للذين لا يذكرون لرقمنة المحاكم فضلا نقول لهم إنه كان المتقاضي أو المهني في سالف العصر والأوان يجري قطع المسافات تلو المسافات محملا بورقة الاجراءات عليها أرقام الملفات باحثا لاهثا عن منطوق الأحكام أو مآل الجلسات، يهيم الموظف المكلف بين صفحات سجلات كتب عملاقة ليحقق له الحاجة، ويمضي صاحبنا وقتا متعبا ضنكا لقضاء مآرب صغيرة.
إلى أن لاحت بشرى رقمنة المحاكم مع الطفرة الالكترونية، طبعا التحقت محاكمنا المغربية كعادة كل إداراتنا متأخرة بركب الرقمنة، وذلك على مراحل، بداية كانت مراقبة مآل الملفات ومنطوق الأحكام تتم عبر حواسيب بمداخل المحاكم يُضرب أمامها طابور طويل، ثم تطور الأمر إلى خلق بوابة محاكم عبر الانترنت تبيح قضاء الغاية من هاتف ذكي أو من حاسوب مزودين بالانترنت.
كان موقع محاكم على سيرته الأولى أنيقا بلون أخضر أخاذ، يتضمن رقم الملف محليا ووطنيا واسم القاضي أو القاضية المقرر، وموعد انعقاد الجلسة صباحا أو زوالا، ومحينا بما يجعل مواكبة الملف محققة، واستمر العمل بهذا الموقع بدون أدنى حرج باستثناء بعض الاخطاء البشرية التي كانت تطفو من حين لآخر كأن تخالف النتيجة على الموقع نظيرتها على الواقع، وهو ما يجري تصحيحه بنتائجه الكارثية أحيانا، فقد تجد في الموقع نتيجة حكم تقضي ب(وفق الطلب)، وحين تحصل على الحكم تجد منطوقه يقضي ب(رفض الطلب)، مع أخطاء في مبالغ تعويضات ومستحقات.
فجأة بدلت وزارة العدل الموقع تبديلا، غيرته للأسوأ ودون حاجة لذلك التغيير، تصفيف تقني رديء، استعراض معلومات عن الملف ناقص ومبتور، على مستوى حذف اسم القاضي وحذف موعد الجلسة، علما أن اسم القاضي عامل محدد للاهتداء للملف، فكل قاض له كتابة ضبطه العاملة معه.
ومازاد طين الموقع الجديد بلة هو عدم تحيين مستجداته، فبات عبءا ثقيلا على قلوب وفي نفوس المتعاملين مع المحاكم من مهنيين ومن عموم المتقاضين، الموقع الجديد بحلته القبيحة، وبحجم التراجع عن جمالية سابقه وانعدام دقته فقد الثقة في نتائجه...
جاز طرح سؤال حول من كان وراء هذا الاستبدال غير الموفق؟ وهل هناك صفقة مشبوهة حول هذا المشروع الوهمي الذي لا نعتقده إلا مكلفا للمال العام؟ ومن استفاذ؟ ومن قدم؟ ومن وافق؟ ومن راقب؟ وأين الغاية والنتيجة؟ ومن حاسب؟ ومن واكب؟ ولعل إبقاء وزارة العدل على هذه الصيغة من موقع محاكمها يخرج المحاكم من قاعدة الرقمنة كأساس علمي تقني ويدخلها في خانة الغميقمنة، الذي هو صورة من صور العبث والغميق على المرتفقين، فالموقع الذي لا يقدم خدمة أكثر تطورا يطرح تبنيه علامات استفهام حول صفقة مغشوشة يسيل من خلفها دسم ذهب الى جيوب هنيئا مريئا وأبقى مرتفقي المحاكم في حيرة واضطراب وحرج، يشدون الرحال الى مقرات المحاكم ليسألوا عن تاريخ جلسة ملف، ويتفاجؤون بملفات صدرت أحكام فيها وموقع وزارة العدل يكتب في صفحته بدون استحياء (يعاد للجميع)، وهم بذلك يعودون لسالف العصر والأوان بعدما تبين لهم الفرق بين الرقمنة والغميق...منة.