الأحد 24 نوفمبر 2024
في الصميم

انتخابات 2021.. حذار من ديكتاتورية أصولية جديدة !!

انتخابات 2021.. حذار من ديكتاتورية أصولية جديدة !! عبد الرحيم أريري
منذ ميلاد حركات الإسلام السياسي في العصر الحديث وهي تتحرك في المشهد العربي الإسلامي وفق تبنيها لثلاثة ثوابت (مرجعية موازية):
- ازدواجية الخطاب الدعوي والفعل السياسي وفق منهج التدرج في مقاربة الشأن العام، في أفق التمكين بعيدا عن المواجهة الصدامية مع أنظمة الحكم إلى أن تمتلك المجتمع برمته. وهذا ما يجعلها تتوجه أساسا نحو العمل الخيري كمنطلق حاسم في بنائها الاستراتيجي. 
ـ ازدواجية أدوات العمل الموزعة بين آليات التنظيم السرية (المسلح أحيانا) والإطارات المدنية، وبين الاغتيالات والمشاركة البرلمانية.
ـ ازدواجية الانتماء إلى العقيدة من جهة، وإلى الوطن الذي ليس هو المقومات التقليدية (الأرض والسيادة) ولكنه الوطن الديني الذي لا يعترف- بالحدود الجغرافية.
وتعتبر تجربة الإخوان المسلمين في مصر الملهم الأول لهذه الثوابت منذ أسسها حسن البنا سنة 1928 على خلفية إعادة إحياء الخلافة الإسلامية، إثر انهيار الامبراطورية العثمانية قبل ذلك التاريخ بثلاث سنوات فقط.
ومن تم سارت كل الحركات اللاحقة على هدي هذه الثوابت، بمن فيهم «إسلاميو» المغرب الذين صارعوا النظام وهادنوه، بل انخرطوا في غاياته كما حدث أثناء مواجهة الدولة لليسار في سبعينيات القرن الماضي، ومارسوا العمل الدعوي الخيري في الظاهر مبقين على مبدأي التدرج والتمكين كخطاب جوهري في أدبياتهم التأسيسية كما لدى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية...
وإذا كانت الشروط الراهنة قد أبقت على مريدي عبد السلام ياسين كمجرد «حركة دعوية»، فإن نفس الشروط قد اتاحت لتلاميذ عبد الكريم مطيع أن يسلكوا كل المنعرجات من أجل الانخراط في المشهد السياسي الحالي.
فهل تخلى رفاق بنكيران عن ثوابت «الإسلام السياسي» كما حددناه أعلاه، أم أنهم اقتنعوا فعلا بمكتسبات الفكر الديمقراطية، وصاروا حركة سياسية تؤمن بالقواعد الكونية لتصريف الموقف السياسي كما يدعون.
إذا تأملنا وجودهم التنظيمي الشرعي، منذ انخراطهم في حركة عبد الكريم الخطيب، إلى اليوم فسنجد أنفسنا أمام المعطيات التالية:
أولا: إنهم يبقون على المعنى الفضفاض لاعتماد الإسلام كمرجعية أساسية الذي يعني أساسا الخلط الإرادي بين منحى الدعوة والعمل الخيري. وبناء على ذلك تلتقي أدبياتهم مع المرجعية الإخوانية بالضبط رغم تصريحاتهم بالقول إنهم ليس فصيلا إخوانيا، ولا علاقة لهم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
ثانيا: وكما لم تغير أدبياتهم فإن سلوكهم حافظ على طابعه الازدواجي حتى وهم يتحملون اليوم مسؤولية رئاسة الحكومة وإدارة الأغلبية الحكومية. وفي هذا الإطار نلاحظ إبقاءهم على الطابع الازدواجي في الممارسة عبر الذارع الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) الذي يتولى مهام واختصاصات المرشد العام الذي يوجه الذراع السياسي (حزب العدالة والتنمية). ومعنى ذلك أنهم لم يتخلوا عن فكرة امتلاك بنيات المجتمع العميقة في أفق امتلاك الدولة. كما يعني ذلك الإبقاء على غموض العلاقة بين ممارسة الدين وممارسة السياسة، وهو ما يتعارض جوهريا مع المفهوم الحديث للعمل الديمقراطي المدني. في نفس الإطار نلاحظ أن نزوع الامتلاك والهيمنة صار يتجه نحو روافد مجتمعية أخرى أكثر فعالية من قبيل استقطاب الأطر الجديدة من داخل المجتمع، وتوجيه الأطر المتوفرة لديهم للسيطرة على المجالس العلمية التي تقع تحت رئاسة أمير المؤمنين. وبموازاة ذلك يسعون إلى السيطرة على امتلاك جل مدارس التعليم العتيق والشعب الإسلامية داخل الجامعات المغربية، ومن خلالها التحكم في توجيه الطلبة، وفي بنائهم الذهني والمعرفي وفي توفير الخزان الذي يغرفون منه لتزويد الإدارة والحقل الديني بأنصارهم واتباعهم. كما يسعون إلى تحريف مهام وظائف الجماعات الترابية من خلال تركيز منتخبيهم على بعض الأهداف الخيرية والدعوية (قفة رمضان/مزاحمة المجالس المحلية في الحقل الديني بالإشراف على حلقات التجويد والقراءات القرآنية تحت مظلة منظريهم الأصوليين...).
يتبين، من خلال هذا الجرد التمثيلي فقط، أن حزب العدالة والتنمية، والأصوليين بشكل عام، لا يعملون فقط على تصريف ازدواجيات التدرج والتمكين، والدعوى والسياسة ولكنهم يعملون أساسا على اختراق مساحات استراتيجية داخل الحقل الديني، والتشويش على إمارة المؤمنين التي تبناها المغرب منذ عقود كشكل توافقي من أجل الحفاظ على وحدة المغرب السياسية والمذهبية، وعلى التوجه الديني الوسطي.
إنهم يسيرون نحو هذه الأهداف بتدرج دقيق من أجل امتلاك المجتمع والدولة عبر إفراغ إمارة المؤمنين من جوهرها ومضمونها المغربي حتى ينقضوا على كل مفاصل المغرب.
الخطير في الأمر أن هذ الاستراتيجية التدميرية تهدف إلى أن تضع هؤلاء الأصوليين في مواجهة مباشرة مع الدولة في غياب دور فعال واع للنخبة السياسية والمالية والجامعية والفكرية والمدنية المشتغلة بحسابات السياسة الانتخابية، وبحسابات المصالح الذاتية عبر انتهاز الفرص من أجل استثمار الريع السياسي والفكري. وهذا ما يدفعنا كإعلاميين إلى أن ننبه إلى أن ما يبدو انسيابا على مستوى ظاهر المشهد السياسي يخفي نزعات فاشية وشمولية وتهجمية وتحكمية على مستوى الباطن السياسي.
لقد رأينا ما حدث في مصر بعد إسقاط حسني مبارك حيث تمكن الإخوان المسلمون من الوصول إلى سدة الرئاسة، فبادروا مباشرة إلى الانقلاب على الديمقراطية باسم شرعية صناديق الاقتراع، وعرضوا تراب مصر إلى البيع باسم أن الدين هو الجنسية وليس الأرض. ورأينا ما يحدث اليوم في تركيا التي يسعى فيها أردوغان (السلطان العثماني الجديد) لجمع سلطات واسعة للتحكم في المعارضة والإعلام والمجتمع المدني ولتذويب الأقليات. 
ولأن حركات الإسلام السياسي تنهل من معين أصولي واحد فعلينا أن نتوقع الأسوأ في مشهدنا العام في حالة استمرار الصمت السياسي إزاء ما يقوم به مندوبو هذه الحركات في بلادنا. ولذلك من حقنا أن نغضب على استمرار هذا الصمت الذي يعتبر جريمة تواطؤ مع من يريدون الانقلاب على حلم المغاربة في بناء مجتمع منفتح ومتعدد. وحلمهم في بناء دولة تدبر الاختلافات فيها بالبرامج والتصورات، وليس باستغلال الدين  للانقلاب على كل الشرعيات التي أرست معالم مغربنا.
الأصوليون بالمغرب يضعون الدولة والمجتمع أمام خيارات صعبة، فإما أن تتحقق صحوة الديموقراطيين المغاربة الحقيقيين لوقف هذا النزيف المدمر بحلول انتخابات 2021، وإما أننا نتدرج إلى ما قبل المسلسل الديموقراطي، حيث تعوض سنوات الرصاص بديكتاتورية  أصولية جديدة تنهي مع فكر التنوع والاختلاف لفائدة نزوع الاستحواذ والابتلاع باسم التأويل المغرض والخبيث للدين.