في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإعادة الإعتبار لقيم المواطنة وربط الشباب بقضايا الشأن العام، يبرز البرنامج الوطني "متطوع" الذي تشرف على تنظيمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، كواحد من المبادرات الحكومية التي تسعى إلى إعادة هندسة العلاقة بين الشباب والمجال العمومي. وذلك عبر إتاحة فرص للتكوين والمشاركة في أنشطة ذات طابع مدني وتربوي.
غير أن قراءة متأنية في النسخة الثالثة من برنامج "متطوع" تكشف عن معادلة مركبة تتأرجح بين التقدم المنهجي في التخطيط والتنسيق المؤسساتي، وبين القصور في التفعيل البيداغوجي والافتقار إلى المردودية العملية. فعلى المستوى النظري يلاحظ أن البرنامج يتميز بتعدد المحاور وتنوع الأيام الموضوعاتية وثراء الشراكات القطاعية. إذ تم تخصيص أيام كاملة للتربية على المواطنة، وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة وريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي والفن والثقافة والصحة النفسية، وغيرها من القضايا التي تندرج ضمن أولويات الدولة والمجتمع. غير أن هذا الزخم الكمي كان من الأولى أن يوازيه عمق كيفي أو فاعلية تنفيذية، إذ تظل أغلب الأنشطة محصورة في الطابع التكويني الكلاسيكي الذي يرتكز على العروض النظرية والورشات الحوارية والمداخلات المؤسساتية. في غياب شبه تام لأنشطة ميدانية تطوعية حقيقية تنقل المفاهيم من الورق إلى الواقع. وتمنح المشاركين شعورا بالإنجاز والإنتماء من خلال الممارسة العملية. كما أنه كان من الأفيد أن يتضمن البرنامج منظومة واضحة للتقييم والتتبع و مؤشرات قابلة للقياس بخصوص الأثر التربوي والمعرفي لدى المستفيدين، وهو ما يجعل التجربة رغم رمزيتها، قابلة للتبديد في غياب التوثيق والتحليل والتقويم. كما أن غياب أنشطة تفاعلية حديثة من قبيل الزيارات الميدانية ومشاريع الخدمة المجتمعية، يحد من فرص ترسيخ الكفايات المدنية لدى المشاركين.
أما على مستوى الإنصاف المجالي والإجتماعي، و سعي المنظمين إلى تغطية التراب الوطني، فإن الفئات الهشة والشباب المنقطعين عن الدراسة يجب أن تتخذ إجراءات عملية لضمان إدماجهم الحقيقي في البرنامج. والأهم من كل هذا يمكن أن يفكر المنظمون في إمكانية انفتاح البرنامج على شركاء دوليين، يمكن أن يوسع آفاق المشاركين ويضع التجربة المغربية في سياق عالمي أرحب.
إن برنامج "متطوع" ورغم كل ذلك يبقى مبادرة تستحق الإحترام والتنويه والتطوير للأفضل. وذلك من خلال الحرص على أن يتحول من تجربة ظرفية إلى سياسة عمومية شبابية مستدامة تتجاوز الخطاب المناسباتي نحو الممارسة التغييرية اليومية. فالتطوع لا يقاس بعدد الورشات بل بمدى قدرة البرنامج على تحويل القيم إلى سلوك والمعرفة إلى التزام والشباب من مجرد مشاركين إلى فاعلين ميدانيين.