سنه الأقاليم الجنوبية هي نجاحات ستدعم التوجه نحو إخراج هذا الملف من اللجنة الرابعة.
قضية ثانية تدعم هذا الملف، وهي أن هذه الاعترافات المتتالية والمتوالية ليست فقط صدرت عبر بيانات وعبر قرارات أو مؤتمرات صحفية أو بلاغات ونحوها، لكن تمّ تجسيد هذا الاعتراف بافتتاح عشرات القنصليات من الجيل الجديد في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يؤكد أن المغرب يمارس سيادته على ترابه، مع ما يتصل بذلك من استثمارات وطنية وأجنبية داخل هاته الأقاليم، كميناء الداخلة وعدد من المشاريع الكبرى المهيكلة، وكلّها أمور ستشكل دعامة لهذا الملف، علاوة على أن هذه المكتسبات والمحصنات تحقّقت، فلم يعد هناك داع لوجود "المينورسو" في المنطقة، طالما أن المغرب اليوم في صحرائه يجسّد انسيابية القرار على هذا المستوى. والدليل على ذلك في كل المحطات واللقاءات لإقناع دول العالم. فكيف للجزائر وصنيعتها البوليساريو التي تدافع نهارا جهارا على هذا الكيان الانفصالي المرتبط بمجموعة من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما أخذت بعلم هذا التوجّه عدد من الدول، قد يجعلها تراجع مواقفها في المستقبل القريب كما فعلت أخرى.
المسألة الأخرى الأساسية التي يمكن التّركيز عليها من أجل إخراجها أيضا: ما هي الضّوابط المؤثرة لسيادة للدول في علم قواعد القانون الدول ، وهي أن السيادة واحدة والسيادة لا تتجزأ والسيادة لا تتقادم، وهذا هو ما تعرفه الممارسة المغربية في هذا المجال، خاصة أن المغرب عندما بادر إلى الحل السياسي، ولم يعد تقرير المصير هو الحل السياسي. فسكان الأقاليم الجنوبية يمارسون شؤونهم النيابية وشؤونهم الجماعية وشؤونهم الترابية. وهذه مسألة حاسمة.