السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل الهجرة مشكل وهمي أم حقيقي بفرنسا؟

يوسف لهلالي: هل الهجرة مشكل وهمي أم حقيقي بفرنسا؟ يوسف لهلالي

هل الهجرة مشكل وهمي ام حقيقي بفرنسا؟ هذا الاشكال بالمناسبة لا يقتصر على فرنسا بل يمس اغلب بلدان اوروبا بما فيها اوروبا الشرقية التي لا تستقبل الهجرة وترى فيها منافسا لليد العاملة التي تبعث بها الى بلدان أوروبا الغربية والحديث عن الهجرة كمشكل وبشكل سيء يتزايد على الخصوص في الحقب الانتخابية التي تشهدها مختلف البلدان الاوربية. رأينا ما شهدته فرنسا في الانتخابات الأخيرة، وكيف أصبحت حتى أحزاب الوسط واليسار تدخل أحيانا في مزايدات للحديث بشكل سلبي عن الهجرة ويتم التوهم على اعتبارها مشكلة وليست حلا لمشاكل هذه البلدان التي يعاني اغلبها من نقص حاد في النمو الديموغرافي وتراجع نسبة اليد العاملة وهو ما يؤثر في اغلب الأحيان على نموها الاقتصادي ويهدد توازن صناديق التقاعد بهذه البلدان.

 

عند تنصيب الحكومة الفرنسية الجديدة لمشيل بارنييه ، وقع مشهد سوريالي اثناء تسلم وزير الداخلية الجديد لمهامه، برونو روتايو وهو  المعروف بانتمائه للجناح المتشدد بحزب الجمهوريين تحدث عدة مرات عن ضرورة إعادة النظام، عن التشدد تجاه الهجرة، وزير الداخلية السابق، جيرار درمنان، وهو من الجمهوريين كذلك قبل ان يلتحق بحزب الوسط لماكرون، ومعروف عليه التشدد تجاه الهجرة وقربه من نيكولا ساركوزي، تحدث في حفل تسليم المهام الى  وزير الداخلية الجديد عن الميز والعنصرية التي تعرفها فرنسا تجاه من هم من أصول اجنبية، وقال " ان كنا صادقين  لو كان اسمي موسى مثل جدي الجزائري  لما انتخبت رئيس بلدية ونائبا برلمانيا ولما أصبحت وزيرا لداخلية" ، ، هذا التحول 180 درجة لم يفهمه الموظفون الدين كانوا حاضرين في هذا الحفل، وكأن موسى من اصل جزائري  تحدث هذا اليوم مكان  جيرار الفرنسي .وقال موسى لجيرار حجم الميز والعنصرية التي يتعرض لها الفرنسيون من أصول اجنبية هو كبير بفرنسا.

 

زعيم حزب العنصريين بفرنسا جوردان بارديلا لم يترك هذه الفرصة تمر دون ان يسأل الوزير، "من هو العنصري سكان توركوان الدين صوتوا عليك؟ ام مؤسسة الشرطة؟ ام فرنسا؟". واعتبر في تغريدته تصريحات درمنان "إهانة لفرنسا"، وهو الاخر، له أصول جزائرية من خلال جده.

 

عدد من المتتبعين للوزير على شبكة التواصل الاجتماعي، طرحوا عليه السؤال، لمادا ان شخصيات مثل رشيدة الداتي، ونجاة بلقاسم وعثمان نصرو تمكنوا من الصعود السياسي بفرنسا رغم أسمائهم العربية (التلاثة من أصول مغربية)؟ الجواب كان ان اغلبهم لم يتمكن من النجاح في الاستحقاقات الانتخابية حيث يبقى الاسم عائقا الا رشيدة الذاتي التي هي عمدة بأحد مقاطعات باريس، اعتبرها درمنان استثناءا وشخصية فريدة في الساحة السياسية بقدرتها على تجاوز هذه العوائق التي توجد بفرنسا تجاه دوي الأصول المهاجرة الذي يحملون أسماء عربية. وأضاف انه يتمنى ان تتجاوز فرنسا هذه الوضعية وانه لا يريد فرنسا اثناء الانتخابات تتحدث فيها مارين لوبين الى "البيض" وجون لوك ميلانشون يتحدث فيها الى الفرنسيين من أصول اجنبية. طبعا الذين ينتقدونه وينتقدون سياسته يقولون ماذا فعل خمس سنوات كوزير لداخلية ينتمي لحكومة كانت تتوفر على اغلبية.

 

مناسبة هذا الكلام، هو علاقة الفرنسيين والاوربيين بالهجرة وكيف ان جيرار درمنان عندما كان وزيرا، كان يقضى وقته في المزايدة على مارين لوبين في التشدد تجاه الهجرة وعندما يغادر المسؤوليات يتحدث عن الميز والصعوبات التي يتعرض لها أبناء المهاجرين من فرنسا فقط لان اصولهم اجنبية. وهو ما يعني ان الهجرة هي مشكل يتم توهمه.

 

حالة درمنان هي ليس استتناءا بل هي قاعدة تميز السياسيين الفرنسيين وتعكس نوع من الانفصام في الشخصية والسكيزوفرينيا في التعامل مع الهجرة بين موقفهم اثناء تحمل المسؤوليات حيث يرددون خطاب متشدد تجاه الهجرة والمهاجرين ونعتهم بشكل سلبي، وبين حياتهم الخاصة وخارج المسؤوليات حيث يعتبرون الظاهرة إيجابية لفرنسا وتعنيهم وتعني عائلاتهم أحيانا. هذا بالإضافة الى ان درمنان ينتمي الى تاريخ معقد بين فرنسا والجزائر حيث كان جده جنديا بالجيش الفرنسي واختار فرنسا أي ما يسمى بالحركي الذين ساندوا استمرار الاستعمار الفرنسي.

 

واعتبار الظاهرة إيجابية، أي الهجرة هو ما تعكسه اغلب الدراسات العلمية سواء بفرنسا او بأوروبا، خاصة الجوانب الإيجابية على الاقتصاد وعلى الدينامية داخل هذه المجتمعات الاوربية التي تعاني من الشيخوخة بسبب التراجع الديموغرافي الحاد بها وهو ربما ما يفسر تزايد الخوف داخل هذه المجتمعات. وهو ما يجعل اغلبية وسط هذه المجتمعات تتوهم الهجرة كمشكل وليس كحل لبلدانهم.