مما شغل الإعلام الأوروبي في الأيام الأخيرة هو قرار المحكمة الأوروبية الذي جاء بإلغاء اتفاقية الفلاحة والصيد البحري المبرمة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي. هذا القرار الغبي الذي أسعد بعض الجهات كحكام الجزائر ودميتها البوليساريو ووضع كابوس الحزن والذهول على جل مسؤولي الاتحاد الأوروبي.
أما فيما يخص المغرب، فهو غير معني بذلك الحكم، وبالنسبة له فهو بمثابة مجموعة من الورق المبلل لا قيمة ولا تأثير له على سيادة المملكة المغربية بحيث صلاحية تلك المحكمة أنها تخص فقط الاتحاد الأوروبي.
ولو أن ذلك الحكم لا يهمنا كمغاربة، لكن يجرنا للاستغراب، بحيث صعب فهم ذلك القرار، لأنه يضر مصالح سكان الاتحاد الأوروبي ويجهل مبدأ "المصلحة الوطنية" الذي كثيرا ما تأخذه بعين الاعتبار للحفاظ على مصالح دول الاتحاد.
وإن كانت المحكمة قد أخفقت في استحضار المبدأ المذكور الذي يخدم مصلحة الاتحاد، فهو من الطبيعي أن نقول بأن المحكمة الأوروبية سقطت في فخ الاحتيال والخدعة التي جرتها إليهما جراثيم البوليساريو المسيرة من طرف دولة الجزائر، وتعاملت مع الملف بجهل تام لمعطيات التاريخ وبجهل فظيع لقضية الصحراء المغربية، التي توجد بيد الأمم المتحدة وأن القانون الدولي العام وحتى القانون الخاص بالاتحاد الأوروبي والخاص بقانون تأسيسها يمنعها من التجاوزات المشبوهة التي وردت في قرارها. فإن كان الاتحاد الأوروبي وبرلمانه خاطئان في قرارهما بإبرام اتفاقية الفلاحة والصيد البحري مع المملكة المغربية، فذلك هو شأن الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، وهنا للمحكمة الحق في القيام بمهامها وفي حد اختصاصاتها وحدود صلاحيتها، لكن أن تتجاوز حدودها الجغرافية وأن تمس بمهام مجلس الأمن وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الذي يحدد شروط مكونات الدولة إلى حد أن تعلل قرارها بوجود دولة وشعب وهمي لا تعترف به أكثر من 19 عشرة دولة من نسيج الاتحاد الأوروبي نفسه، هذا نسميه الجهل بعينه.
على المحكمة الأوروبية أن تعلم أن المملكة المغربية فعلا هي طرف في الاتفاقية ولكن ليست بطرف في القضية، وعليها أن تعرف بأن المملكة المغربية لها سيادتها وأن قرارها لا يعني المملكة المغربية، والمؤسف في النازلة هو أن قرارها يتنافى مع مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، الذي تنص عليه المعاهدة الدولية 2131 الصادرة سنة 1965 وتتنافي حتى مع قرار مجلس الأمن 1514 الصادر سنة 1960.
كيف يعقل أن محكمة من هذا الوزن، أن تتكلم على شعب لا وجود له وعلى إقليم من المملكة المغربية، كأنه دولة كانت قائمة بذاتها قبل الاستعمار الإسباني، رغم وجود كل المعطيات التاريخية والقانونية وحتى السياسية التي تنفي ذلك.
أما ماهو أغرب في هذا الحكم، هو إعطاء الشرعية للطعن في الاتفاقية لأفراد تغيب فيهم كل الشروط القانونية للمثول أمامها.
على العموم قرار المحكمة الأوروبية قرار أعمى و فارغ المحتوى، بحيث يضر الاتحاد الأوروبي ولا يغني المملكة المغربية من جوع.
وعلى الدبلوماسية المغربية اليوم أن تكون صارمة مع التلاعبات السياسية لبعض الدول، وأن تحد مع تلك الازدواجية التي تتعامل بها بعض الدول، لأننا، حقيقة، في غنى عنها وأن ترتكز في علاقاتها الدولية على مبدأ "معي أو ضدي" لسد الطريق، أما كل العلاقات المسمومة فمغرب اليوم ليس بمغرب الأمس.
المغرب اليوم، ليس في حاجة إلى أوروبا، وأوروبا هي من تحتاج للمغرب وبهذا الحكم، يبقى المغرب حرا لإبرام شراكاته مع دول غير الاتحاد الاروبي وبشروط أفضل وبكثير من التي وردت في الاتفاقية الملغية.
وعلى الاتحاد الاروبي أن يرتب أوراقه ويعيد النظر في مؤسساته وإن اقتضى الحال، أن ينزع من صلاحيات المحكمة الأوروبية البت في كل القضايا التي تجمع المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي ليثبت للمغرب وفاءه وصدقه ووضوحه في علاقاته التي تجمعهما وأن يتعامل مع المملكة المغربية بالند للند، لأن سياسة الأستاذ والتلميذ انتهت.
ذ. هلال تاركو الحليمي /رئيس جمعية المحامين المغاربة ومن أصول مغربية الممارسين بالخارج