الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

بوقنطار: آن الأوان لدخول "رخصة الترافع" عن المستهلك أمام المحاكم حيز التطبيق

بوقنطار: آن الأوان لدخول "رخصة الترافع" عن المستهلك أمام المحاكم حيز التطبيق عيد الرزاق بوقنطار
رغم مرور عدة سنوات على صدور القانون رقم 08-31، القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، والذي نشر بالجريدة الرسمية في 7 أبريل 2011، مازال المغاربة يرزحون تحت وطأة الممارسات المنافية لحرية المنافسة وحماية حقوق المستهلك، بل إن أساليب الغش ونشاط المضاربين والوسطاء في مجموعة من القطاعات ما فتئ يتزايد، مصحوبا بموجة من الزيادات غير المبررة في الأسعار، وعرقلة لآليات السوق المبنية على منطق العرض والطلب، في الوقت الذي تظل الدولة عاجزة عن إيجاد الآليات الكفيلة بمحاربة المخالفين والضرب على أيديهم، رغم أن هذه المسألة لا تتطلب سوى بعض الحزم والصرامة في المراقبة المستمرة.

لقد سبق وأن أقرت الوزارة المنتدبة المكلف بالشؤون العامة والحكامة بأن الخبز الذي يستهلكه المغاربة مضر بالصحة ويتسبب في عدة أمراض، مثل السكري والكوليسترول. هذا الأمر حرك جمعيات حماية المستهلك ودفعها إلى المطالبة بفتح تحقيق عاجل في التصريحات الخطيرة الخطيرة التي صدرت عن هاته الوزارة، غير أنه إلى حدود الساعة لم تتحرك أي جهة أو مصلحة في الدولة من أجل فتح هذا الملف، ما يطرح معه أكثر من علامة استفهام حول رغبة الحكومة في تفعيل قانون حماية المستهلك، وكذا الجهات التي تعرقل منذ البداية هذا القانون.

رغم صدور القانون رقم 08-31، القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، فإن المغاربة مازالوا يرزحون تحت وطأة الممارسات المنافية لحرية المنافسة وحماية حقوق المستهلك، فنشاط السماسرة والوسطاء توسع بشكل كبير، في عدة قطاعات استهلاكية، مثل الخضر والفواكه والسمك والاتصالات والعقار والبنوك والتأمينات، تحولت إلى مرتع خصب لتنامي الغش والاحتيال والزيادات غير القانونية في الأسعار.

فالخضر والفواكه تتحول من سلع رخيصة في أسواق الجملة إلى سلع ملتهبة الأسعار لا يجرؤ المواطنون على الاقتراب منها في رفوف باعة التقسيط، والسبب هو كثرة الوسطاء والمضاربين وغياب المراقبة، أما قطاع السمك فقد أصبح هو الآخر معقلا رئيسيا لنشاط المضاربين، إذ رغم الثروة السمكية الهائلة التي يتوفر عليها المغرب، تصل الأسعار حاليا إلى مستويات قياسية، جعلت الكثيرين يعزفون عن اقتنائه. 

ويعزو باعة السمك ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة إلى ضعف الإنتاج وكثرة المتدخلين والوسطاء في عمليات البيع، مشيرين إلى أن بعض الأنواع تباع على الأقل 4 أو 5 مرات قبل وصولها إلى المستهلك النهائي، وفي كل مرة، يضاف هامش ربح، ما يجعل السعر النهائي للسمك مرتفعا.

ويرى هؤلاء أن هناك لوبيات تحتكر تجارة السمك، وهي مسألة تنعكس بشكل كبير، حسب الباعة، على الكميات المروجة في الأسواق، والتي سجلت في الآونة الأخيرة تراجعا ملموسا، موضحين أنهم في غالب الأوقات لا يتمكنون من اقتناء الكميات اللازمة لمحلاتهم، ما يجعلهم عاجزين عن تلبية حاجيات المستهلكين.

وهناك قطاعات أخرى تحولت إلى مرتع خصب للممارسات المخالفة للقانون، والتي تضرب في العمق حماية المستهلك، وعلى رأسها قطاع العقار، إذ شهد الأخير في السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في الأسعار، بسبب الوسطاء والمضاربين، وانتشار ظاهرة «النوار» الذي يمنعه القانون، وعدم وفاء المنعشين بتعهداتهم على مستوى جودة البناء. 

أما في قطاع البنوك والتأمينات والاتصالات، التي تعرف توافقات تخالف قانون حرية المنافسة والأسعار، فالشروط التعسفية من أهم ما يثقل التزام المستهلك في العقود الاستهلاكية الموقعة مع المؤسسات السالفة الذكر. وعادة ما ترد هذه الشروط في عقود الإذعان التي تبدو، وفقا للقواعد العامة، شروطا اعتيادية لا تنال من سلامة الرضا، ولكنها في حقيقتها مجحفة، وهذا ما يجعل الحاجة ماسة إلى حماية المستهلك المقترض من هذا النوع من الشروط، خاصة أن القوانين قد لا تأخذ بعين الاعتبار عدم تكافؤ الواقع الاقتصادي بين مؤسسات البنوك أو التأمينات أو الاتصالات بصفتها مقاولة تجارية تسعى لتحقيق الربح وتملك سلطة المعرفة والمال في نفس الآن، وبين الطرف الضعيف في العلاقة، المستهلك والمحاط بظروف الحاجة و بجهلهم للمساطر والقوانين ورغم أن هذه الوضعية تتطلب من الدولة اتخاذ إجراءات حازمة للضرب على أيدي المضاربين، إلا أنها تقتصر فقط على بعض الإجراءات العقيمة، مثل مراقبة إشهار لوائح الأسعار.

وتنتظر الجمعيات بفارغ الصبر مع دخول هذا القانون حيز التطبيق منذ عدة سنوات، صفة المنفعة العامة بشكل رسمي يتيح لها «رخصة الترافع» أمام محاكم المملكة دفاعا عن المستهلك، بطبيعة الحال هذا الأمر رهين بقرار وزاري مشترك بين وزارتي العدل والتجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة.

ففي الوقت الذي يخول لجمعيات حماية المستهلك التي تحوز صفة «المنفعة العامة» الدفاع عن حقوق المستهلك، فإن دورها الحالي ينحصر في التحسيس والتوعية، فضلا عن اعتماد بدائل لا تلزم المورد و لا يكثرت لمقتضيات القانون 31-08.

ويجعل من المنضومة القانونية بين المستهلكين و الموردين فرص غير متكافئة، بشكل يحول المستهلك إلى الحلقة الأضعف في مختلف أطوار الدورة الإنتاجية بالمغرب، نظرا للثغرات التي تعتري قانون الالتزامات والعقود، الذي يعتمد مرجعا قانونيا في حال التقاضي بين طرفي الدورة الإنتاجية.

مطلب جمعيات حماية المستهلك بالمغرب، وفق القانون 31 -08، إعادة التوازن في العلاقة بين الموردين والمستهلكين، إذ يخول لها إمكانية التدخل لدى المحكمة لكي تأمر باتخاذ التدابير اللازمة لوقف الأنشطة غير المشروعة، أو إلغاء شرط غير مشروع أو المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت مجموعة من المستهلكين، فضلا عن أنه جرى إحداث شبابيك الاستهلاك على مستوى هاته الجمعيات، والتي مكنت من معالجة العديد من النزاعات تقدر بالآلاف بين المستهلكين وموردي السلع أو مقدمي الخدمات.

وتعتبر جمعيات حماية المستهلك أن هناك مشكلا تنظيميا بالأساس يؤدي إلى تفشي المضاربة في الأسواق، مادام أن قانون الأسعار لا يطبق في مجمله، كما أن الموردين غالبا ما يتحينون فرصة تحرير المنتوج، لرفع سعره، بسبب تراجع الدولة عن النهوض بمهمة المراقبة، التي يكفلها القانون بموجب الفصل 114 من قانون حرية الأسعار والمنافسة.يبقى على المستهلك أن يحمي نفسه بنفسه، لأن سلوك المستهلك، وخاصة الطلب غير الواقعي، الذي يخلقه التوجس من تقلبات الأسعار في فترات من السنة، هو الذي يحدد بنسبة كبيرة مستوى الطلب، ويشكل بالتالي حافزا على المضاربة وارتفاع أسعار السلع في الأسواق.

ففيما يخص الوضع القانوني لمجلس المنافسة، تمت المصادقة على مشروع قانون 13-20، الذي يمنح المجلس سلطات حقيقية تندرج في إطار ترجمة المقتضيات الدستورية، وخاصة المادة 166 المتعلقة بمجلس المنافسة والمادة 36 المتعلقة أيضا بقواعد المنافسة الحرة والنزيهة.

واعتبرت الحكومة أن من شأن الصلاحيات الجديدة أن تخطو بالمجلس لكي يتحول إلى مجاز بسلطات واسعة، يتدخل بشكل تلقائي كلما رصد ممارسة تنافسية غير قانونية أو مضرة بالمستهلكين، كما يضع بصمته على جميع القوانين التنظيمية التي أعدته الحكومة ولها علاقة باختصاصات المجلس.

غير أن المجلس مايزال استشاريا، و ليست له استقلالية المؤسسة الدستورية، من خلال الممارسة مما يثير بعض الإشكاليات على مستوى استقلالية مؤسسته، وطرق تعيين أعضائه .

بما نص عليه الدستور من كون «مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، والممارسات التجارية غير المشروعة، وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار».

بالمقابل، توجه جمعيات حماية المستهلك انتقادات واسعة لمجلس المنافسة، مؤكدة أنه عبارة عن مؤسسة تهتم وتختص بشؤون المهنيين وليس المستهلكين، فهو ينظر في مدى شرعية التنافس التجاري وحفظ التوازن في السوق ومنع الاحتكار التجاري، وبالتالي فإن دوره في حماية المستهلك ثانوي وليس أساسيا، وإن كان من الممكن القول إنه فيما يخص إجراءات منع الاحتكار، وإشهار الأسعار، وضمان المنافسة الشريفة بين المهنيين، وتحسين شروط وأخلاقيات المعاملات، والحكامة التنافسية، فيه نوع من الحماية للمستهلك، خاصة على مستوى ضمان تنافسية السلع والخدمات، والتي من المكن أن تساهم في تقديمها إلى المستهلك بأسعار ملائمة وجودة عالية.

وتشير الجمعيات إلى نقطة أساسية أخرى، فتركيبة هذا المجلس لا تضم أي ممثل لجمعيات حماية المستهلك، وذلك بخلاف جل المجالس المشابهة في الدول العربية، التي تنص على تمثيل المستهلك في هذه المجالس، سواء من خلال الجمعيات أو اتحادات جمعيات أومنظمات حماية المستهلك. 

يمكن أن نختزل، طبعا، تطبيق القانون لأنه حماية للمستهلك و للمورد في التشريع المغربي هي أساس الحقوق المدنية و التجارية ووو ولذلك فإن دور جمعيات حماية المستهلك والإعلام بكافة وسائله دور حاسم في ضمان هذه الحقوق على الرغم من تقزيم قانون حماية المستهلك لدور هذه الجمعيات وتكبيلها من حيث القدرة على التدخل، حسب المادة 157 من مقتضيات المادة 152ق.ح.
 
عيد الرزاق بوقنطار/ رئيس جمعية حماية المستهلك بالمحمدية
عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك