الأربعاء 19 مارس 2025
مجتمع

الفضاءات المنظرية.. بين الضرورة الحيوية والترف النخبوي

الفضاءات المنظرية.. بين الضرورة الحيوية والترف النخبوي دور الفضاءات المنظرية في تحسين البيئة والتنمية المستدامة
يتزايد الحديث عن المشاريع المتعلقة بتهيئة الفضاءات المنظرية بمختلف مدن المملكة ومراكزها الحضرية، وبين تعبير الساكنة عن استحسان هذه المشاريع والمبادرات، تطفو بين الفينة والأخرى أصوات نشاز تعتبر الفضاءات المنظرية، وخصوصا المناطق الخضراء، تعتبرها مجرد ترف وتبذير للمال العام، متحججين بالحاجة الى تجهيزات أخرى تعتبرها ذات أولوية أكبر بالنسبة للمواطنين. 

ولان كانت هذه الأصوات لا تستند على أساس علمي ومعرفي، ولا تعبر عن اجماع الرأي العام، إلا أنها حين تصدر أحيانا عن منتخبين يفترض توفرهم على قدر كافي من الوعي بأهمية الفضاءات المنظرية و اطلاعهم على الخدمات الايكولوجية التي توفرها هذه الفضاءات، خصوصا خلال تبادل الزيارات الى بلدان أخرى بهدف الاطلاع على التجارب الناجحة في تدبير المدن والفضاءات الحضرية، يفرض تصحيحا لعدد من المغالطات التي يتم ترويجها في هذا الموضوع، من باب المسؤولية المؤسساتية وكذا تعلية لشأن المعرفة العلمية في مواجهة الخطابات الشعبوية التسطيحية.

فما هي الأدوار التي تلعبها الفضاءات المنظرية من الناحية الايكولوجية، الاجتماعية والاقتصادية؟ وكيف يمكن للفاعل المحلي الاستثمار في هذه الفضاءات حتى تلعب دورها على أكمل وجه في تحسبن إطار عيش المواطنين وتحقيق التنمية محلية متوازنة ومستدامة؟ 

قبل الخوض في الأدوار الحيوية التي تلعبها الفضاءات المنظرية سواء بالنسبة للأفراد من خلال تحسين إطار العيش اليومي للمواطن أو للمجتمعات بفضل مساهمتها الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا بد من تقديم تعريف مقتضب لما نعنيه بالفضاءات المنظرية تذكير بمختلف أنواعها.

حيث نقصد بالفضاءات المنظرية كل المساحات الخارجية الحرة غير المبنية، كالشوارع والمحجات، والساحات العمومية وملتقياة الطرق، والمنتزهات الحضرية، والحدائق العامة، والكورنيشات، وفضاءات اللعب والملاعب الرياضية للقرب بالإضافة الى الفضاءات الغابوية المهيأة على شكل منتزهات والفضاءات الخضراء المرافقة للتجهيزات والبنية التحتية مثل الفضاءات الخضراء في الطرق السريعة والطرق السيارة، ومواقف السيارات المخصصة للملاعب والمنشآت الكبرى.

من جهة أخرى فالتهيئة المنظرية تهدف الى تحسين مستوى إطار العيش والرفع من جودة البيئة المحيطة بالتجمعات الحضرية وداخلها من خلال إعادة ادخال العناصر الطبيعية كالماء والنباتات، مع احترام المعايير التقنية في تهيئة الممرات والولوجيات وفضاءات الاستقبال والترفيه والتنزه. 

وفي هذا الاطار سنقوم فيما يلي بعرض لجل الأدوار الكبرى التي تلعبها التهيئة المنظرية للفضاءات العامة، مع تخصيص مقالات موالية للتعمق في كل محور على حدة بهدف فهم أعمق لما تقدمه من خدمات جليلة للمواطن وللتنمية المحلية المستدامة. 

أول الأدوار الرئيسية التي سنتطرق اليها بشيء من التفصيل هو الدور البيئي والايكولوجي، حيث أن تجليات تحسين البيئة المحيطة و فضاء العيش تتمثل فيما يلي:  
- التخفيف من اثار التغيرات المناخية عن طريق : 
* تلطيف حرارة الطقس ومحاربة بؤر الاحترار.
* تنقية الهواء من الغبار والملوثات المتطايرة. 
* حماية المدن والتجمعات الحضرية من العواصف الرملية و الظواهر المناخية المتطرفة. 
* انتاج الاكيسيجين وامتصاص ثاني أوكسيد الكربون. 
* التقليل من خطر الفيضانات بفضل قدرة هذه الفضاءات على امتصاص الفائض من مياه الأمطار أو تخزينها في بحيرات اصطناعية لاعادة استعمالها لاحقا للسقي.

بالإضافة الى : 
- تعزيز وتثمين الموروث الطبيعي والايكولوجي، عن طريق إعادة استخدام الأنواع النباتية المحلية في الفضاءات العامة
- التعريف بالغنى الايكولوجي وتقديمه للعموم في المنتزهات و الحدائق العامة، مع الحث على المحافظة عليه و تغيير السلوكيات اتجاه الفضاءات الطبيعية  
- المحافظة على الموارد المائية من خلال الاستعمال المعقلن للأنواع النباتية المحلية المتأقلمة مع الظروف المناخية والتربة المحلية، وتطوير انتاج محلي على صعيد كل جهة بما يخدم المحافظة على الموارد المائية من جهة وكذا تثمين التنوع البيولوجي من جهة أخرى. 

من جهة أخرى تساهم التهيئة المنظرية بشكل فعال بعدد من الأدوار الأخرى التي لا تقل أهمية عن الدور البيئي، كدعم الصحة العمومية من خلال :  
- التقليل من أمراض الجهاز التنفسي والحساسية بفضل تحسين جودة الهواء. 
- التشجيع على ممارسة الرياضة من خلال توفير فضاءات مجهزة بما يكفي لاستقبال مختلف الممارسين من كل الأعمار. 
- تحقيق التوازن النفسي بفضل التأثير النفسي الفعال للمساحات المفتوحة، و كذا الفضاءات الخضراء، مما يجعلها متنفسا للتخفيف من ضغط الحياة اليومية، خصوصا في التجمعات السكنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة.

كما تضطلع الفضاءات المنظرية بأدوار أخرى متنوعة سنتأتي على ذكرها في مقالات لاحقة، وتهم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والتعليمية.