Wednesday 5 November 2025

كتاب الرأي

محمد هرار: حين يلتقي قرار مجلس الأمن، بذكرى المسيرة الخضراء

محمد هرار: حين يلتقي قرار مجلس الأمن، بذكرى المسيرة الخضراء محمد هرار
في لحظة ذات رمزية مهمة وعميقة، يتقاطع مسار التاريخ، بين الماضي والحاضر، وبين الذاكرة والنصر الديبلوماسي المغربي المظفر. ففي الوقت الذي صوت فيه مجلس الأمن على قرار يؤكد مجددا وجاهة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب مبادرا سنة 2007.. يحتفي الشعب المغربي قاطبة بذكرى المسيرة الخضراء، تلك الملحمة الوطنية التي أعادت الصحراء إلى حضن الوطن، ورسخت مبدأ السيادة في الوجدان الجماعي قبل أن تُثبّت على الأرض.
 
لن نبالغ إذا قلنا: إن تزامن الحدثين يحمل دلالة رمزية تتجاوز الظرف السياسي إلى عمق المسار التاريخي. فكما كانت المسيرة الخضراء عزيمة وإيمان وتلاحم ووحدة وطنية قل نظيرها، يأتي اليوم قرار المنتظم الدولي ليكرس من جديد صواب هذا المسار، ويؤكد أن الحل الواقعي والعادل والدائم للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هو ذاك الذي قدمه المغرب منذ سنوات أيام الجمود السياسي الذي كرسه خصوم الوحدة الترابية تكبرا وعنادا. حكم ذاتي موسع في إطار السيادة الوطنية للمملكة، ما سيعيد للمنطقة ككل الحيوية والنمو والسلم والأمن والاستقرار.
 
لقد أثبتت الديبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، قدرتها على الجمع بين الوضوح في المبدأ، والمرونة في الممارسة. فبينما ظلت المملكة متمسكة بثوابتها الوطنية غير القابلة للمساومة أو التسويف، عملت في الوقت ذاته على مد يد التعاون الإقليمي والدولي، داعية إلى بناء فضاء مغاربي يسوده السلم والتنمية، بدل الانقسام والخصومة والتعنت.
 
إن ما يميز الموقف المغربي اليوم، كونه لم يعد مجرد موقف دفاعي، بل تحول إلى نموذج يحتذى في إدارة النزاعات بالاعتماد على الشرعية الدولية، وحسن النية والسلوك الديبلوماسي المرن، والتنمية الميدانية. فقد تحوّلت الأقاليم الجنوبية إلى ورش تنموي ضخم يعكس ما يعنيه الحكم الذاتي عمليا من تمكين وازدهار ومسؤولية محلية، لا يجادل فيها إلا مماحك أو حاقد.
 
وفي هذا السياق، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة بهيجة؛ فالمسيرة الخضراء التي كانت بالأمس مسيرة شعب نحو أرضه، أصبحت اليوم مسيرة دولة نحو تثبيت مشروعها الحضاري والسياسي في المحافل الدولية، بالديبلوماسية الهادئة، وبثقة وطنية متجددة في المستقبل.
 
إن المغاربة، وهم يحيون هذه الذكرى المجيدة، مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى التمسك بروح المسيرة المستمدة من الوحدة، والإجماع، والإيمان بعدالة القضية الوطنية. فالنصر الديبلوماسي الذي نعيشه اليوم، ليس نهاية الطريق، بل تأكيد على أن إرادة الأمة هي التي تصنع التاريخ وتوجه قرارات العالم.