Sunday 22 June 2025
منوعات

يوسف غريب:  “ ماما.. ماما نجحتي… ماما نجحات "

يوسف غريب:  “ ماما.. ماما نجحتي… ماما نجحات " سناء الحكيمي، أم مغربية كرّست حياتها لأبنائها، وتحصل على شهادة الماستر بامتياز في الجماليات بعد 30 سنة
كان صوتها المرتفع يتسابق مع سرعتها نحو حضن أمّها .. بين القبلات والدموع وجدت نفسها محاصرة بين أيادي بناتها الثلاث دون أن يغفلها ذلك عن إحساس استثنائي لقبلة رب الأسرة على جبينها.. 
والحقيقة أن الجو العام المؤطر لهذه السرديّة قد بدأت على غير عادة بقية الأمهات اللواتي يفرحن ويزغردن بنجاح أبنائهم وبناتهم.. 

هي العادة التي تكسرت ليلة 15 يوليوز 2020  تاريخ إعلان نتائج البكالوريا والعالم يتابع حصاد فيروس كورونا في الأرواح.. كانت روح حلم دفين قد تحقّق ميلاده بإحدى زوايا مدينة أنزاهناك.. بعد ثلاثين سنة من الدفن والتحنيط وسط شرايين سيّدة آثرت على نفسها ان تقدّم عاطفة الأم وسيّدة الأسرة على انانيتها.. تتذكر اليوم وسط العناق وصراخ الفرحة كيف يراودها حلم العودة إلى مقعد الدراسة  كلما رافقت أطفالها نحو المدرسة.. آخر العنقود اليوم على عتبة البكالوريا بعد سنة إن شاء الله.. 

كان حلم العودة قد بدأ يطفو بشكل قوي منذ 2016.. ولم يتحقّق ذلك إلا بعد ثلاث سنوات .. وجدت نفسها  عاجزة عن الإجابة عن سؤال الصدمة في حياتها.. 

( ما هو مستواك.. صمتك عجيب..وماذا تنتظرين كي تترشّحين للباكالوريا فئة أحرار 2019) 
 
لم يصدر هذا التوجيه إلا عن المربّي الكبير للأجيال الانزاوية المرحوم الاستاذ عبد الله الصّنيع.. زاد من قوّة التحفيز والضغط رفيق دربها وتوأم روحها الذي مارس كل سلطاته الرفاقية لتكون سنة 2019 سنة التتويج.. وسط كل هذه الأجواء لم تغب صورة والدتها التي كانت ترغب في أن تراها دكتورة يوماً ما.. 
هي في الطريق الآن.. ولو بعد 30 سنة من التأجيل لم تكن سنة 2019 إلا بداية العودة إلى الطالبة سناء لحكيمي بعد أن نجحت كزوجة وأمّ.. 

 
عادت قبل أيام  كي تحتفل مع اسرتها ومن جديد بشهادة الحصول على الماستر في الجماليات- مسلك التربية الجمالية من جامعة محمد الخامس بالرباط  بعد الإجازة في شعبة علم الإجتماع سنة 2023..
 
لم يكن حلم العودة إطفاء أنانية طفولية فحسب أوإرضاء نزعة نرجيسية حتّى.. بل طموح معرفي أكاديمي يتغيّأ إضافة نوعية للبحث العلمي الإجتماعي.. نجد ذلك في اختيار الشعبة نفسها أو من خلال هذا الانتباه الذّكي لبحثها الجامعي لشهادة الماستر بالتركيز على الفضاء ذاك  المشترك العمومي في جدليته مع الذوق العام المجتمعي.. ولم  تكن ساحة تلبرجت بأكادير اختيار  عشوائيا أيضاً ..تلك الساحة المرتبطة قبل اقل من أربع سنوات في ذاكرتنا الجماعية بتظاهرتين اعتمدت الذاكرة مشروعاً ثقافيّا وفنيا بامتياز عبر تلگيتارت وشقيقتها تلويكاند.. 
 
حيث استطاعت  الباحثة سناء الحكيم ا ان ترتقي بهذا الحدث الثقافي إلى مستوى البحث الأكاديمي وصولاً إلى الدور المحوري للفنون البصرية  في تنمية الذوق العام وتحسين جودة الفضاءات العمومية، تعزيزاً لجمال المدينة والمساهمة في خلق بيئة حضرية أكثر إيجابية وإشراقاً.. مؤكدة ان الفن أصلاً متعة جمالية مشتركة في الفضاء العام 
هو الإشراق نفسه الذي انطلق سنة 2019 ولن يقف إلاّ  عند شهادة الدكتورة إهداءً لروح والدتها هناك..
 وهو الفضل الذي يعود كما تقول دائما إلى زوجها ورفيق دربها 
 ( أكرمني الله بزوج رائع، له الفضل الكبير في إكمال دراستي الجامعية، وتعب وسهر معي كثيرا، وكان الدافع الوحيد الذي حفزني لأن أستمر وأتحمل المصاعب، من أجل تحقيق حلمي) 
أما الذّرية فما زالت تردد وإلى الغد.. ما زالت أمنّا تنجح. 
نعم 
 نجحت في أن تعلمنا بأن مقعد الدراسة لا يؤمن بأرقام العمر.. والنجاح لا يعترف بالمرّة بالسّنين.. 
نجحت في أن تترجم قولة ابن حزم إلى حقيقة :
( قطرة الماء تثقب الحجر لا بالعنف.. لكن بتواصل السقوط) 
هي صخرتك السيزيفية.. بين التحدي والإصرار 
وتلك صرخة نجاح لفلذات كبدك ورفيق عمرك 
 
ونحن على قول ابو القاسم الشابي :
(ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبال…
                    يعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ...
      وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ ) 
يوسف غريب، كاتب صحفي