تم تركيب هذه (الثريا الضوئية، الظاهرة في الصورة) يوم الخميس 20 مارس 2025؛ بمسجد عبد الله بن ياسين بحي القدس بكلميم..
فقد تقدم أحد المحسنين بمقترح المساهمة بصدقة عبارة عن (مصابيح ثريا) لفائدة المسجد.. فاتصلنا بمندوبية الشؤون الاسلامية بكلميم وقدمنا الطلب فقبل المندوب المقترح بل فرح به كثيرا وأعطى موافقته بالشروع في العمل..
فقد تقدم أحد المحسنين بمقترح المساهمة بصدقة عبارة عن (مصابيح ثريا) لفائدة المسجد.. فاتصلنا بمندوبية الشؤون الاسلامية بكلميم وقدمنا الطلب فقبل المندوب المقترح بل فرح به كثيرا وأعطى موافقته بالشروع في العمل..
فتطوع حرفيون يحبون خدمة بيت الله؛ وتم العمل في صباح رمضاني جميل؛ وأضيئت المصابيح؛ ووقفنا تحتها نرفع أكف الضراعة للمجيب سبحانه أن يضيء قلوبنا وعقولنا وحياتنا بنور منه؛ ودعونا مع مولانا امير المؤمنين محمد السادس اعزه الله؛ الساهر على عمارة المساجد وخدمتها..
لكن الأهم من كل هذا، هو (الدروس المستوحاة) من هذا العمل؛ خصوصا ما يجيب منها عن أسئلة الناس في علاقة العمل الخيري الذي يعشقه كل مغربي بفضاء المسجد.. أو لنقل بإيجاز: ما الطريق القانوني لتقديم خدمة خيرية للمسجد أو في المسجد؟؟
3- ومن المفيد أن أقدم التوجيهات التالية؛ لعل الله ينفع بها جميع أهل الخير والإحسان.. وذلك بحكم أنني خطيب للجمعة بهذا المسجد؛ وبحكم أنني أشغل "منصب رئيس المجلس العلمي"؛ فمن الله علي بخبرتين: خبرة ميدانية كخطيب؛ وخبرة قانونية كرئيس للمجلس؛ مع تغليف هذا الادعاء بكثير من التواضع والاقرار بالجهل وقول: الله أعلم..
فأقول وبالله التوفيق..
جميع المساجد في المملكة الشريفة تشرف عليه مندوبيات الشؤون الاسلامية في الشق العمراني والتدبيري؛ وتشرف المجالس العلمية المحلية على الجانب العلمي والثقافي في كل إقليم..
ولهذا لا يجوز قانونيا إجراء أي عمل أو إصلاح أو نشاط داخل المساجد إلا بإذن من المندوبية والمجلس العلمي..
تماما كما أنه لا يجوز القيام بأي نشاط داخل المؤسسات التعليمية بدون إذن وعلم من نيابة التعليم/ المديرية الإقليمية.
ولهذا عندما طلب "المحسن" تقديم هذه الصدقة أو الهبة، قمنا بالخطوة القانونية الأولى - رغم أني رئيس المجلس العلمي- فاتصلنا بالمندوبية الاقليمية للشؤون الاسلامية لأخذ الموافقة؛ وبعد الموافقة اتصلنا بفريق العمل لانطلاق الأشغال..
وهذا التذكير القانوني مهم جدا؛ فهو موجه لبعض المواطنين الذين يتساءلون: لماذا لا يسمح لي بتعليق لافتة بالمسجد كتب عليه فقط دعاء دخول المسجد أو دعاء القنوت؟
أو لماذا لم يسمح لجمعية المسجد أن تقوم بإحياء حفل بداخل المسجد؟ أو لماذا لا يسمح لي بتسجيل أو تصوير خطبة الجمعة؟ بل البعض يتساءل: لماذا تغلق ابواب المسجد؛ ولماذا لا يبقى مفتوحا على مدار ساعات الليل والنهار ؟ الجميل هو أننا كلنا مررنا من (هجوم هذه الأسئلة)؛ لكننا بشيء من الاستيعاب واتساع الرؤية والاطلاع على القوانين المنظمة للشأن الديني؛ أدركنا أن هناك فلسفة عميقة ورؤية متقدمة لحماية المساجد من العبث والتشويش والعشوائية والاستغلال المشبوه..
والجواب عن هذه التساؤلات، هو أن المسجد (مؤسسة) ولكل مؤسسة في الدولة ادارة ومسؤولون ومساطر تنظيمية؛ وكل ذلك من أجل ضمان استمرارية المؤسسة في أداء مهامها وخدماتها للناس؛ فالادارة والمسؤولون يسهرون على نظامها والمحافظة على السير العادي بها؛ وضمان أداء العبادة والصلوات في جو من الطمأنينة والهدوء..
ولنتصور أن لكل مواطن الحق أن يتصرف في المسجد بحريته وهواه فالنتيجة هي:
أن كل مواطن سوف يعلق دعاء يعجبه على باب المسجد أو على حائط القبلة!
وأن كل مواطن سوف يتصرف في لون صباغة أبواب المسجد!!
وكل مواطن سوف يضع في المراحيض ماشاء من النعال وأواني الوضوء!!
وكل مواطن سوف يخرج هاتفه من جيبه ليصور الخطبة أو أن يتصرف شاهده في المسجد ثم ينشره على الفيسبوك!!
وكل مواطن او مجموعة من المواطنين سوف يدخلون موائد الرحمان لإفطار الصائمين بالمسجد من باب الصدقة والإحسان!!
وكل مواطن له الحق في التدخل في قوة صوت الميكروفون لأن الصوت يسبب له صداع الرأس!!
وكل مجموعة من المواطنين سوف تتدخل في مهمة الإمامة لأن قراءة الإمام لا تعجبهم !!.. إنها أشكال من الفوضى لا تنتهي؛ بل لنقل هي الفوضى نفسها تمشي على رجلين!!
وهكذا.. الأمثلة كثيرة نسمعها بين الناس.. لماذا ولماذا؟
والجواب هو: كما لا يحق لك أن تدخل فضاء وبناية مدرسة أو ثانوية أو محكمة؛ وتتصرف في بنايتها او تعطي تعليمات لموظفيها ؛ او تنظم فيها نشاطا معينا..
ببساطة؛ لأنها مؤسسة ذات حرمة؛ وتخضع لقانون منظم لها..
كذلك "المسجد مؤسسة" تابعة لوزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية في شقها الاداري والعمراني؛ وتابعة للمجلس العلمي الاعلى في شقها العلمي والثقافي..
فكل تدخل في شؤون المسجد "بغير إذن وترخيص" من مندوبية الشؤون الاسلامية والمجلس العلمي المحلي؛ يعرض "المواطن المتدخل" للمساءلة القانونية؛ أو قد يدخل تحت العقوبة الجنائية وهي "عرقلة اداء الشعائر الدينية" والتي تصل إلى العقوبة الحبسية..
ولهذا نظم القانون مسألة "جمعيات المساجد" التي تتقدم بطلب بناء مسجد ما؛ فمجال اختصاصها هو السهر على بناء المسجد عمرانيا فقط.. اما بعد انتهاء اشغال البناء؛ فإنها تسلم المسجد لوازارة الأوقاف ليصبح (وقفا) تابعا لقانون المساجد؛ وتحل الجمعية نفسها قانونيا؛ أي لم تعد تربطها أي علاقة بتسيير المسجد..
تماما كما لو أن محسنا تبرع من ماله ببناء مدرسة ابتدائية.. فلا يعقل أن تعطى له صلاحيات في تسجيل التلاميذ واختيار المعلمين والتدخل في مضمون المقررات والدروس..بل تنتهي مهمة المتبرع والمحسن عند انتهاء أشغال البناء..
وعندما تنتهي جمعية بناء المسجد من عملها وتسلم المسجد لوزارة الأوقاف.. تبدأ مسطرة أخرى وهي: انتظار إعطاء هوية للمسجد أي (رقم وطني واسم) لتصبح البناية معترفا بها من الدولة.. وبعدها المرحلة الثانية؛ انتظار توفر المناصب المالية؛ من أجل فتح باب الترشح لمناصب: الإمام والمؤذن والخطيب التابعين للمسجد..
فيتقدم للترشح كل من توفرت فيه الشروط المعلن عنها من المندوبية والمجلس العلمي؛ وتفتح المباراة في وجه أي مواطن بالمملكة كلها؛ بمعنى يتقدم مواطن من مدينة طنجة للتباري على "إمامة مسجد" في مدينة طانطان أو كلميم..
ويعلن عن آجال تقديم الترشيحات، ويعلن عن موعد "امتحانات التأهيل".. وتجرى مباراة على الصعيد الوطني في نفس اليوم لاختيار ائمة ومؤذني وخطباء المساجد الشاغرة ؛ وتكون المبارة في نفس اليوم على الصعيد الوطني؛ والمباراة ذات مرحلتين: المرحلة الكتابية والمرحلة الشفوية/ المقابلة.. لتوضع النتائج في أظرفة سرية وتبعث إلى وزارة الاوقاف والمجلس العلمي الاعلى بحسب ترتيب تنقيط الاستحقاق.. وبعد اكتمال جميع المداولات؛ تعلن الوزارة عن الناجحين المستوفين للشروط من حفظ للقرآن الكريم وتمكن من الفقه الضروري واحترام للتوابث الدينية للمملكة.. فيلتحق الناجحون بأقاليمهم ويقدمون الوثائق الضرورية للمندوبية والمجلس العلمي ليملأوا وثيقة الالتحاق بالعمل ويلتحقون بمسجد التعيين..
وقد يبقى المسجد مغلقا مدة من الزمن؛ لأن منصب الإمامة لم يتوفق فيه أي احد؛ ويتساءل من لا يعرف القانون؛ كيف لهذه البناية الجميلة أن تبقى مغلقة؛ (هذا حرام !!).. ولا يدري المعترض أن المسجد أصبح يخضع لإجراءات الشفافية والجودة و الاستحقاق والكفاءة في اختيار من يقوم بإمامته وأذانه وخطابته ..
وقد يكون فتح المسجد وفق "مسطرة الاستثناء" فقد يقدر عامل الإقليم ان المصلحة في فتح المسجد استثناء لصلاة التراويح مثلا؛ فيعين المندوب بالتنسيق مع رئيس المجلس العلمي إماما من الائمة المرشدين خريجي معهد محمد السادس ليقوم "بالامامة مؤقتا" اقول مؤقتا خلال مدة محددة قد تكون شهر رمضان فقط ؛ لان منصب الامامة لم ينجح فيه أحد.. في انتظار أن ينظم امتحان آخر بعد مدة.. ولان أغلب الناس لازالوا يفكرون بمنطق القانون القديم؛ حيث كان المندوب بمجرد بناء المسجد يعين من يؤم الناس بناء على الاختيار فقط..وهو ما جعل عددا من المساجد تعاني من موارد بشرية تنقصها الكفاءة !
غير أن سياسة هيكلة الحقل الديني بأمر من مولانا امير المؤمنين؛ قد جاءت للارتقاء وتجويد رسالة المساجد؛ وهدفها الاسمى هو تجاوز اخطاء الماضي بوضع مساطر صارمة لاختيار ائمة المساجد وخطبائها بناء على الكفاءة والمؤهلات العلمية واحترام الثوابت الدينية للمملكة؛ والالتزام بما جرى به العمل المغربي لمدة قرون..
وهنا أفتح قوسا يعمق فهم المواطنين: فقد نسمع أن فلان حافظ للقرآن ويتقن التجويد (تبارك الله عليه) ولكن الوزارة لم يختره للإمامة أو الخطابة! فيتشعب القيل والقال ؛ ويدخل على الخط الذين في قلوبهم مرض..
والجواب ببساطة لأن مباراة اختيار أطر تسيير المسجد في الامامة والأذان والخطابة ؛ مباراة متعددة الجوانب: فهي تشمل حفظ القرآن؛ وضبط المقررات القانونية المنظمة للمجال الديني؛ واستيعاب دليل الامام والخطيب والواعظ؛ والالتزام بالثوابث الدينية للمملكة؛ بالاضافة الى الجانب الاخلاقي والسلوكي داخل المجتمع..
فقد يكون حافظا لكتاب الله؛ ولكن ملفه القضائي مليء بالخصومات والشكايات!! وقد يكون فقيها متمكنا ؛ ولكن يفتي الناس وفق مذهب غير المذهب المالكي!
وإمام المسجد عندنا إمام أصغر ينوب عن الإمامة العظمى التي هي إمامة أمير المؤمنين؛ فينبغي أن يمثل القدوة الدينية والاخلاقية والقانونية والوطنية في أبهى صورها..
وللأسف هناك قضايا لا يمكن أن يحسم فيها رجال الصحافة والمدونين على مواقع التواصل؛ فهي حصريا من اختصاص علماء المجالس العلمية لانهم بحكم يكوينهم العلمي وخبرتهم الميدانية؛ وأولها أنهم علماء من أبناء المنطقة؛ ويعرفون الخصوصيات؛ والاعراف والذهنيات؛ فهم أعرف الناس بمن يصلح للمنصب علما و حكمة و تدبيرا..
وهم يحرصون على تعيين الامام والخطيب الذي سوف يضيف الى الحي والمجتمع قيمة إيجابية في الامن الروحي و الاستقرار الاجتماعي..
وهذا الكلام أقوله لتجربتي و خبرتي الاجتماعي ؛ فكم من الافكار الميتة و القاتلة التقطناها من ( متكلم في الدين) لم يكن حكيما ومستوعبا لروح الشريعة ؛ مما جعلنا لسنين نردد مقولات وفتاوى بصادمة لثقافتنا وتديننا المغربي وخصوصية عقيدتنا الاشعرية ومذهبنا المالكي و طتصوفنا السني..
والحمد لله منذ اعادة النظر في مساطر اختيار الائمة والخطباء؛ بتنا نشهد نهضة و تنويرا على مستوى الخطاب الديني في المساجد؛ و كذا على مستوى السلوك الاجتماعي للأئمة من حيث الاندماج في هموم الناس وليس مصادمة اختياراتهم الحضارية..
وقد وقع الكثير من الغلط والتشويش على عقول عوام الناس؛ بل حتى على بعض المتعلمين والمثقفين ؛ لأنهم لم يطلعوا على مدونة القوانين الجديدة المنظمة للمساجد والتي افرزتها تراكمات من الخبرة و التصميم على جعل المساجد مجالا للروحانية و السمو الاخلاقي ( إن المساجد لله فلا تدعو مع الله الاها آخر)..
فأحيانا نسمع أن الجمعية الفلانية تعتزم تنظيم إفطار جماعي داخل المسجد.. او حفل خيري ؛ او تنظيم حفل ديني او مسابقة قرآنية!! تبدو هذه المطالب مشروعة و معقولة بالنظر الاخلاقي المجرد؛ لكن تصوروا معي مسجدا يقع في حي به (أربعون جمعية ) تنشط ما بين العمل النسائي؛ الخيري؛ والتوجيهي ؛ والعلمي وتحفيظ القرآن.. وكلها تطالب بفتح فضاء المسجد للإستفادة منه؛ هل تصورتم إلى أي وجهة سوف تبحر سفينة مؤسسة المسجد؛ بل هل سيبقى من روحانية ورفعة المسجد شيء (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها يالغدو والآصال..)
إن هذه الانشطة في شقها الخيري من اختصاص مؤسسة محمد السادس لرعاية القيمين الدينين؛ فهي التي توزع القفف الرمضاني بالمساجد..او تنظم حملات التبرع بالدم في المساجد.. وفي شقها العلمي الثقافي كالمسابقات القرآنية و ليالي القرآن او المديح النبوي او الدروس و المحاضرات فهذا من اختصاص الجهة العلمية التي هي المجلس العلمي المحلي..
ولهذا فالأنشطة التي تبقي المسجد منفتحا على المجتمع أصبحت مقننة بمساطر و إجراءات قانونية ؛ وتشرف عليه جهات رسمية من الاداريين والعلماء المشهود لهم بالكفاءة واستيعاب اختيارت الأمة؛ و العمل على المحافظة على توابثنا الدينية من إمارة للمؤمنين و عقيد اشعرية ومذهب مالكي وتصوف سني..
وللتذكير فقط. فمندوبية الشؤون الاسلامية يسيرها مندوب تابع لوزارة الاوقاف.. والمجلس العلمي يرأسه رئيس المجلس العلمي وهو تابع للمجلس العلمي الاعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين اعزه الله..
وإنني أحدثكم من داخل المؤسسة الرسمية التي هي المجلس العلمي؛ اطمئنوا فالعمل متواصل بجد واجتهاد لإنفاذ توجيهات مولانا أمير المؤمنين في جعل المساجد مناراة للجمال والكمال والجلال من حيث المعمار المغربي الجميل والمعبر عن عبقرية الصانع المغربي؛ ومن حيث القيمين الدينيين القائمين على أمور المسجد الذين يشترط فيه التمكن من العلمي الشرعي و الثقافة المعاصرة و اللغات الاجنيبة و حسن التواصل والقرب من هموم الناس..أمامنا طريق طويل في الإصلاح والتنوير ولكن ها نحن قد بدأنا المسير ؛ وصدقوني هناك إرادة قوية من إمارة المؤمنين على أن ينخرط المسجد في رسالة خدمة القرآن والدفاع عن الإسلام وصناعة المؤمن الصانع للإحسان..