عندما طوّر علماء المادة والطاقة ابتكاراتهم في مختلف مجالات الحياة، وما زالوا يفعلون، فإنهم رمَوْا من وراء ذلك إلى تمكين الإنسان عامةً من وسائلَ تتيح له تحقيق غايات كثيرة ومختلفة في أسرع الأوقات، وبأسرع الطرق وأكثرها اختزالاً، لولا أن الإنسان مجبول على الانحراف من حين لآخر عن مسار وجود ومقاصد هذه الاختراعات، لأنه "أكثر شيء جدلاً"، و"ظلوم" و"جهول"، بشهادة خالقه العالِم بكل أسراره وخباياه!!
ومِن بين أهم وأبرز ما ابتكره "المصلحون في الأرض"، وهم أعلام الاختراع والاكتشاف والابتكار، ما يُعرف حاليا ب"الذكاء الاصطناعي"، وأفضل شخصيا وبكل تواضع، أن أسمّيه "ذكاءً صناعياً"، لأن اصطلاح "الاصطناعي" يوحي بالتكلف والاصطناع والكذب، بينما نحن هنا أمام واقع جليٍّ وغير كاذب، تُشكّله أداةٌ ووسيلةٌ للبحث العلمي والمعرفي، وللاتصال والتواصل، تختصر لنا الجهد والمسافة والزمن في تحقيق وتنفيذ ما كان يأخذ منا في السابق أوقاتاً طِوالاُ وجهوداً أكبر وأثقل، ومساحاتٍ زمنيةً ومكانيةً بالغة البطء والتمدد!!
هذا الوافد الجديد، الذي حوّل حياتنا إلى مساحات أوسع وأفضل للتواصل، ولتبادل المعلومات والمعارف فيما بيننا، أشخاصاً ومؤسساتٍ وبلا حدود، بدأ بظهور الذكاء الصناعي، وهو بعد في مرحلة طفولته الصغرى، في صورة ضيف غير عادي وغير مسبوق في سيناريوهات أفلام الخيال العلمي، قبل أن يتحول إلى أمر واقع يمشي اليوم بيننا مختالاً بقدراته الخارقة، في التخزين والبحث والتحليل والاستخراج والاستنباط، رغم أنه صناعة بشرية بامتياز، ولكنها صناعة تفوق الآن في ممكناتها العملية التطبيقية ما لدى صانعيها من البشر... ومِن هنا تأتي خطورتها كسلاحٍ ذي حدّيْن، ليس في حد ذاتها، وإنما كأداة ووسيلة في يد الإنسان، الذي سبقت الإشارة إلى كونه "كثيرَ الجدل" و"ظلوماً جهولاً" كما وصفه ربُّه... فهل يُحسن هذا الكائن المتقلب استغلال هذه الوسيلة البحثية والتواصلية فيما بنفعه فحسب، أم أنه سيفعل بها مثلما فعله ممتلكو أُولى القنابل الهيدروجينية في كل من هيروشيما وناكازاكي في يابان أواسط القرن الماضي؟!
هناك فارق مُهْوِل في الأسئلة المعرفية التي تطرحها مجتمعات وشباب البلدان المتقدمة على أجهزة الذكاء الصناعي، فتدل بذلك على تَطوُّرِها وسَبْقِها وغَلَبَتِها، قياساً إلى أسئلتنا، نحن العرب والمسلمون، الدالةِ على ما نحن عليه من التخلف وهَوانِ الحال، وربما أيضاً مِن هوانِ المآل، إن نحن حافظنا على هذه القهقرة والارتدادية المزمنتَيْن، واللتين تجعلانِنَا مُخلصِين لسلوك "ردة الفعل"، بدلاً من الإخلاص لمبدأ "السبق والمبادرة"!!
ولأن للموضوع، في هذا المقال، علاقةً بالأسئلة المعرفية، فقد كان مِن المتوقع مُسْبَقاً أن نُلفيَ أنفسنا بإزاء استعمالات للذكاء الصناعي في غاية السوء، وفي غاية السلبية، رغم وجود دراسات إحصائية ميدانية تخبرنا مثلا بأن 40% من استعمالات الذكاء الصناعي في دول الخليج العربي تتعلق بمجالات المال والأعمال، وبالتجارة والتسوق في داخل تلك البلدان وخارجها على السواء، وهذ معطى إيجابي بكل المعايير، و تقارير أخرى تُحيطنا علماً، على سبيل المثال أيضاً، بأن المملكة المغربية تستأثر بمكانة الصدارة إفريقياً في هذا الضرب من الاستعمالات الحَداثية.
غير أن دراسات أخرى، وإن كانت أقل جلاءّ وانتشاراً وشهرةً نظراً لطابعها القدحي والسلبي، تُشير إلى استخدامات غير سليمة وغير سوية يلجأ إليها جزء غير هيّن من شباب مجتمعاتنا لا لإغناء أرصدتهم العلمية والمعرفية، وإنما لإشباع نهمهم إلى اللهو واللعب والترفيه، وأحيانا إلى المَشاهد الإباحية، تاركين الاستعمالات العلمية والمعرفية لشباب العالم المتقدم، ولذلك نجد أن الذكاء الصناعي في بلداننا الثالثية قد لا يُقدّم كثيراً بل يُؤَخِّر، وخاصةً عندما يستغله بعض الأنظمة العربية والمسلمة، من جهة أخرى، في تكريس الفساد والاستبداد، وهَلُمَّ عَبَثاً!!
الموضوع، إذن، يبدو ذا صلة وًثْقَى بالتربية والتنشئة الاجتماعية والثقافية والأخلاق، وهي العوامل التي من شأنها أن تحسّن فهمنا، أولاً، لعلة وجود آلية الذكاء الصناعي في عالمنا، ورهن إشارتنا، والتشبع ثانياً من القيم والمبادئ السامية والراقية بما يجعلنا نحسن استعماله للّحاق بركب العصر، وبقطاره فائق السرعة، والذي لا يَعذُر أحداُ من المتباطئين والمتخلفين والمتلكّئين مهما كانت أسباب هذه النسيئات الثلاث!!
صحيح أن الذكاء الصناعي ابتكار بشري بامتياز، ولكنه يوشك أن يتحول في أيدي أشكال معينة من البشر إلى أخطر من أسلحة الدمار الشامل، إشارةً إلى ما يمكن أن يشكّله من الأخطار عند استثمار كفاءاته وقدراته شبه الخارقة من لدن الجماعات المتطرفة مثلاً، في مختلف المجتمعات، وفي مختلف الملل والمذاهب والأيديولوجيات، وهو ما يقع أمام أعيننا بالفعل، أو عندما يستخدمه نظام فاسد ومستبد لخنق مواطنيه، والكتم على أنفاسهم، ومصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية، أو عندما يستعمله جمع من المتطرفين من مختلف المشارب الدينية والعقدية، دونما أدنى حاجة منا إلى تقديم أمثلة بعينها، لأن الأمثلة في هذا الاتجاه عزيزة عن العد والإحصاء!!
نهايته... أننا نرحب بهذا الوافد المتعدد في كفاياته ومواهبه ومقدراته فوق البشرية، رغم أساسه الهندسيّ البشريّ، ولكننا ندعو إلى إعادة النظر في منظوماتنا التربوية والتعليمية والتكوينية من إجل إنتاج شباب مؤهّلين تكنولوجياً، ومسلحين أخلاقياً في آن واحد، بما يجعلهم يستثمرون الذكاء الصناعي في تحقيق القدرة على "إنتاج المعرفة"، وعلى خوض تحديات "إقتصاد المعرفة" وأسواقها، وليس في استهلاك معارف الآخرين فقط لا غير، لأن العالَم وعلاقاته ومعاملاته، التي تلت زمن ابتكار الذكاء الصناعي، لا يشبه في شيء العالَم الذي كان قائما قبل ذلك الابتكار، وكذلك علاقاته ومعاملاته وقضاياه... والعبرة بالقادم والآتي.
ومِن بين أهم وأبرز ما ابتكره "المصلحون في الأرض"، وهم أعلام الاختراع والاكتشاف والابتكار، ما يُعرف حاليا ب"الذكاء الاصطناعي"، وأفضل شخصيا وبكل تواضع، أن أسمّيه "ذكاءً صناعياً"، لأن اصطلاح "الاصطناعي" يوحي بالتكلف والاصطناع والكذب، بينما نحن هنا أمام واقع جليٍّ وغير كاذب، تُشكّله أداةٌ ووسيلةٌ للبحث العلمي والمعرفي، وللاتصال والتواصل، تختصر لنا الجهد والمسافة والزمن في تحقيق وتنفيذ ما كان يأخذ منا في السابق أوقاتاً طِوالاُ وجهوداً أكبر وأثقل، ومساحاتٍ زمنيةً ومكانيةً بالغة البطء والتمدد!!
هذا الوافد الجديد، الذي حوّل حياتنا إلى مساحات أوسع وأفضل للتواصل، ولتبادل المعلومات والمعارف فيما بيننا، أشخاصاً ومؤسساتٍ وبلا حدود، بدأ بظهور الذكاء الصناعي، وهو بعد في مرحلة طفولته الصغرى، في صورة ضيف غير عادي وغير مسبوق في سيناريوهات أفلام الخيال العلمي، قبل أن يتحول إلى أمر واقع يمشي اليوم بيننا مختالاً بقدراته الخارقة، في التخزين والبحث والتحليل والاستخراج والاستنباط، رغم أنه صناعة بشرية بامتياز، ولكنها صناعة تفوق الآن في ممكناتها العملية التطبيقية ما لدى صانعيها من البشر... ومِن هنا تأتي خطورتها كسلاحٍ ذي حدّيْن، ليس في حد ذاتها، وإنما كأداة ووسيلة في يد الإنسان، الذي سبقت الإشارة إلى كونه "كثيرَ الجدل" و"ظلوماً جهولاً" كما وصفه ربُّه... فهل يُحسن هذا الكائن المتقلب استغلال هذه الوسيلة البحثية والتواصلية فيما بنفعه فحسب، أم أنه سيفعل بها مثلما فعله ممتلكو أُولى القنابل الهيدروجينية في كل من هيروشيما وناكازاكي في يابان أواسط القرن الماضي؟!
هناك فارق مُهْوِل في الأسئلة المعرفية التي تطرحها مجتمعات وشباب البلدان المتقدمة على أجهزة الذكاء الصناعي، فتدل بذلك على تَطوُّرِها وسَبْقِها وغَلَبَتِها، قياساً إلى أسئلتنا، نحن العرب والمسلمون، الدالةِ على ما نحن عليه من التخلف وهَوانِ الحال، وربما أيضاً مِن هوانِ المآل، إن نحن حافظنا على هذه القهقرة والارتدادية المزمنتَيْن، واللتين تجعلانِنَا مُخلصِين لسلوك "ردة الفعل"، بدلاً من الإخلاص لمبدأ "السبق والمبادرة"!!
ولأن للموضوع، في هذا المقال، علاقةً بالأسئلة المعرفية، فقد كان مِن المتوقع مُسْبَقاً أن نُلفيَ أنفسنا بإزاء استعمالات للذكاء الصناعي في غاية السوء، وفي غاية السلبية، رغم وجود دراسات إحصائية ميدانية تخبرنا مثلا بأن 40% من استعمالات الذكاء الصناعي في دول الخليج العربي تتعلق بمجالات المال والأعمال، وبالتجارة والتسوق في داخل تلك البلدان وخارجها على السواء، وهذ معطى إيجابي بكل المعايير، و تقارير أخرى تُحيطنا علماً، على سبيل المثال أيضاً، بأن المملكة المغربية تستأثر بمكانة الصدارة إفريقياً في هذا الضرب من الاستعمالات الحَداثية.
غير أن دراسات أخرى، وإن كانت أقل جلاءّ وانتشاراً وشهرةً نظراً لطابعها القدحي والسلبي، تُشير إلى استخدامات غير سليمة وغير سوية يلجأ إليها جزء غير هيّن من شباب مجتمعاتنا لا لإغناء أرصدتهم العلمية والمعرفية، وإنما لإشباع نهمهم إلى اللهو واللعب والترفيه، وأحيانا إلى المَشاهد الإباحية، تاركين الاستعمالات العلمية والمعرفية لشباب العالم المتقدم، ولذلك نجد أن الذكاء الصناعي في بلداننا الثالثية قد لا يُقدّم كثيراً بل يُؤَخِّر، وخاصةً عندما يستغله بعض الأنظمة العربية والمسلمة، من جهة أخرى، في تكريس الفساد والاستبداد، وهَلُمَّ عَبَثاً!!
الموضوع، إذن، يبدو ذا صلة وًثْقَى بالتربية والتنشئة الاجتماعية والثقافية والأخلاق، وهي العوامل التي من شأنها أن تحسّن فهمنا، أولاً، لعلة وجود آلية الذكاء الصناعي في عالمنا، ورهن إشارتنا، والتشبع ثانياً من القيم والمبادئ السامية والراقية بما يجعلنا نحسن استعماله للّحاق بركب العصر، وبقطاره فائق السرعة، والذي لا يَعذُر أحداُ من المتباطئين والمتخلفين والمتلكّئين مهما كانت أسباب هذه النسيئات الثلاث!!
صحيح أن الذكاء الصناعي ابتكار بشري بامتياز، ولكنه يوشك أن يتحول في أيدي أشكال معينة من البشر إلى أخطر من أسلحة الدمار الشامل، إشارةً إلى ما يمكن أن يشكّله من الأخطار عند استثمار كفاءاته وقدراته شبه الخارقة من لدن الجماعات المتطرفة مثلاً، في مختلف المجتمعات، وفي مختلف الملل والمذاهب والأيديولوجيات، وهو ما يقع أمام أعيننا بالفعل، أو عندما يستخدمه نظام فاسد ومستبد لخنق مواطنيه، والكتم على أنفاسهم، ومصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية، أو عندما يستعمله جمع من المتطرفين من مختلف المشارب الدينية والعقدية، دونما أدنى حاجة منا إلى تقديم أمثلة بعينها، لأن الأمثلة في هذا الاتجاه عزيزة عن العد والإحصاء!!
نهايته... أننا نرحب بهذا الوافد المتعدد في كفاياته ومواهبه ومقدراته فوق البشرية، رغم أساسه الهندسيّ البشريّ، ولكننا ندعو إلى إعادة النظر في منظوماتنا التربوية والتعليمية والتكوينية من إجل إنتاج شباب مؤهّلين تكنولوجياً، ومسلحين أخلاقياً في آن واحد، بما يجعلهم يستثمرون الذكاء الصناعي في تحقيق القدرة على "إنتاج المعرفة"، وعلى خوض تحديات "إقتصاد المعرفة" وأسواقها، وليس في استهلاك معارف الآخرين فقط لا غير، لأن العالَم وعلاقاته ومعاملاته، التي تلت زمن ابتكار الذكاء الصناعي، لا يشبه في شيء العالَم الذي كان قائما قبل ذلك الابتكار، وكذلك علاقاته ومعاملاته وقضاياه... والعبرة بالقادم والآتي.
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي