الأربعاء 8 مايو 2024
مجتمع

يونس التايب: ملحمة إطفاء حرائق الغابات.. دروس تتجاوز اللحظة ...

يونس التايب: ملحمة إطفاء حرائق الغابات.. دروس تتجاوز اللحظة ... يونس التايب ومشاهد من حرائق غابات بأقاليم العرائش
منذ يوم الخميس وأخبار حرائق الصيف التي تضرب غابات بأقاليم العرائش ووزان و تازة و تطوان والقصر الكبير، تحتل المشهد التواصلي ولا تزال تشغل الرأي العام الذي يعيش على أمل انتصار سواعد أبناء الوطن في ملحمة محاصرة النيران، بفضل ما تمت تعبئته من إمكانيات مادية وبشرية مغربية خالصة. 
 
إلى حدود الساعة، لم تسجل خسائر في الأرواح، لكن الأضرار المادية كبيرة وقد تصل إلى تدمير أكثر من 2.500 هكتار من المساحات الغابوية، مع تسجيل ترحيل استباقي لسكان 20 دوارا كانوا مهددين بخطر محاصرة بيوتهم بالنيران المشتعلة لكن، رغم قوة الحرائق و تباعد المساحات المعنية في الأقاليم المتضررة، تصلنا صور و فيديوهات تنقل أجواء من التعبئة المشبعة بروح مقاومة رائعة يبصم عليها أبناء الشعب، من سلطات عمومية مختصة (وقاية مدنية، قوات مسلحة ملكية، درك ملكي، قوات مساعدة، أطر المياه و الغابات، سلطة ترابية، صحة عمومية) وعموم المواطنين الذين تطوعوا للمساعدة في المجهودات المبذولة. 
 
وتشهد الصور على سلوكات إنسانية يطبعها التضامن والتآزر، وتكرس قيما ودروسا تتجاوز اللحظة. وقد استوقفتني عدة صور تنبعث منها مشاعر قوية تدعو للاعتزاز ببلادنا، سواء منها صور عناصر الوقاية المدنية وهم في قلب ألسنة اللهب، أو صور الشباب وهم يتسلقون الأشجار لتمرير خراطيم الماء في اتجاه بؤر النار، أو صور طائرات "الكانادير" المتخصصة في إخماد النيران وهي تقوم بطلعات جوية محفوفة بالمخاطر، أو صور عائلات تفترش الأرض غير بعيد من مكان حريق ترك أطلال منازلهم الطينية في مداشر عمرها بعشرات السنين، أو صور حملات تضامنية انطلقت للتخفيف عن الأسر التي فقدت كل شيء كانت تملكه قبل الحرائق. 
 
وكأني بهؤلاء الأبطال جميعا، يتمسكون بالبقاء في موقع المعركة ما لم تحط الحرب ضد النيران أوزارها، و كلهم صمود وصبر وتحدي ممزوج بتسليم المؤمنين بقدر الله الذي لا راد لقضائه. و أجزم أنها صور ستوثق للتاريخ، لحظات كبرياء مغربي أصيل يقول أبطاله "نحن أصحاب الأرض... وسنقاوم مهما صعبت الظروف ...!"، بشكل يتجاوز في قيمه ودلالاته، اللحظة والمكان، ليبرز أصالة نساء وأطفال ورجال المغرب المتفاعلين مع واقع تتعقد معالمه الاجتماعية والاقتصادية بفعل توالي الأزمات التي تضرب العالم منذ الجائحة الوبائية، وما تلاها من تضخم و غلاء الأسعار وجفاف غير مسبوق. 
 
ما من شك أن ما أبانت عنه السلطات العمومية، المدنية والعسكرية، من قدرة على تثمين الخبرات والعقول المغربية، و تعبئة رصيد الموارد والإمكانيات الوطنية، في مواجهة نيران الحرائق، يشكل دروسا يستفاد منها. و أكيد أن المسارعة لدعم الأسر المتضررة من الحرائق، والتخفيف عن النساء والأطفال الذين أرعبتهم النيران، وعن الرجال الذين فقدوا مساكنهم وأشجار زيتون وبهائم كانت هي المورد والمعيل، كفيل بأن يقوي ديناميكية مجتمعية إيجابية، تلطف جوا عاما يبدو إيقاعه ميالا نحو التوتر والقلق من أثر غلاء الأسعار.  
 
لذلك، تبدو مسؤولية الفاعل الحكومي كبيرة في التقاط الإشارة والقرب من انتظارات المواطنين، والتواصل النوعي معهم، والتزام السرعة في التفاعل مع المشاكل الاجتماعية، والاجتهاد لإبداع حلول تتجاوز المقاربات التقنوقراطية والمحاسباتية لمحاصرة غلاء أسعار المواد الطاقية والغذائية، ومعالجة مخلفات العجز الاجتماعي المتراكم منذ سنوات بفعل سياسات عمومية غير ناجعة، وبسبب رداءة التدبير الذي تورطت فيه نخب سياسية تحملت المسؤولية في مراحل سابقة. 
 
بكل يقين، يلزمنا انتماءنا لوطننا، الجميل بقيم أهله و تميز طبيعته، والمجيد بتاريخه وثوابته، أن نقف صفا واحدا لحماية حاضر بلادنا ومستقبلها، ضد الفردانية التي اكتسحت منظومة القيم الاجتماعية، وضد اللامبالاة والانتهازية، وضد الرداءة في الفعل والقول والتدبير، خاصة أننا في مرحلة توجس من المستقبل، يحتاج فيها المجتمع المغربي إلى أصوات الحكمة القادرة على أن تعيد الهدوء للأنفس، وطمأنة الناس إلى أن آذان من انتخبوهم ليست صماء عن سماع معاناة الفئات الهشة، ولا عن التفاعل مع التعبيرات المجتمعية لفئات واسعة من الطبقة المتوسطة. 
 
لذلك، الظرف هو لالتزام نهج اليقظة الواعية بخطورة المشاكل التي يحملها السياق التاريخي والجيوسياسي، وعدم التهوين من قيمة أي فعل/قرار إيجابي يمكنه التنفيس عن ضيق الناس، حتى يبقى الأمل وتتعزز الثقة في المستقبل. ولنا في الحرائق دروس تؤكد أن فتيلة نار صغيرة تنطلق من شجرة على الهامش، يمكنها أن تتحول لهبا مشتعلا في كل أشجار الغابة، إذا لم يتم الانتباه لصوت النار قبل أن تنتشر ألسنتها بفعل رياح قد تأتي من كل اتجاه، ثم لا نستطيع التحكم في مساراتها. 
 
و... #سالات_الهضرة 
#المغرب_كبير_على_العابثين