عقدت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، برئاسة الأمين العام نزار بركة، اجتماعًا استثنائيًا صباح السبت فاتح نونبر 2025، خُصِّص لتدارس مضامين الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس، إلى الشعب المغربي، عقب صدور قرار مجلس الأمن المتعلق بقضية الصحراء المغربية، واستجلاء دلالاته السياسية والدبلوماسية العميقة.
وقد شكّل هذا الاجتماع لحظةً للتأمل الجماعي في التحول التاريخي الذي دشّنه الخطاب الملكي، باعتباره إعلانًا واضحًا عن الانتقال من منطق التدبير الهادئ إلى زمن الحسم والبناء، في مسار ترسيخ الوحدة الترابية للمملكة عبر الحل السياسي الواقعي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي.
الخطاب الملكي: رؤية متبصرة تؤسس لمرحلة جديدة
أكدت اللجنة التنفيذية، في قراءتها لمضامين الخطاب الملكي، أن الملك محمد السادس جسّد من خلال كلمته حكمة رجل الدولة الذي يملك رؤية شاملة للمستقبل، تتجاوز منطق التسويات الظرفية نحو بناء سلام دائم في المنطقة.
فالخطاب لم يكن مناسبة للاحتفاء بقرار أممي فحسب، بل كان خريطة طريق تؤسس لتحول استراتيجي في التعاطي مع قضية الصحراء المغربية، من خلال مقاربة إنسانية جامعة تقوم على المصالحة الوطنية واستيعاب إخواننا المحتجزين في تندوف ضمن وطن يتسع للجميع، في ظل المساواة والكرامة والحقوق الكاملة للمواطنة.
هذه الدعوة الملكية تحمل في طياتها بعدًا حضاريًا عميقًا، إذ تربط الحل السياسي بمشروع بناء الاتحاد المغاربي المتجدد، الذي يقوم على الحرية والأمن والتنمية المشتركة، ويضع حدًا لزمن التجزئة والانقسام.
قرار مجلس الأمن: تثبيت للمشروعية المغربية وتكريس لمبادرة الحكم الذاتي
أشادت اللجنة التنفيذية بما تضمّنه قرار مجلس الأمن من مضامين تؤكد، مرة أخرى، مصداقية الطرح المغربي ووجاهته.
فالقرار الأممي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الواقعي والوحيد الكفيل بإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهو ما يشكّل تحوّلاً نوعيًا في مقاربة الأمم المتحدة للقضية، وانتقالًا من منطق “الاستفتاء المتجاوز” إلى منطق “الحل السياسي العملي والمستدام”.
إن هذا التطور الأممي لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرةُ رؤية ملكية متبصرة قادها الملك على مدى عقدين، عبر دبلوماسية هادئة وفعالة جعلت من المغرب نموذجًا في الصبر الإستراتيجي، وفي البناء المؤسساتي المتدرج الذي يربط بين الشرعية الدولية والفعالية الوطنية.
الإنجاز المغربي: تزاوج بين التنمية والسيادة
في منظور حزب الاستقلال، يشكل نجاح النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية البرهان الميداني على واقعية المبادرة المغربية.
فالمشاريع الكبرى التي أطلقها الملك – من ميناء الداخلة الأطلسي إلى مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، مرورًا بالمبادرة الأطلسية ومشاريع الطاقة النظيفة – تجعل من الأقاليم الجنوبية رافعة جيوستراتيجية للتكامل الإفريقي الأطلسي، ونقطة ارتكاز لمغرب المستقبل.
إنها مقاربة تمزج بين التمكين الاقتصادي والتماسك الوطني، وتحوّل الصحراء المغربية إلى مجال إنتاج وابتكار، وليس فقط إلى منطقة نزاع قديم.
الاستقلاليون وتجديد التعبئة الوطنية
أكدت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تعبئتها الدائمة وراء الملك، وانخراطها الكامل في المساهمة في بلورة مقومات الحكم الذاتي وتنزيله الواقعي في إطار السيادة المغربية.
فالمسؤولية الوطنية، في هذه المرحلة الدقيقة، تقتضي توحيد الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية ورفع منسوب اليقظة ضد كل محاولات التشويش على المسار السياسي، مع مواصلة الانفتاح على كل المبادرات البناءة التي تخدم وحدة الوطن واستقراره.
ويعتبر الحزب أن الحكم الذاتي ليس نهاية المطاف، بل بداية مسار مؤسساتي جديد يربط بين الديمقراطية الجهوية والتنمية الشاملة، ويمنح لساكنة الأقاليم الجنوبية موقعًا مركزيًا في صنع القرار المحلي والوطني.
ختامًا: المغرب يدخل زمن الترسيم النهائي للوحدة الترابية
إن القراءة المتأنية لخطاب الملك، كما عبّر عنها حزب الاستقلال، تكشف عن تحول نوعي في مسار قضية الصحراء المغربية: من مرحلة الدفاع إلى مرحلة البناء، ومن منطق إدارة النزاع إلى منطق الحسم السياسي والتنمية المتواصلة.
إنها لحظة وطنية كبرى، تؤكد أن المغرب انتصر مرتين: أولاً بالحكمة والرؤية الملكية، وثانيًا بقدرة الدولة والمجتمع على ترجمة هذا الانتصار إلى مشروع وطني جامع.
وهو ما يجعل من الحكم الذاتي ليس فقط حلاً نهائيًا لقضية مفتعلة، بل مدخلًا لنهضة مغربية ومغاربية شاملة، تحت قيادة الملك محمد السادس.
