السبت 18 مايو 2024
سياسة

أحمد نور الدين: قرصنة التراث المغربي جريمة دولة!

 
 
أحمد نور الدين: قرصنة التراث المغربي جريمة دولة! أحمد نور الدين
صحيح أن قرصنة الجزائر لكل ما هو مغربي هو تطبيق عملي لمقولة ابن خلدون: “كل مهزوم مولوع بتقليد المنتصر”، ولكن الأبعاد التي اتخذتها هذه القرصنة الموصوفة من حيث الكم والنوع، جعلت الجزائر بلد المليون قرصان للهوية المغربية في كل تمثلاتها المادية والمعنوية. فلم ينج مجال من المجالات التراثية ولا تعبير من تعبيرات الحضارة المغربية بمفهومها الواسع، من سرقة أو انتحال جزائري، ووصلت الصفاقة والسماجة والوقاحة أوجها لدى “جمهورية القراصنة“ بعد أن تطورت السرقة الموصوفة إلى مخطط دبلوماسي لتسجيل التراث المغربي باسم الجزائر في أعرق مؤسسة للثقافة والعلوم بالعالم “اليونسكو“! هنا تغيرت كل المعادلة وأصبحنا أمام جريمة دولة متكاملة الأركان تستدعي ردّاً رسميّاً مستعجلاً ومتكاملا من كلّ أجهزة الدولة المغربية.
وللوقوف على حجم المؤامرة الجزائرية على التراث المغربي لا بأس من التذكير بٍسلّة من أصناف الجرائم ضد تراثنا المادي واللامادي الذي يتعرض للقرصنة جهاراً نهاراً، إذْ لم يسلم من القرصنة حتى العلماء والأعلام والشخصيات التاريخية، التي هي أشهر من نار على علم، من أمثال ابن بطوطة الطنجي، وعبد الرحمن المجذوب المكناسي، والشيخ بوعمامة الفكيكي، وطارق ابن زياد الصنهاجي، وغيرهم كثير. إنها محاولة بئيسة لسرقة تاريخ بلد له جذور تاريخية ونسبتها إلى بلد خلقته ورسمت خارطته فرنسا الاستعمارية.
وحين يصل الأمر ببلد أن يُزوّر هوية رجالات صنعوا التاريخ، فأكيد أنه سيستييح سرقة ما دون ذلك بلا خجل أو وجل. وهذا ما يحدث كل يوم على شاشات التلفزيون الرسمي الجزائري وباقي القنوات والمواقع، تارة بِجَزأرة فنون الطبخ والحلويات المغربية من الطاجين إلى البسطيلة، ومن الطنجيّة إلى المحنّشة، مُرورا بمعظم الأطباق التي يعرفها العالم بأصلتها المغربية العريقة. وتارةً أخرى بسرقة فنون العمارة بمختلف أشكالها من زليج ونحت على الجبس والخشب والنحاس. وقد بلغت السوريالية منتهاها حين سوقت الدولة الجزائرية، في مهرجان الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، صورة مسجد الكتبية بمنارته الشامخة في مراكش على أنه جزائري.. إنها سرقة لا تعدلها إلا سرقة الشمس أو القمر، ويجب أن تكون جزائرياً حتى تجرأ على مثل تلك الجريمة..
ولم ينج من الهجمة الشرسة حتى اللباس المغربي وفي مقدمته القفطان، الذي تعرف هويته المغربية كبريات دور العرض والأزياء من باريس إلى نيويورك، ويرتديه المشاهير من ربوع الدنيا كلها من عالم السينما إلى عالم السياسة. وبين هذا وذاك لم ينس القراصنة أن يسطوا على التكشيطة والفرجية وجابادور وتشامير والجلابة، وقفزوا بعد ذلك للاستيلاء على تقاليدنا في الأعراس والحفلات من عمارية وطيافير وأهازيج الزفاف، ونقلوا معها بكل غباء حتى الرايات التي يحملها عيساوا، دون أن ينتبهوا إلى أنها موسومة بشارة المملكة بأسديها وتاجها.. فاوردوا انفسهم وبلدهم مورد القردة وبئس المورد!
وأما عن منتوجات الصناعة التقليدية الجلدية والخزفية والخشبية، والمنحوتات والمنسوجات والزرابي والصينية وبراد الشاي والطناجر والأواني النحاسية، والصالون والأثاث المغربي، فحدّث ولا حرج.
وفي محاولة يائسة لإيجاد غربال يغطون به شمس التراث المغربي، قرصن التلفزيون الجزائري وثائقيا مغربيا يتحدث عن صناعة النحاس بفاس، وقدموه على اساس، أنه برنامج جزائري عن صناعتهم التقليدية المتوهمة. كما قاموا بقرصنة مسلسل “رمانة وبرطال“ بكل تفاصيله الدقيقة وأعادوا تمثيله في الجزائر ونسبوه إلى مخرج جزائري وعرضوه على شاشة التلفزيون الجزائري. أمام هول هذه المشاهد وفظاعة هذه المهازل لا أظن أن النظام العسكري سيقف عند حد من الحدود، فقد جف ماء وجهه حتى بدت عظامه.
إنها حرب شاملة على حضارة المغرب وثقافته وتراثه، تقودها الدولة الجزائرية بكل مؤسساتها،
وتستعمل فيها كل الوسائل القذرة والأسلحة المُحرّمة ثقافياً وأخلاقياً. وقد آن الأوان للدولة المغربية ان تنتفض دفاعاً عن تاريخنا وتراثنا باستراتيجية حقيقية، ولتكن البداية من فرض شارة صنع بالمغرب مع علامة مميزة لكل منتوجات الصناعة التقليدية حتى لا نترك الفراغ للجزائر أو غيرها من الدول التي تقرصن تراث المغرب وتُسوّقه على أنه تراثها. وثاني خطوة هي تسجيل كل التراث المغربي وصناعاته التقليدية لدى المكاتب العالمية للملكية الفكرية والفنية، ولدى اليونسكو والإسيسكو وغيرها من المنظمات الدولية. وثالثا برفع دعاوى قضائية ضد الدولة الجزائرية بانتهاكها حقوق المِلكية الصناعية والثقافية والفنية، أمام محاكم كل الدول التي يمكننا أن نترافع أمامها، فإن لم نستصدر أحكام إدانةٍ أو تعويضات بالمليارات، فعلى الأقل نفضح جرائم الجزائر على رؤوس الأشهاد..
 
أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية