علمنا تاريخ الشعوب أن بعض الضربات الظرفية أو الإخفاقات المرحلية تكون فرصة لتجدد الدولة قواها وتراجع خططها وتضع استراتيجيات ملائمة لتهزم العدو.
التوتر الجديد بين المغرب والجزائر( التي سخرت البوليساريو لعرقلة المرور بمعبر الكركرات)، يمكن اعتباره فرصة ذهبية لصانعي القرار ببلادنا لإعادة ترتيب الأوراق داخليا ودوليا بشأن ملف الصحراء، مادامت هذه القضية هي أصل كل المتاعب التي نواجهها مع العدو الشرقي.
أول درس يجب استخلاصه، هو معرفة لماذا حشدت الجزائر في السنوات الأخيرة المنظمات وبعض وسائل الإعلام الغربي ضدنا. علينا أن نعترف أننا عانينا كثيرا من دسائس الجزائر ومؤامراتها في المحافل الدولية.
فهل تفوقت علينا بالمال؟ وهل أصلا المال لوحده هو الذي يفسر هذه الاختراقات الجزائرية؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا «انتصرت» علينا الجزائر في العديد من المنظمات الدولية وتمكنت في العقد الأخير من توجيه رادارات الجمعيات الغربية الحقوقية صوب المغرب، بدل أن نكون نحن السباقين لذلك للتشويش عليها وهي الضالعة في الانتهاكات الجسيمة أكثر مقارنة مع المغرب؟
فالجزائر لم تكتف برشوة المنظمات الدولية فقط، بل استعملت المال بذكاء عبر تواري أجهزتها العسكرية والدبلوماسية إلى الخلف وقامت بتمويل مكاتب الدراسات ومكاتب الاستشارة والخبرة القانونية بأوربا وأمريكا والتعاقد مع مكاتب محاماة عالمية وخلايا التفكير think-tank وتوجيههم "بشكل مخدوم"، نحو قضايا بعينيها تروم إزعاج المغرب. وطبعا تربط الجزائر تمويل هذه المكاتب والمؤسسات بالنتائج وبكناش تحملات لتحقيق الأهداف ضد بلادنا.
فهذا مكتب تكلفه الجزائر بتدويل قضية استغلال الثروات بالصحراء، وذلك مكلف بجر المسؤولين السامين المغاربة إلى المحاكم العالمية بتهم انتهاك حقوق الإنسان، ورابع يتولى التأصيل والتأطير المفاهيمي لـ «الإبادة» و"الجرائم ضد الإنسانية" المرتكبة من طرف المغرب في حق الصحراويين، ومكتب خامس ينشغل بالطابع القانوني La juridiciarisation للاتفاقات والمعاهدات التي يبرمها المغرب مع الفاعلين في الساحة الدولية، وسادس يطور تقنيات زرع العملاء في الأقاليم الجنوبية لاستقطاب الخونة داخل التراب الوطني، وهكذا دواليك.
والنتيجة ها هي أمامنا: ثرواتنا وخيراتنا أصبحنا ملزمين بالدفاع عنها في المحاكم الأوروبية، وبناؤنا المؤسساتي وهندستنا القانونية ودستورنا يتم تبخيسه من طرف الجمعيات الأمريكية والأوروبية المرتشية، ليتوج ذلك بالمسودة الكارثية التي سبق أن قدمتها إدارة أوباما ( غير المأسوف على رحيله) إلى مجلس الأمن عام 2013 بشأن توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، لولا أن المغرب أخرج مدفعيته الثيقلة واتصل الملك محمد السادس بأوباما الذي أمر بسحب المسودة السوداء المحررة من طرف لوبي الجزائر بالإدارة الأمريكية آنذاك.
فهاهي إسرائيل تحتل أرضا بالقوة و تقود الإبادة الجماعية ضد شعب فلسطين وتمتلئ سجونها بالأسرى من الأطفال والعجزة والنساء وبالاستيطان وغصب أراضي الفلسطينيين، ومع ذلك لا تعرف نفس الضغط الذي يواجهه المغرب من طرف منظمات غربية وبعض القنوات التلفزية الأوربية( الفرنسية بالأساس)، علما أن المغرب استرجع أرضه واستكمل توحيد ترابه عبر مسلسل سلمي.
ففي الصحراء المغربية يندر أن تجد مدشرا بدون ماء، أو قرية بدون كهرباء، أو منطقة بدون ربط طرقي، أو تجمعا حضريا بدون صرف صحي، أو ميناء بدون أرصفة، أو مدارس بدون تلاميذ. فهم (أي أعداء المغرب) بحثوا عن ذلك ولم يجدوا عيبا، لذلك تراهم «يبحثون عن القمل في رأس القرع» باصطياد هفوة شرطي أو غلطة حارس سجن لتأليب الرأي العام الدولي ضدنا، والحال أن فرنسا «بقوتها المالية وتاريخها الكولونيالي وبمجدها الاقتصادي والنووي»، تعرف حاليا غليانا رهيبا في الشارع ومظاهرات دموية احتجاجا على عنف وعنصرية رجال الشرطة الفرنسية، علما أن بوليس فرنسا يعمل في تراب غير خاضع للصراع الدولي ويواجه مطالب اجتماعية بالأساس ويتقاضى البوليس الفرنسي أجرا خياليا، ولهم قاعات مكيفة لمزاولة الرياضة، ويعملون ست ساعات في اليوم، ولم يواجهوا الضغط إلا منذ بضعة أشهر. بينما في الأقاليم الجنوبية المغربية يشتغل رجال الأمن المغاربة في منطقة متنازع عليها منذ أربعة عقود، ويواجهون تحرشات بيادق مسخرين من طرف الجزائر ومدربين (أي البيادق) على المونطاج وتوضيب الصور في الفيديو لتهييج الرأي العام الدولي ضد المغرب، ومع ذلك يتحمل الشرطي المغربي(وزميله في القوات المساعدة والدرك الملكي) كل ذلك الضغط ولا يشتكي أو يحتج أو يطالب بأجر زميله بفرنسا، ومع ذلك ما أن يحشر رجل أمن مغربي أو مخزني او دركي في «زاوية ضيقة» بالصحراء، حتى تتعالى الأصوات بالعالم كله محتجة ومستنكرة بعد أن تكون الجزائر قد فعلت فعلها "المخدوم".
أليس من حقنا أن نطالب الدولة بوجوب تصويب البنادق نحو الجزائر مادامت هي أصل الداء والبلاء؟ أليس من حقنا مطالبة الدولة باعتماد خطة محكمة تروم إغراق المنظمات الدولية (أممية وأوروبية) بالموظفين الدوليين المغاربة أو المغاربة المجنسين بالجنسيات المزدوجة لتكون لنا عيون هناك؟ أليس من حقنا مد الجسور مع مكاتب الدراسات ومكاتب الخبرة والمحاماة العالمية لرد الصاع صاعين للعدو الجزائري؟
ثم وهذا هو الأهم، ألم يحن الوقت لنفتح باب المراجعات مع المغاربة الصحراويين الحاملين لجينات الانفصال لإقناعهم وإدماجهم ببلدهم، مثلما كان عليه الحال في المراجعات مع بعض الجهاديين الذين تخلوا عن أفكارهم المتطرفة وتحولوا إلى منافحين عن التدين المغربي؟
مجرد سؤال..