الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

زهرو: المرحلة القادمة تتطلب من حكومة أخنوش الحسم في هذه الأولويات

زهرو: المرحلة القادمة تتطلب من حكومة أخنوش الحسم في هذه الأولويات رضوان زهرو
لقد‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬منجزات‭ ‬مهمة،‭ ‬ويقوم‭ ‬بإصلاحات‭ ‬عميقة،‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ينتظرنا‭ ‬الكثير‭ ‬كذلك؛‭ ‬إكراهات‭ ‬وتحديات،‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية؛‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬التحرك‭ ‬لتجاوزها،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأهيل‭ ‬المجتمع‭ ‬والنهوض‭ ‬بالاقتصاد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬التي‭ ‬ننشدها‭ ‬جميعا‭.‬
 
لكن‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بخلق‭ ‬مناخ‭ ‬ماكرو‭ ‬اقتصادي‭ ‬نظيف،‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬الحرة‭ ‬والشريفة،‭ ‬وإلغاء‭ ‬نظام‭ ‬الاحتكارات،‭ ‬وترشيد‭ ‬النفقات‭ ‬العامة،‭ ‬وتطوير‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬وإنعاش‭ ‬المقاولات‭ ‬الخاصة،‭ ‬الصغرى‭ ‬منها‭ ‬والمتوسطة‭ ‬والمتناهية‭ ‬الصغر،‭ ‬ومواصلةإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬القضائي،‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬العبء‭ ‬الإداري،‭ ‬وتوسيع‭ ‬الوعاء‭ ‬الضريبي،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬العشوائية‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الإدارة‭ ‬الجبائية،‭ ‬وتبسيط‭ ‬المساطر‭ ‬الإدارية‭ ‬وإزالة‭ ‬جميع‭ ‬العراقيل‭ ‬أمام‭ ‬الاستثمار‭ ‬حتى‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره‭ ‬كاملا‭ ‬كرافعة‭ ‬للإقلاع،‭ ‬وتحقيق‭ ‬النمو‭.‬
 
كذلك‭ ‬توسيع‭ ‬وتشجيع‭ ‬المبادرات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المنتجة،‭ ‬العمومية‭ ‬منها‭ ‬والخاصة،‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬لتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬وآليات‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬تصحيح‭ ‬الاختلالات‭ ‬والفوارق،‭ ‬وتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬عيش‭ ‬المواطن،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفقر‭ ‬ومختلف‭ ‬أشكال‭ ‬الحرمان،‭ ‬عبر‭ ‬تعميق‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬التنزيل‭ ‬السليم‭ ‬لمنظومة‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ولآلية‭ ‬السجل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الموحد،‭ ‬والحرص‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬بلورة‭ ‬روح‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأمة؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬مواصلة‭ ‬الإصلاحات‭ ‬البنيوية‭ ‬والقطاعية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭  ‬التدبير‭ ‬الجيد‭ ‬للإدارة‭ ‬العمومية،‭ ‬وتمكين‭ ‬المرأة،‭ ‬وخلق‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة،‭ ‬وإصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬وخاصة‭ ‬النهوض‭ ‬بالتعليم‭ ‬العالي‭ ‬و‭ ‬والابتكار‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬رافعة‭ ‬للتنمية؛‭ ‬كذلك‭ ‬مواصلة‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتوطيد‭ ‬دعائم‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وتقوية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني؛‭ ‬أي‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬خلق‭ ‬شروط‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬قوى‭ ‬ودائم،‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية،‭ ‬شاملة‭ ‬ومستدامة‭. ‬
 
إن‭ ‬الاستثمار‭ ‬المنتج‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬النمو‭ ‬القوي‭ ‬والمستدام،‭ ‬ويخلق‭ ‬مناصب‭ ‬شغل،‭ ‬ويضع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سياسات‭ ‬عمومية‭ ‬ناجعة،‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬بيئة‭ ‬سليمة‭ ‬وبلوغ‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة،‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬وعلى‭ ‬نوعية‭ ‬الموارد‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬الانتقال‭ ‬التدريجي‭ ‬لبلادنا‭ ‬نحو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسريع‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬النجاعة‭ ‬الطاقية،‭ ‬وتكريس‭ ‬ثقافة‭ ‬بيئية،‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬الناجعة‭ ‬لحل‭ ‬الإشكالات‭ ‬البيئية،‭ ‬مع‭ ‬الاعتماد‭ ‬أساسا،‭ ‬على‭ ‬التكوين‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والابتكار‭. ‬
 
‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الشائكة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬عاجل‭ ‬بل‭ ‬وسريع‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة،‭ ‬ملف‭ ‬التقاعد‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬جماعي،‭ ‬وإلى‭ ‬تعاقد‭ ‬اجتماعي؛‭ ‬حيث‭ ‬تعاني‭ ‬منظومة‭ ‬التقاعد‭  ‬برمتها‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬من‭ ‬اختلالات‭ ‬عديدة،‭ ‬تهدد‭ ‬توازنها‭ ‬المالي‭ ‬وفعاليتها‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬ومستقبلها‭ ‬برمته‭.‬
 
نحتاج‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬النهوض‭ ‬بأوضاع‭ ‬الشباب‭ ‬والأطر‭ ‬والمستخدمين‭ ‬كافة،‭ ‬(نحتاج)‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬إستراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬خاصة‭ ‬بالمسنين،‭ ‬كمطلب‭ ‬ملح‭ ‬وحاجة‭ ‬ماسة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مجتمع‭ ‬ينعم‭ ‬فيه‭ ‬المسنون‭ ‬بدورهم‭ ‬بحياة‭ ‬آمنة‭ ‬وصحية،‭ ‬اعترافا‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬بما‭ ‬قدمته‭ ‬لنماء‭ ‬وتطور‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬جهة؛‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬لما‭ ‬أصبح‭ ‬يفرضه‭ ‬التحول‭ ‬السكاني‭ ‬نحو‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬نفسية‭ ‬وفسيولوجية‭ ‬واجتماعية؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬رعاية‭ ‬وخدمات‭ ‬خاصة،‭ ‬طبية‭ ‬ونفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وترفيهية‭ ‬وخدمات‭ ‬العناية‭ ‬الشخصية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الرعاية‭ ‬المختلفة‭.‬
 
نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬وسائل‭ ‬وآليات‭ ‬جديدة،‭ ‬مبتكرة‭ ‬وغير‭ ‬تقليدية،‭ ‬لإنعاش‭ ‬النمو،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إصلاحات‭ ‬أساسية‭ ‬وذات‭ ‬أولوية،‭ ‬مـثل‭ ‬إصلاح‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة،‭ ‬وإصلاح‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين،‭ ‬وإصلاح‭ ‬العدالة،‭ ‬وإصلاح‭ ‬القطاع‭ ‬السمعي‭ ‬البصري،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬وتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬الحكامة‭ ‬الجيدة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الطموحات‭ ‬الكبيرة‭ ‬والنبيلة،‭ ‬والمشروعة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭.‬
 
كانت‭ ‬تلكم‭ ‬بعض‭ ‬التوجهات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬أساسية‭ ‬و‭ ‬ذات‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬(على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬)‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬إصلاح‭ ‬يحتاج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه،‭ ‬إلى‭ ‬التشاركية‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وإلى‭ ‬منهجية‭ ‬عمل‭ ‬واضحة،‭ ‬وإلى‭ ‬آليات‭ ‬تنفيذ‭ ‬واقعية؛‭ ‬كما‭ ‬يحتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬إلى‭ ‬خبرات‭ ‬وكفاءات‭ ‬وطنية؛‭ ‬وهو‭ ‬لعمري‭ ‬المسار‭ ‬الطبيعي‭ ‬للإصلاح،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭.‬
د. رضوان زهرو، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني