مع قرب محطة الانتخابات التشريعية أواخر سنة 2026، يحتد الخطاب السياسي بين الأغلبية والمعارضة، سواء عبر منصات البرلمان، أو من منصات الخطابة الحزبية، وكذا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل سؤال تحليل الخطاب السياسي في المغرب يركز على هذا النوع من الخطاب، تحريض وكراهية واستعداء وتزييف للحقائق، مما أصبح معه يشكل ظاهرة مثيرة للقلق الاجتماعي والسياسي، ويتطور ليصبح وسيلة للتنمر.
هي أمثلة كثيرة لهذا النوع من الخطاب السياسي، وهو أمر لايقتصر على جهة دون أخرى، إذ يكون صادرا، أحيانا، عن أعضاء الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، أو من المعارضة على حد سواء، وفي الوقت الذي يربطه البعض بأنه على خلفية الاستحقاقات التشريعيةـ والتي نعيش في المغرب سنتها بامتياز، فإن البعض يرى أن هذا الربط متعسف فيه، بدليل أن هذا الخطاب يبرز مباشرة عقب الإعلان عن النتائج الانتخابية، تشريعية أو جماعية، ويستمر طوال الزمن الحكومي، مما يجعله مستمرا في الزمان، كما أنه لايقتصر على المغرب فقط، بل نجد هذا الخطاب الموسوم بالعنف والكراهية في أرقى الدول ديمقراطيا، بل قد يكون حادا وتترتب عنه ننتائج غير صحية.
خطاب يتجاوز الأغلبية والمعارضة
خلال العشرية الأخيرة، وبالضبط منذ انتخابات 2011، والتي أتت بحزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، تؤكد المتابعة الحثيثة للخطاب السياسي بالمغرب، أنه ارتفع بشكل كبير، عبر إدخال مصطلحات حيوانية إلى خطاب السياسيين، تماسيح وكلاب بل وعفاريت، بالمقابل برز خطاب سياسي مضاد، لم يترك صغيرة وكبيرة إلا ألصقها بهذه الحكومة التي كان يترأسها عبد الإله بنكيران وبعده سعد الدين العثماني، وهو نفس الخطاب القديم/المتجدد الذي يستمر في حكومة عزيز أخنوش، حيث أضحى تبادل خطابات العنف والكراهية، سمة النقاش السياسي في المغرب، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن نقاشا يرقى إلى مستوى الرهانات والتحديات المطروحة، وأضحت منصات التواصل الاجتماعي قناة لتصريف هذه الخطابات بالصوت والصورة، وهو ما يتصاعد مع بروز مظاهر الاحتقان الاجتماعي واحتدام الاستقطاب السياسي، وهو الخطاب الذي لا يقتصر على التحريض ضد الخصوم السياسيين أو المجموعات الاجتماعية، بل يمتد ليشمل تشكيك القادة السياسيين في نوايا المعارضة أو الأغلبية، وتبادل الاتهامات بشكل علني في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
عوامل وراء العنف الخطابي
وبخصوص خلفيات هذا الخطاب المرتبط بالعنف والكراهية، فإن محللي الخطاب السياسي، يربطونه بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية. من بين أبرز هذه العوامل غياب ثقافة الحوار وقبول الآخر، وتصلب التمثلات الاجتماعية، إضافة إلى استغلال بعض القادة السياسيين لهذه الخطابات لاستقطاب جماهير أو تأجيج التحزب الداخلي. كما تلعب وسائل الإعلام ووسائط التواصل دورًا رئيسيًا في تضخيم هذا الخطاب وتداوله بين الأفراد والجماعات..
ويشكل الاستقطاب السياسي بين الأغلبية والمعارضة بيئة مشحونة تدفع القادة إلى استخدام خطاب قوي وعنيف كوسيلة لكسب التأييد أو الضغط على الخصوم، خصوصًا في أوقات الأزمات السياسية كالتصويت على القوانين أو تقديم ملتمسات لحجب الثقة.
السلطة والاستقطاب.. وقود الصراع
ويساعد في احتداد هذا الخطاب، غياب ثقافة الحوار السياسية البناءة التي تقوم على تبني آليات التشاور والتفاهم يجعل الاطراف تلجأ للغة الاستفزاز والتجريح، إذ لا تُعتبر المواجهة العلنية المباشرة مؤشرًا على قوة الموقف فقط، بل وسيلة لكسب تعاطف القواعد الشعبية أو التأثير في الرأي العام.
ويبقى الاستحواذ على المناصب والسلطة، من بين محفزات هذا الخطاب، من خلال رغبة بعض السياسيين والنقابيين في ترسيخ مواقفهم أو إضعاف مكانة خصومهم، مما يعزز الاحتكام لخطاب عنيف ينحو أحيانًا إلى التنمر والتشهير، بهدف إحداث انشقاق في صفوف المعارضة أو الأغلبية، أو إثارة ردود فعل تمنحهم الأفضلية السياسية، ويلعب الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في نقل وتضخيم خطاب العنف والتنمر السياسي، إذ تغري هذه المنصات بعض الفاعلين السياسيين والنقابيين باستخدام لغة تحريضية لجذب الانتباه وإحداث تأثير سريع لاتخاذ مواقف متشددة.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الشعور بعدم الأمان الاجتماعي والاقتصادي، مع تصاعد التوترات المجتمعية، ينعكس في خطاب السياسيين والنقابيين، حيث يستعملون لغة تحريضية تعبّر عن مخاوف شخصية وجماعية، كما تغذيها مشاعر الإحباط والضعف.
البعد النفسي والاجتماعي
هذه الأسباب تكشف عن تعقيدات ظاهرة الخطاب العنيف والتنمر السياسي في المغرب، والتي تتطلب تدخلات شاملة لتعزيز ثقافة الحوار والنقاش الديمقراطي وتفعيل آليات المسائلة والردع..
وظاهرة العنف والكراهية في الخطاب السياسي ليست محصورة في المغرب فقط، بل تعد ظاهرة عالمية متصاعدة في عدد من الدول حول العالم، ففي العديد من الدول، مثل ألمانيا، الولايات المتحدة، الهند، وميانمار، يشهد الخطاب السياسي تصاعداً في مستويات الكراهية والتحريض، مما يؤدي إلى تفشي العنف المادي والاجتماعي..
ويتغذى الخطاب السياسي العنيف عالمياً على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والفوارق الثقافية والدينية، بالإضافة للاستقطاب الحزبي والتنافس الانتخابي الحاد.
وهذا الخطاب يخلف ردود فعل متطرفة، فتحريض الأقليات الدينية والعرقية في بعض الدول، كما حدث في ميانمار والهند، أدى إلى جرائم كراهية واسعة ونزاعات طائفية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية إلى أن خطاب الكراهية أصبح أكثر سرعة وانتشاراً بفعل تطور وسائل الاتصال والذكاء الاصطناعي، ويلقى حضورًا واضحًا في الخطاب السياسي لدول عديدة حول العالم.
وأكدت منظمة اليونسكو أن خطاب الكراهية يرتفع في جميع أنحاء العالم، ويهدد السلم الاجتماعي في أوروبا، آسيا، إفريقيا، والأمريكيتين؛ وتوظفه العديد من القوى السياسية كمادة للصراع الداخلي أو لتعبئة الجماهير ضد الخصوم أو الأقليات.
وشهدت دول مثل ألمانيا، والولايات المتحدة، والهند، وميانمار، والعراق واليمن.. موجات من العنف ترتبط بشكل مباشر بخطاب سياسي محرض على الكراهية يستهدف الأقليات الدينية والعرقية أو اللاجئين والمهاجرين، حتى بلغ ذلك حد الإبادة الجماعية في بعض الحالات كما في رواندا والبوسنة وكمبوديا..
انعكاسات على الثقة والمؤسسات
وبالرجوع إلى المغرب، فإن عددا من التقارير الحقوقية تحذر من أن انتشار خطاب الكراهية والعنف في الوسط السياسي المغربي يسهم في تعميق الانقسام الداخلي ويضعف مفهوم المواطنية والعيش المشترك. وتصبح المؤسسات السياسية، بما فيها الأحزاب والنقابات، منابر لتبادل الاتهامات واستعمال لغة عنيفة تجاه المنافسين السياسيين، وهو ما ينعكس سلبًا على ثقة المجتمع في العملية السياسية ككل.
وتدعو هذه الهيئات الحقوقية، النخب السياسية في المغرب إلى إعادة النظر في خطابها الرمزي والأخلاقي، ونبذ كل أشكال الإقصاء والسب والشتم، لما له من تأثير مباشر على المجتمع وتحفيز السلوكيات المتطرفة. ويلح الخبراء على أهمية بناء هوية وطنية موحدة تحتضن التنوع، مع تفعيل قنوات الحوار والانفتاح بين مكونات الأغلبية والمعارضة، وحث القادة السياسيين، ودورهم في إنتاج خطاب يسهم في تعزيز السلم الاجتماعي بدل تأجيج الصراعات الداخلية..
هذه الأمثلة الحديثة تؤكد أن خطاب الكراهية السياسي أصبح قضية دولية وتمس أمن واستقرار الدول، وتجعل الحاجة ملحة لوضع سياسات وقوانين رادعة.
الحاجة إلى إصلاح الخطاب السياسي
وتبرز مخاطر هذا الخطاب السياسي المستند على العنف والكراهية والتنمر والازدراء، في أنه يخلف عداء كبيرا، يؤثر بشكل أو بآخر على أدوار الحكومة والمعارضة على حد سواء، خصوصا عند تجاوز مثل هذه الخطابات، الأفراد إلى مستوى الخطاب المؤسساتي، حيث يتم استغلال التنافس السياسي لتأجيج التفرقة وزرع الريبة إما في شرعية الأغلبية أو نزاهة المعارضة..
ويرى المحللون أن جزءًا من هذا الاحتقان اللفظي سببه هشاشة المشهد الحزبي وتوتر العلاقات البينية وغياب ثقافة التوافق، ما يحول الخلاف إلى صراع شخصي ينعكس على الخطاب العام ويخلق بيئة سلبية داخل الرأي العام..
فخطاب الكراهية السياسي يُعد مؤشرًا مبكرًا لاحتمال اندلاع أعمال عنف وجرائم فظيعة، ومن هنا تتضافر الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة من خلال سن قوانين وتعزيز سياسات التعايش وحماية حقوق الإنسان حول العالم.
فالتحريض المستمر والممنهج عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية يعمق الانقسام المجتمعي، ويضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية، ويؤسس لبيئة سياسية غير صحية وغير آمنة.
نحو خطاب يرسخ السلم الاجتماعي
ويرى عدد من المتتبعين، أنه للحد من العنف والتنمر في الخطاب السياسي المغربي، يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات الفعالة التي تستهدف مستويات متعددة تشمل الإطار القانوني، التوعية المجتمعية، وتعزيز ثقافة الحوار:
* تحديث القوانين الجنائية والسياسية لتضمين نصوص واضحة تجرم خطاب الكراهية والعنف اللفظي ضد الخصوم السياسيين، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين.
* تحديث القوانين الجنائية والسياسية لتضمين نصوص واضحة تجرم خطاب الكراهية والعنف اللفظي ضد الخصوم السياسيين، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين.
* تفعيل الجهات الرقابية والمحاسبية داخل المؤسسات السياسية والبرلمان لضبط الخطاب السياسي ومنع التجاوزات.
* إطلاق حملات وطنية تستهدف الفاعلين السياسيين والنقابيين وأحزابهم لتوعيتهم بآثار خطاب العنف والكراهية على المجتمع والديمقراطية.
* تعزيز برامج التدريب على مهارات الحوار والاتصال غير العنيف داخل الأحزاب والمجتمع المدني.
* وضع ميثاق شرف إعلامي يلتزم بعدم ترويج خطاب الكراهية والتحريض، مع رصد المحتوى السياسي على وسائل التواصل وتوجيه الإعلاميين إلى ممارسة المسؤولية المهنية.
* تشجيع مبادرات المناصرة لخطاب الوسطية والتحاور بين مختلف الطيف السياسي ودعم المنصات الحوارية المفتوحة.
* دعم مبادرات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز ثقافة التعايش وقبول الآخر وتوفير فضاءات للدبلوماسية والتواصل بين الفرقاء السياسيين.
* إطلاق منتديات وطنية دورية تساهم في تفكيك صور العداء المتبادلة وبناء تفاهمات مشتركة بين المعارضة والأغلبية.
* إدماج مفاهيم الحوار واحترام الرأي الآخر في المناهج التعليمية والثقافية لخلق أجيال جديدة تؤمن بمبادئ الديمقراطية والحوار البناء.
* تحفيز النخب السياسية على تبني خطاب مسؤول يعكس وحدة الوطن ويعزز السلم الاجتماعي.