الثلاثاء 11 مارس 2025
فن وثقافة

"الطموح المتجدد: في البحث عن الكرامة عربيًا"..كتاب جديد للدكتور الحبيب استاتي زين الدين

"الطموح المتجدد: في البحث عن الكرامة عربيًا"..كتاب جديد للدكتور الحبيب استاتي زين الدين الدكتور الحبيب استاتي زين الدين وغلاف الكتاب
صدر عن مؤسسة أفرا للدراسات والأبحاث كتاب الطموح المتجدد : في البحث عن الكرامة عربيّا، ويحاول فيه مؤلفه الدكتور الحبيب استاتي زين الدين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، الجواب عن إشكالية رئيسة تنبع من التساؤل حول دور الكرامة في حفز الديناميات المجتمعية الجديدة على اختلاف أشكالها، مع الأخذ في الحسبان أنه قد لا يتحقق الفهم الأمثل لهذا المفهوم (الكرامة) داخل هذه الديناميات، لكن التطلع إلى العيش الكريم، ولو في صورته المادية الضيقة، يشكّل أحد الدوافع الرئيسة لاعتماد استراتيجية الشارع العام أو أبرز مؤشر عن ضعف أو صلابة الرضا أو الثقة في الفعل العمومي.
 
إن إشكالية على هذا القدر من التركيب والامتداد، سواء على مستوى مفهوم الكرامة نفسه الذي يتداخل فيه البعد الأخلاقي بالقانوني والديني والاجتماعي والسياسي والثقافي، على نحو يتجاوز، عن وعي أو جهل، طبيعة الإنسان إلى الحديث عمّا يصدر عنه أو ما حدّد/ يحددّ، ذاتيا أو موضوعيا، شخصيته، أو على مستوى تعقيدات واقعه وما يحيل عليه من هوّة بين التصور والشعار والممارسة، فرضت الانطلاق، بحسب صاحب الكتاب، من فرضية مُوجّهة مؤداها أن البناء المؤسسي والقانوني للطموح الديمقراطي لم يتكامل بشكل مُرض مع ضرورة توفير مستلزمات العيش الكريم، وأن استمرار مظاهر التفاوت بين خطاب الكرامة وواقعها يولّد توترات مجتمعية، ظاهرة وخفية، نفسية وذهنية، اجتماعية وسياسية، تُضعف الثقة -وإن بدرجات متباينة- في العمل السياسي والفعل العمومي ومؤسسات الدولة.
 
ولاختبار هذه الفرضية، اتجه انشغال المؤلِّف، من خلال اعتماد آليات الملاحظة والتحليل والنقد والمقارنة انسجاما مع طبيعة الموضوع ورهاناته، إلى البحث في جذور ديناميات الاعتراض والرفض من حيث تطوراتها التاريخية ومدى تأثرها بالبنيات السوسيو-سياسية والاقتصادية الداخلية والدولية دون ادّعاء تطابقها التام مع ما يجري، فضلا عن رصد أبرز المرجعيات النظرية التي حققتها السوسيولوجيا السياسية حول مختلف الديناميات المجتمعية، في أفق فهم مسبباتها وتأثيراتها في البلدان العربية عامة، والمغرب على وجه التحديد، من دون إغفال ربطها مع مطلب الكرامة وحقوق الإنسان وما يعكسه من قدرة الإنسان على التعاطف والتعاون مع أفراد جماعته، ومقاومة كل ما من شأنه أن يضعف فرصه الحياتية، والرغبة في نيل الاحترام والاعتراف اللازمين باعتماد طرق مؤثرة في مواجهة ما يعترضه من مشكلات، مستفيدا مما حققته الديناميات المجتمعية، في تجارب خارجية، من خلخلة للبنى التقليدية، وفي ما مارسته تحركات شعبية داخلية أثمر ضغطها، بدرجات وبصيغ متفاوتة، انحناء السلطة السياسية لمطالبها.
 
ومن أجل مقاربة أبعاد وامتدادات هذه الممارسة، توزعت هيكلية هذا الكتاب (الذي يتألف من أزيد من 370 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) على أربعة أقسام، ضمّ كل واحد منها، عموما، ثلاثة فصول، تختلف منهجيّا من حيث القضايا والإحراجات المختلفة التي تسلط الضوء عليها، بيد أنها تتقاطع، في العمق، مع فكرة أن بناء دولة التقدم والكرامة، التي يطمح إليها الناس، لن يتم إلا بمشاركة الجميع -دون تمييز أو إقصاء- في عملية التنمية. ولئن كان المؤلف ينشغل بأبرز أوجه الكرامة وإشكالياتها وقضاياها المتنوعة بالإشارة، عموما، إلى بعض الحالات العربية، وضمنها المغربية، فهو يتناولها بشكل خاص من زاويتين متداخلتين: تنامي التوترات المجتمعية، واستمرار محدودية مؤشرات الحكامة والديمقراطية. وتظهر عديد فصوله أن المطالبة بالكرامة ما تزال موضوع نقاش وتساؤلات مستمرة في الفكر والواقع، وبين المُتخيّل والمعيش، بالنسبة للفرد والجماعة، وداخل الخطاب العمومي وخارجه، وفي فضاءات البحث ووسائط الإعلام والتواصل. الملاحظ عربيّا ومغاربيا بصرف النظر عن بعض الاختلافات أنه مهما جرت على الألسن وانتشرت الدعوات إليها على مستوى الاجتماع والسياسة، بقي طموح الكرامة -كما تشهد عديد القضايا والديناميات المجتمعية- غير محقّق في الأفعال وغير واضح وراسخ تماما في الأذهان. ويشد الانتباه في نهاية عمله إلى أن هذه المفارقة تطيح يوما بعد يوم بالكثير من المكتسبات والتراكمات الإيجابية، وتجعل تدبير الزمن السياسي محاطا بعدم اليقين، وتُضعف، بوعي أو بغيره، الثقة في مؤسسات الدولة وما تتخذه من قرارات ومبادرات. فتنتعش من جديد الرغبة عينُها -أو بتعديل بسيط لها- في وضع إنساني ومؤسسي آخرين، إذ يتجدد الطلب باستمرار بضرورة تبني نظرة جديدة لكيفية اتخاذ القرار ومكانة المواطن وقيمته داخل الدولة "الاجتماعية".