للمرة الألف نقولها، طالما أن المسؤولين يرفضون كسر حاجز الريف والأطلس فإن 9000 دوار سيبقى محاصرا في الجبال كلما تهاطلت الأمطار والثلوج والعواصف الرعدية.
إن الحوض الجبلي بالمغرب الممتد من الحسيمة شمالا إلى ورزازات جنوبا، مرورا بشفشاون وصفرو وإفران وميدلت وأزيلال والحوز، يعد من أغنى الأحواض الجغرافية ببلادنا، إن على المستوى الديمغرافي أو المالي أو الطبيعي أو الوجودي.
فديمغرافيا تقطن بهذا الحوض الجبلي حوالي 10 ملايين نسمة، أي ثلث سكان المغرب. ومن العار أن يتم إقصاء ثلث الساكنة من أبسط حق من حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الولوج إلى أي نقطة بالتراب الوطني. فعلى امتداد الحكومات المتعاقبة (من سنوات الرصاص إلى سنوات الحكومة الملتحية) لم يحظ الشريط الجبلي بأي قيمة في الأجندة العمومية، بدليل أن حظ المدن الجبلية من الاستثمارات العمومية في الطرق العادية والطرق السريعة والأوطوروت والقناطر جد ضعيف. وحتى المحور الوحيد واليتيم الذي برمج لربط الحسيمة بتازة مازال يتجرجر منذ عام 2011 إلى اليوم، علما أنه كان مفروضا فتحه في وجه العموم عام 2015 لكن لم يتم ذلك لتأخر إتمام بعض المقاطع.
وها هو موسم البرد والمطر والثلج يبرز صواب هذا الطرح، حيث حوصر العشرات من الآلاف من السكان، وصعب عليهم التزود حتى بالمؤن الضرورية، فأحرى الخروج لقضاء أغراضهم الإدارية والمهنية.
أما من الناحية المالية، فالحوض الجبلي يعد أهم حوض مصدر لليد العاملة بالمهجر، وبالتالي فسكانه (عبر تحويلاتهم المالية) يساهمون في ضخ العملة الصعبة بالخزينة العامة للمغرب. وبدل أن تسخر تلك العملة لاقتناء الحاجيات والآليات الضرورية لتنمية مدن وقرى الجبال نجد المسؤولين يستغلون العملة الصعبة لجلب «الفيراري» و«الهامر» و«الفودكا» و«الأوساك» و"قريشلات". (للإشارة تحويلات المهاجرين المغاربة تمثل 33 في المائة من عائدات العملة الصعبة.
أما طبيعيا، فإن غنى وتنوع المناظر الخلابة (من الحسيمة إلى واحات أسا) يعد هبة إلاهية لا يقدر قيمتها إلا من كانت له الحظوة للاستمتاع بجمال وروعة هذه المناظر التي تعد أحد نقط جذب السياح الأجانب، بدليل أن السياح لما يحجون بمراكش أو فاس أو أكادير، فلأن هذه المدن تتوفر على البنية الإيوائية. إذ ما أن يستقروا بهذه المدن حتى تتوجه قوافل السياح نحو الصحاري والجبال والشلالات والمغارات والمحميات لأخذ الجرعات الكافية من صفاء الطبيعة وروعة المناظر.
أما وجوديا، فإن الحوض الجبلي هو ضامن وجود المغرب أصلا. فكل منابع الأودية المهمة التي تزود كافة التراب الوطني بالماء (المادة الأساسية للحياة ولتشغيل محركات الاقتصاد) توجد بالمناطق الجبلية: خذوا واد سبو أو واد ملوية أو واد أم الربيع أو واد بهت أو أي نهر.
والمفارقة الخطيرة أن الصهريج الرئيسي Le chateau d'eau للماء بالمغرب يوجد في قلب الأطلس المتوسط بين ميدلت وخنيفرة، وبدل أن تنعم هذه المنطقة برغد العيش وجودة الحياة، نجدها تصنف حسب تقارير مندوبية التخطيط، ضمن أفقر المناطق المغربية.
من العار، ونحن نتهيأ لانتخابات 2021، أن لا نسمع صوتا لدى هذا الحزب أو ذاك بشأن المونطاج المالي والمؤسساتي لانتشال الأحواض الجبلية من العصر الجليدي إلى العصر الآدمي داخل سقف زمني معقول.
وفي انتظار أن تنجب التربة المغربية مدبرين مواطنين ووطنيين، لا نملك من سلاح للتضامن مع إخواننا المحاصرين في الجبال سوى القول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"!