الأربعاء 19 فبراير 2025
خارج الحدود

محمد عصام لعروسي: “مانيش راضي”.. حملة داخلية جزائرية تزكّي مدى تخبّط النّظام الجزائري فـي قطائع ديبلوماسية متواصلة

محمد عصام لعروسي: “مانيش راضي”.. حملة داخلية جزائرية تزكّي مدى تخبّط النّظام الجزائري فـي قطائع ديبلوماسية متواصلة محمد عصام لعروسي
العنوان‭ ‬العريض‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬تساقط‭ ‬أوراق‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬تباعا‭ ‬وكلّ‭ ‬المناورات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬فشلت‭ ‬وتكسرت‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مغربية‭ ‬رصينة‭ ‬قوية‭ ‬متماسكة‭ ‬محنّكة‭ ‬وواقعية‭. ‬وتتجلى‭ ‬حقيقة‭ ‬الفشل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الجزائري‭ ‬ليس‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لسنوات‭ ‬سابقة‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬فيها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الجزائرية‭ ‬أي‭ ‬قفرة‭ ‬أو‭ ‬أيّ‭ ‬انتصار،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬المعادية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬المفبركة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رفع‭ ‬منسوب‭ ‬العدوانية‭ ‬ضدّ‭ ‬المغرب،‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬2021‭ ‬ومنذ‭ ‬القطع‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للنّظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬لدواعي‭ ‬وأسباب‭ ‬طبعا‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يعرفها‭ ‬ويفبرك‭ ‬لها‭.‬
‮ ‬
خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬حاول‭ ‬النّظام‭ ‬الجزائري‭ ‬أن‭ ‬يؤلّب‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الزيارة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬تبون،‭ ‬وحاول‭ ‬إقحام‭ ‬موضوع‭ ‬الخلاف‭ ‬المغربي‭ ‬الجزائري‭ ‬وكذلك‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬لكن‭ ‬الطرف‭ ‬المصري‭ ‬رفض‭ ‬رفضا‭ ‬باتا،‭ ‬لأنه‭ ‬يعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬مصر‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقحم‭ ‬موضوع‭ ‬الخلاف‭ ‬المغربي‭ ‬الجزائري‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬إثارة‭ ‬الجزائر‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬استمرار‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطّرح‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬احتمال‭ ‬للضّغط‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬لعدم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬القضية‭.‬
‮ ‬
إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاولة‭ ‬استمالة‭ ‬تونس،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬يتأرجح‭ ‬بمشاكل‭ ‬داخلية‭ ‬وكذلك‭ ‬عدم‭ ‬تبات‭ ‬وتشنج‭ ‬وتوتر‭ ‬وسط‭ ‬رفض‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التونسي‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يفرضها‭ ‬نظام‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭. ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يعزف‭ ‬أن‭ ‬يعزفوا‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬المشروع‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتزعمه‭ ‬المغرب‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬باتفاقية‭ ‬مراكش‭ ‬1989،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هو‭ ‬الفشل‭ ‬بسبب‭ ‬التعنت‭ ‬الجزائري‭ ‬وبسبب‭ ‬الرفض‭ ‬الجزائري‭ ‬لتحقيق‭ ‬وحدة‭ ‬مغاربية،‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬لوحدة‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬جامعة‭ ‬ن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ومن‭ ‬داخل‭ ‬التكتلات‭ ‬الإقليمية‭ ‬الأخرى‭.‬
‮ ‬
‮ ‬لكن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬برؤوس‭ ‬ثلاث‭. ‬ونتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬يعد‭ ‬موقفها‭ ‬غير‭ ‬ثابت،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬سلطتين‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الانشطار‭ ‬وتمزق‭ ‬الصّفّ‭ ‬اللّيبي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدور‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬بعد‭ ‬لقاءات‭ ‬بوزنيقة‭ ‬والصخيرات‭. ‬وبالتالي‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬عنصرا‭ ‬دائما‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬الغبيّ‭ ‬وغير‭ ‬القار،‭ ‬لأن‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬بدون‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقّق،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬‮ ‬ومحاولة‭ ‬فكّ‭ ‬العزلة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النّواحي‭.‬
‮ ‬
‮ ‬أظنّ‭ ‬أن‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬وما‭ ‬يقع‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشّرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وسط‭ ‬انهيار‭ ‬تامّ‭ ‬لمحور‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بمحور‭ ‬الممانعة‭ ‬المتشكّل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيران‭ ‬وسوريا‭ ‬والجزائر‭. ‬وسقوط‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬كشف‭ ‬حقيقة‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬القبيح‭ ‬للنظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬نظام‭ ‬عسكري‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬تقاوم،‭ ‬وهي‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ليست‭ ‬لديها‭ ‬مكونات،‭ ‬وليست‭ ‬لديها‭ ‬شرعية‭ ‬سياسية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزكيه‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬رفع‭ ‬شعارات‭ ‬في‭ ‬الداخل:‭ ‬"ما‭ ‬نيش‭ ‬راضي"‭. ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬تكشف‭ ‬مدى‭ ‬تخبّط‭ ‬النّظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬قطائع‭ ‬ديبلوماسية‭ ‬متواصلة،‭ ‬بداية‭ ‬بإسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والخلاف‭ ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬وكذا‭ ‬فساد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬المغرب‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬وكسب‭ ‬ودّ‭ ‬وثقة‭ ‬الدّول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬خاصة‭ ‬منطقة‭ ‬السّاحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصّحراء،‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬الجزائر‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬بأدوار‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المسلّحة‭ ‬التي‭ ‬اخترعتها‭ ‬الجزائر‭ ‬ودعّمتها‭ ‬وأيّدتها‭ ‬ودفعت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬السّاحل‭ ‬للإضطراب‭ ‬وليس‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن،‭ ‬فانكشفت‭ ‬هاته‭ ‬اللّعبة‭ ‬الجزائرية‭ ‬القذرة‭.‬
‮ ‬
هذا‭ ‬المحور‭ ‬المتهاوي‭ ‬المشكّل‭ ‬بمحاولات‭ ‬الدعم‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬أهداف‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الأوروبية‭. ‬فهذا‭ ‬المحور‭ ‬وأفول‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬سوف‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭. ‬هذا‭ ‬النّظام‭ ‬فاشل‭ ‬سياسيا‭ ‬وجيوسياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وديبلوماسيا،‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لانهيار‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬ولأفوله،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬كل‭ ‬أوراقه‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬له‭ ‬إلاّ‭ ‬البلطجة‭ ‬السّياسية‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬مفهوم‭ ‬المناورة‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬الرصانة‭ ‬والحصافة‭ ‬العقلانية‭.‬
‮ ‬
اليوم،‭ ‬الجزائر‭ ‬تعيش‭ ‬فشلا‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬بمقاربات‭ ‬عاجزة‭ ‬لا‭ ‬تقرأ‭ ‬جيّدا‭ ‬النّسق‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدّولي،‭ ‬لأن‭ ‬البيئتين‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـنظرية‭ ‬السّياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬المقارنة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬قرارات‭ ‬رصينة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءة‭ ‬الجيدة‭ ‬للواقع‭ ‬الدولي‭ ‬والواقع‭ ‬الإقليمي‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الامتحان‭ ‬وهذا‭ ‬الاختبار،‭ ‬فشلت‭ ‬الجزائر‭ ‬‮ ‬ونظامها‭ ‬‮ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أيّ‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬بالمقابل‭ ‬حقّق‭ ‬المغرب‭ ‬نجاحات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قضية‭ ‬الصّحراء‭ ‬المغربية‭ ‬ومبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬التي‭ ‬سترى‭ ‬النّور‭...
 
 
محمد عصام لعروسي، مدير عام مركز منظورات للدّراسات الجيو-سياسية  وخبير في الشّؤون الأمنية