الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

عزل خطيب "صفقة القرن"، من منظور مواجهة مخطط بنحمزة الوهابي/ الإخواني في وجدة

عزل خطيب "صفقة القرن"، من منظور مواجهة مخطط بنحمزة الوهابي/ الإخواني في وجدة مصطفى بنحمزة (يمينا) والخطيب المعزول محمد شركي

عزلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الخطيب محمد شركي بمسجد ابن حزم في وجدة عن مهمة الخطابة. وحسب التغطيات الصحفية، فإن انتقاده لـ "صفقة القرن"، كان السبب وراء هذا القرار. ومن باب التفاعل مع ما كتب حوله، كتب هذا الخطيب تدوينة اختار لها عنوان: "الشكر موصول لكل من تعاطف مع منبر الجمعة، أما الشامتون به فقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وإن من الغيظ ما قتل"، عبر فيها عن اعتزازه بنصرته للمسجد الأقصى..

 

هذه النازلة في حاجة إلى تمحيص من عدة وجوه، احتراما لمقام منبر الجمعة وتنزيهه عن المهاترات الإيديولوجية والسياسية:

 

1- حسب دلالة السياق، يظهر أن هذا العزل يرجع لتهجم الخطيب على الديانة اليهودية دون تمييز بين الصهاينة الغاصبين، وبين اليهود المغاربة، خصوصا وأن هذه الخطبة جاءت أياما قليلة بعد زيارة الملك محمد السادس لبيت الذاكرة بمدينة الصويرة حفاظا على الذاكرة اليهودية المغربية، متجاهلا ما يفرضه السياق الوطني والدولي من تدقيق في الرسائل الموجهة، بحيث كانت خطبته وهي تركب حدثا قوميا، تمرر رسالة داخلية ترفض نهج أمير المؤمنين في تكريس التعايش السلمي بين الأديان من خلال الخلفيات الدينية للمغاربة أنفسهم. والخطيب بحكم إنابته عن أمير المؤمنين، في إمامة الناس، لا يمكن أن يكون في موقع منازعة أمير المؤمنين أمره. كما أنه من الخطأ الجسيم أن يزج الخطيب بخطبته في الحساسيات الضيقة، خاصة السياسية منها، التي لها أهلها من الأحزاب السياسية، والحكومة، والبرلمان، وجمعيات المجتمع المدني، التي عبرت عن موقف المغاربة الرافض لصفقة القرن، ولا داعي للمزايدات في هذا الشأن من فوق منبر الجمعة، لخلط الأدوار والمواقع، في وقت نتجه كمغاربة لرسم مواقف الوضوح في وظائف كل المؤسسات الوطنية، بدون خلط.

 

2- الخطيب المعني ينتمي للحركة الأصولية، وهو شاعر بنحمزة ومريده. وهذا ما يفسر اطمئنانه بهذه الحماية، في توظيف منبر الجمعة لتسويق الرؤية الإخوانية/ الوهابية، لمجمل الأوضاع في الداخل والخارج. وحتى حائطه الفايسبوكي يزخر بالتهجم على من يعتبرهم علمانيين. وآخر ما نقف عليه بهذا الخصوص، ما كتبه تحت هذا العنوان: "تحامل مكشوف للعلماني سعيد لكحل على الطيف الإسلامي المشارك في مسيرة التنديد بصفقة القرن بالرباط". وهذا يبين فشل الرهان الرسمي على إدماج الأصوليين في الحقل الديني، حيث أصبح المغاربة، بفعل الهيمنة الأصولية يقاربون قضاياهم من داخل المنطق المتشدد لهؤلاء. وما خفي أعظم.

 

3- كان يفترض أن يباشر المجلس العلمي بوجدة، ترشيد تجاوزات الخطباء والوعاظ، من خلال المتابعة والتوجيه والتأطير، لكن هذا المجلس ترك الحبل على الغارب. فهذا الخطيب مثلا يرفضه المصلون أينما حل وارتحل، ولعل هذا ما جعله يشير وبتكييف خاص، فيما كتب إلى: "وإمام قوم وهم له كارهون". ولم يعمل في المقابل بنحمزة على نصحه، بل تركه سيفا مسلولا على مخالفي نهجه.

 

والمتتبع للخطاب الذي يروجه بعض خطباء مدينة وجدة، يلاحظ الكثير من المخالفات والتجاوزات الجسيمة التي لا تليق بحرمة منبر الجمعة، ويكفي أن نذكر ما كان يقوم به عبد الله النهاري من ميوعة وتهريج فوق المنبر حتى أصبحنا محل استهزاء في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي. والمتصفح لموقع يوتوب يجد خطب النهاري تحت عناوين بارزة: "اضحك مع عبد الله النهاري"، "الشيخ النهاري يفقد عقله"... ناهيك عن السب والقذف والعنف والتحريض على قتل زميل صحفي بـ "الأحداث المغربية". كل هذا كان بمباركة رئيس المجلس العلمي لوجدة. وقد اضطرت الوزارة إلى توقيفه تحت "ضغط" البرلمان.

ويكفي أن نذكر هنا أيضا، خطيب مسجد الشريعة بوجدة، الذي أقحم المنبر في المعارك السياسية، ووجهت عرائض للمجلس العلمي من رواد المسجد لاستبداله، لكن عناد بنحمزة حال دون تلبية رغبتهم، بدعوى أن من زكاه العلماء لا تعزله العرائض. لكن شاء الله أن تكون نهايته بتدخل أحد البرلمانيين، ونائب رئيس جهة الشرق، الذي حضر خطبته وقدم سؤالا برلمانيا في الموضوع، واضطرت الوزارة لعزله هو الآخر.

 

4- يعرف أهل وجدة حماقات بعض الخطباء المحسوبين على رئيس المجلس العلمي، وهو ما يفرض على المجلس العلمي الأعلى التوقف عن مجاملة بنحمزة، ومن ثم معاملته كباقي رؤساء المجالس العلمية، فالدولة المغربية دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص. وذلك بمطالبته بتنظيم دورات تدريبية للخطباء والوعاظ، للحد من حماقات بعضهم وتجاوزاتهم. وتنظيم أنشطة دينية في المناسبات الوطنية، على غرار باقي المجالس العلمية، فأهل وجدة لم يسبق لهم أن سمعوا أو رأوا إعلانا معلقا بالمساجد يخبر فيه المجلس العلمي لوجدة عن تنظيم محاضرة أو درس بمناسبة عيد العرش، أو عيد الاستقلال أو المسيرة الخضراء... بل إن "نائب" رئيس المجلس العلمي كان يتهرب من إلقاء الخطب في المناسبات الوطنية.. وحتى بنحمزة نفسه، لا يحضر حفل رفع العلم الوطني بالمناسبات الوطنية.

 

ما نود إثارة الانتباه إليه، أن بنحمزة يسهر في وجدة ليس على تأهيل الحقل الديني، بل على إشاعة الفوضى والتسيب من خلال التمكين لخريجي مشتله الإيديولوجي، ومنتسبي حركة التوحيد والإصلاح، لخدمة التوجه الإخواني/ الوهابي، ومن ثم خلق الأصنام البشرية.

 

5- وفي انتظار ان يقضي الله أمرا كان مفعولا، يجب على سلطة الاختصاص، أن تطالب بنحمزة بتفعيل النظام الداخلي للمجلس، وهو ظهير ملكي منشور بالجريدة الرسمية، والانضباط للمهام الموكولة إليه، وذلك بالحضور الفعلي بمقر المجلس العلمي لوجدة. إذ معروف عند أهل وجدة أن بنحمزة لا يأتي لمقر المجلس بتاتا، وحتى إذا سها ودخل للمقر، فإنه لا يمكث إلا دقائق معدودة. فمن كانت حالته هذه، كيف يؤطر الخطباء والوعاظ؟؟

 

فهو يقضي يومه كاملا في مدرسة البعث الإسلامي يخدم مصالحه الإيديولوجية والمالية والعقارية... مع المنعشين العقاريين والمقاولين... ويجاهر أمام الملأ بقوله: "أنا لا رغبة لي في المجلس العلمي، يكفي أن يتركوا لي إدارة مدرسة البعث الإسلامي". فلماذا يلح على الاحتفاظ بالمدرسة فقط؟؟ الجواب يعرفه أهل وجدة جيدا، حيث أن هذه المدرسة تعد مصدرا مهما للحصول على أموال المحسنين، بدعوى الإنفاق على القرآن الكريم. وللأسف الشديد أن صناديق الأموال التي يتلقاها الأستاذ بنحمزة للإنفاق على المدرسة، لم تظهر لا في بنايتها، حيث البناية مهترئة ومتهالكة، ومرافقها الصحية ومراقد الطلبة لا تليق بأهل القرآن. كما لم تنعكس هذه الأموال على تغذية الطلبة، ولا على لباسهم وهنداهم... لذلك من حق المجتمع الوجدي أن يطالب جمعية البعث الإسلامي التي تسير المدرسة بالكشف عن تقريرها المالي، عملا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقانون الحق في الحصول على المعلومة.

 

ومن أراد التحقق فليقارن بين مدرسة البعث الإسلامي، ومدرسة الفردوس للتعليم العتيق بوجدة، التي يحاربها مصطفى بنحمزة ويطالب بإغلاقها، بدعوى أن المشرف عليها، موظف بالشؤون العامة بعمالة وجدة، وأنه ليس من العلماء... لكن السبب الحقيقي في هذه المحاربة هو المنافسة الشديدة على أموال المحسنين، خاصة وأن مدرسة الفردوس للتعليم العتيق بوجدة، تقدم خدمات لطلبة القرآن الكريم من صنف "خمسة" نجوم، مقارنة مع مدرسة بنحمزة.

 

6- إن عزل خطيب "صفقة القرن"، يحيلنا على قارة للتدبير الأصولي يسهر عليها بنحمزة بوجدة. لذلك فمطالبته بعقد دورات تدريبية للخطباء والوعاظ، إنما ينبع من الغيرة على منابر الجمعة، لإيمان الجميع، بأن العزل وإنهاء المهام ليس حلا، وإنما الحل في التأطير الموصول، وفق الثوابت المغربية الأصيلة، ضمانا لحياد المساجد والعاملين بها، اقتداء ببعض رؤساء المجالس العلمية الفضلاء، كرئيس المجلس العلمي لتارودانت .

 

لكن رب قائل يقول: لماذا تارودانت بالتحديد؟ فنقول إن إقليم تارودانت حسب الإحصائيات التي نشرتها وزارة الأوقاف، يضم أكبر عدد من المساجد بالمغرب "ما يزيد عن 3000 مسجد" ولم نسمع أو نقرأ -في حدود علمي- عن عزل خطيب من مهامه، وذلك بفضل تأطير المؤسسة العلمية هناك، في حين أن إقليم وجدة لا يتعدى عدد المساجد به 350 مسجدا، وكل مرة نقرأ في الإعلام أنه تم عزل فلان وعلان لتجاوزهم الخطوط الحمراء، بسبب الحمق والهوس الإخواني/ الوهابي. فجعجعة بنحمزة، حسب ما يبدو، بدون طحين في وجدة، إلا طحين الخوارج.

 

لذلك نتمنى عليه أن يبوء إلى رشد المسؤولية، بدون مكابرة، حفاظا على مقام العلماء، وبالتالي الكف عن التهجم مباشرة أو بواسطة حوارييه على مخالفيه من أهل وجدة. فأهل وجدة يتعففون عن مجاراة لسانه الجارح، تقديرا لمشيخة العلماء، حيث يفترض فيه أن يكون في هذا الباب، البادئ أكرم، وإلا، "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم". والعاقبة للمتقين!