الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

هل يواجه بوتين آلة الدعاية الغربية برفع الحظر عن “صحيح البخاري”؟

هل يواجه بوتين آلة الدعاية الغربية برفع الحظر عن “صحيح البخاري”؟ الرئيس الروسي دافع عن أعمال العلماء المسلمين، موجهاً برفع السلطات الحظر المفروض على ترجمة “صحيح البخاري”

يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحفاظ على لحمة شعوب الاتحاد الروسي بتنوعاته الدينية؛ خصوصاً المسلمين، وسط تصاعد حدة التشويه التي تطول النظام الروسي من آلة الدعاية الغربية، منذ بدأت موسكو غزو أوكرانيا في فبراير مطلع العام الجاري.

ووجه بوتين برفع الحظر المفروض على ترجمة كتاب “صحيح البخاري”، مطلع الأسبوع الجاري. ورغم أن القرار ربما يتم تفسيره على أنه استغلال للمشاعر الدينية عند المسلمين؛ فإن خبراء أكدوا لـ”كيوبوست” أن القرار واجب دستوري على الرئيس الملزم بخلق حالة من تحقيق السلام داخل الاتحاد الروسي.

وحسبما ذكر موقع “Posts English Russia“، فإن الرئيس الروسي دافع عن أعمال العلماء المسلمين، موجهاً برفع السلطات الحظر المفروض على ترجمة “صحيح البخاري”.

وكانت وزارة العدل في الاتحاد الروسي صنَّفت “صحيح البخاري” في قائمة المواد المتطرفة؛ وهو القرار الذي انتقده الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، قائلاً إن ملايين المسلمين في روسيا في حيرة من أمرهم.

 

تحقيق السلام

وقال الأستاذ المساعد بمعهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة لوباتشيفسكي الروسية و مدير مركز خبراء رياليست الروسي، الدكتور عمرو الديب: إن تدخل فلاديمير بوتين في قرار المحكمة العليا ووعده بحل مسألة حظر كتاب “صحيح البخاري”، ما هو إلا إيفاء بأحد واجباته الدستورية المتمثلة في تحقيق السلام بين الأديان داخل الاتحاد الروسي.

وأضاف الديب، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن تدخل بوتين جاء بعد مناشدة من جانب حاكم جمهورية الشيشان رمضان قديروف، الذي انتقد قرار محكمة تتارستان التي أصدرت هذا الحكم، متهماً اللجنة العلمية التي منعت نسخة “صحيح البخاري” بالتكاسل وعدم الفهم.

وأشار إلى أن محكمة منطقة لايشفسكي في جمهورية تتارستان كانت أقرت أن ترجمات مجموعات الأحاديث “صحيح البخاري” و”بلوغ المرام” وكذلك المجلد الأول من كتاب “تفسير القرآن الكريم” للسعدي، مواد متطرفة. وفي 5 يوليو 2022، وافقت المحكمة العليا في تتارستان على قرار محكمة لايشفسكي، وفي 29 أغسطس من نفس العام، تم إدراج هذه المنشورات في القائمة الفيدرالية للمواد المتطرفة.

وأوضح الديب أن القضية بدأت عندما تمت مصادرة جميع الكتب التي تخص الدعوى في 10 مايو 2017 في مطار قازان وأرسلتها النيابة العامة لإجراء فحص نفسي ولغوي وديني. وكما يلي من استنتاج مركز الخبرة الإقليمي في قازان، فإنها تتضمن “أطروحات معينة تتعلق بعدم الاعتراف بالنظام العلماني للدولة الحديثة”، وعلامات التحريض على العداء تجاه “غير المسلمين واليهود والمسيحيين”، والترويج لتفوق الإسلام وأتباعه على غير المؤمنين، كما أنه يحتوي على “تعاليم تهدف إلى تحريض المسلمين على ارتكاب أعمال عنيفة ومسلحة” ضد غير المؤمنين.

وتابع: كما هو واضح من سياق هذه القضية؛ فالأمر متعلق ببعض نسخ ترجمات صحيح البخاري، وليس صحيح البخاري نفسه؛ لذلك بعد قرار الرئيس بوتين ستعمل لجان على تصحيح الأخطاء الواردة بالنسخ المترجمة، وإعادة نشره بالترجمات والمعاني الصحيحة.

وشدد على أن المسألة بعيدة عن التضخيم؛ فالرئيس الروسي لا يحتاج إلى فرص لتأكيد دعمه المسلمين الذين تزيد أعدادهم على 20 مليون مسلم، فالمسلمون لديهم كل الحقوق الكاملة داخل الاتحاد الروسي، ولا توجد أية عمليات تفرقة داخل المجتمع الروسي، لافتاً إلى المكانة المهمة التي تحتلها الجمهوريات المسلمة داخل روسيا وعلى رأسها الشيشان وتتارستان.

 

تحديات صعبة

من ناحيته، قال مدير المركز المصري الروسي للدراسات أشرف كمال: إن المسلمين الروس واجهوا تحديات صعبة في السابق؛ خصوصاً في ما يتعلق بترجمة الكتب المتعلقة بتعاليم الإسلام وأحكامه وشريعته. واللافت أنه في السنوات الأخيرة توسعت عمليات ترجمة ونشر القرآن ومجموعات الأحاديث وغيرها من المراجع الدينية بالتزامن مع انتشار العديد من المنظمات الإسلامية التي تقوم بعملية الترجمة من تلقاء نفسها ووفق رؤيتها الخاصة.

وأضاف كمال، في تصريحاته لـ”كيوبوست”: كذلك اتسعت رقعة نشاط تلك المنظمات على الأراضي الروسية، ومن بين أكثر من 40 مجلساً أو منظمة روحية إسلامية هناك 4 مراكز رئيسية؛ هي الإدارة الروحية المركزية لمسلمي روسيا، وتتمثل في رابطة الدول المستقلة، والإدارات الروحية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا، ومركز التنسيق الأعلى للإدارات الروحية لمسلمي روسيا, ومجلس مفتي روسيا في العاصمة موسكو.

وأشار إلى أن التطور اللافت في نشاط المسلمين الروس يؤثر بقوة في تعزيز دور الثقافة الإسلامية في المجتمع كجزء أصيل من الحضارة الروسية وباعتبار الدين الإسلامي ثاني أكبر الديانات انتشاراً في روسيا بعد المسيحية.

وأوضح أن الشريحة العريضة من مسلمي روسيا الذين يُقدر عددهم بالملايين، يعتبرون كتاب “صحيح البخاري” من الكتب الدينية المهمة بعد القرآن الكريم؛ باعتباره المصدر الأكثر ثقة لسيرة وتعاليم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

وواصل: اعتبرت الإدارة الروحية لمسلمي داغستان أن النص الأصلي لمجموعة أحاديث صحيح البخاري غير محظور على أراضي الاتحاد الروسي، وأن قرار الحظر يتعلق فقط بترجمة الكتاب إلى اللغة الروسية، وأن هناك مجموعة أخرى من الأحاديث النبوية في “صحيح البخاري” متداولة في البلاد أعدها متخصصون في مجال الشريعة والإدارة الروحية لمسلمي جمهورية تتارستان، ودار الافتاء بجمهورية داغستان.

ويرى كمال أن روسيا ودول شمال وجنوب القوقاز وفي آسيا الوسطى، مستهدفة بإشعال صراع طائفي وعرقي وتأجيج النعرات الطائفية، وصولاً إلى حالة من الانقسام والاقتتال والفوضى، لافتاً إلى أن قرار الرئيس بوتين برفع الحظر عن الكتاب على أن تتم مراجعة الترجمة تحت إشراف المتخصصين الأكفاء، يصب في اتجاه تعزيز تماسك المجتمع الروسي في مواجهة التحديات الراهنة، وصيانة مفهوم المواطنة والدفاع عن مصالح البلاد التي تضم العديد من الطوائف والأعراق.

المصدر: كيوبوست