Sunday 11 May 2025
فن وثقافة

مالك شبل: اهتمام القراء يتجه نحو ما يمتعهم أكثر، كالنساء، والجنس

مالك شبل: اهتمام القراء يتجه نحو ما يمتعهم أكثر، كالنساء، والجنس

على إثر وفاة المفكر الأنتروبولوجي الجزائري مالك شبل، أمس السبت، وما خلفه هذا الفقدان من فراغ على الساحة الثقافية العربية. تعيد "أنفاس بريس" نشر حوار سبق للزميل سعيد منتسب أن أجراه مع الراحل قبل ست سنوات، وتحديدا شهر مارس من عام 2010.

 

سؤال: في كل كتاباتك، تطارد جوهرا واحدا للإسلام، بينما النص القرآني، وهو النص التأسيسي الأول، نص يحتمل قراءات متعددة، كما أنك باحث أنتروبولوجي، وتعرف جيدا أن هناك «إسلاما إناسيا» يسمح بالتعدد مادامت مجتمعات الإسلام متباينة.

جواب: أتفق معك في هذه النقطة، وهذا بالضبط ما أقوله.

سؤال: لكنك، رغم ذلك، تريد تقديم قراءة واحدة للإسلام، بدعوى أن هذا الإسلام هو الإسلام الحقيقي والتقدمي، في حين أن تاريخ الإسلام يقدم قراءات أخرى مخالفة..

جواب: لقد مر على ظهور الإسلام أربعة عشر قرنا ونصف، عشرة قرون منها ظل خلالها ثوريا وتقدميا، ومنها سبعة قرون في الأندلس. إنه دين كبير ذو تراث حضاري عريق وليس دين عنف وتفجيرات وقنابل. كما العامل الذي سمح للإسلام أن يكون تقدميا، آنذاك، ليس هو العالم العربي، وليس الأمازيغ ولا المسيحيون، ولا حتى الإسبان، بل الإسلام نفسه. لقد سمح الاسلام بإنشاء حضارة ضخمة في الماضي، وهذا يعني انه ليس هو سبب التخلف الحالي، كما يزعم بعضهم. وانما الفهم الخاطئ له هو السبب. وينبغي التفريق بين الاسلام من جهة، والتأويلات التي قد تشيع عنه في هذا العصر أو ذاك من جهة أخرى. ففي العصر الذهبي شاع تأويل منفتح عقلاني، متفاعل مع الحضارات الأخرى. أنت إذن تتحدث عن فهم معين للإسلام؟ أتحدث عن إسلام التسامح والانفتاح واحترام الآخر، عن إسلام يفتخر بنفسه ولا يخجل من ممارسة شعائره. واليوم ثمة أوجه أخرى للإسلام، من خلال بعض الدراسات، تبدو كلها تقدمية، لكنها تسعى لتنحية الإسلام، كما عاينت ذلك في فرنسا وفي مناطق أخرى من أوربا وباقي مناطق العالم. يريدون إسلاما تقدميا، لكن عندما تتحدث إليهم تجد أنهم يريدون تنحية الإسلام بشكل كامل.

سؤال: لقد اطلعتُ على كتاب ‹«لم نقرأ القرآن بعد» ليوسف الصديق، وهو كتاب يتحدث عن الأصول الإغريقية للإسلام. مارأيك؟

جواب: هذا غير جدي، هناك أشخاص يريدون البحث في الأصول اليهودية والإغريقية للإسلام. في حين أن الإسلام يقول لهم ابحثوا أولا في الأصول العربية، وفي الأصول اللغوية العربية. لكن لماذا يتم التوجه إلى الإغريق. هل لأن الإغريق أنتجوا الحضارة الغربية يجعلهم يقفون وراء بناء الحضارة الإسلامية؟

سؤال: لكن مفكرا مثل عبد الله العروي في كتابه «السنة والإصلاح» يرفض أن يعتبر الإسلام بداية مطلقة، ويعود به إلى المرحلة الهلستينية، بل إنه يتحدث عن عالم تمازجت فيه المواريث اليونانية والرومانية والسامية (اليهودية والمسيحية)..

جواب: لا مشكل في ذلك، هنا نتحدث عن الإلهام، فكل حضارة ترتبط بباقي الحضارات. وهنا نتحدث عن الحضارات وليس الديانات، فالأمر لا ينطبق عليها. أليست الديانات جزءا من الحضارات؟ بلى، فالحضارة الإسلامية كلها قائمة على الدين، وبالأخص على القرآن. لكن دعنى أسأل: لماذ لم يقل المفكرون في ذلك الوقت، قبل قدوم الرسول، إنه سيكون ثمة دين الإسلام؟ لماذا فوجئ الإغريق والعبريون والبيزنطيون بقدوم الإسلام؟ إن هذا يثبت أنه ليس ثمة رابط بين الإسلام وتلك الحضارات القديمة، لأنها كانت متصادمة.

سؤال: لكن، مع ذلك، في تلك الفترة لم يكن مثيرا للدهشة أن يظهر أنبياء. إذ ظهر بعض المتنبئين قبيل الإسلام. كما كانت هناك الديانة اليهودية والنصرانية، ثم الحنيفية التي كان لها أتباع بين العرب، ولعل هذا يظهر، على سبيل المثال، في كتابات أمية بن أبي الصلت..

جواب: هذه المقدمات عرفناها من بعد، ولم تكن معروفة مسبقا. ولم يكن ثمة يهودي أو بيزنطي أو بوذي يقول إنه سيأتي دين يحمل اسم الإسلام. فبمراجعتنا للتاريخ أدركنا أنه كان ثمة منطق. كانت بيزنطة على شفير الانهيار، وكان المسيحيون يعيشون في صراع في ما بينهم.. لهذا ربما توجه مجموعة من الانتقادات إلى مشروعك، وترى أن مالك شابل يقدم قراءة إبستيمولوجية للإسلام وليست قراءة تاريخية. إنهم يجعلون مشروعك خارج التاريخ.. مع ذلك فإن جميع الأدلة التي اعتمد عليها لا تشكل قطيعة مع الأدلة التاريخية. والأشخاص الذين يعتقدون أنني أقدم قراءة إبستيمولوجية للنص لا يقدمون دليلا واحدا واضحا على ما يدعون، أريد فقط دليلا واحدا على أنني أقدم دينا مصطنعا أو نظريا. وقوة عملي تعتمد بالأخص على ما هو واقعي.

سؤال: توجه إليك انتقادات أخرى تفيد بأن مشروعك يقدم إسلام المتعة، الجسد، الحب والجواري...

جواب: الذين يقولون هذا الكلام لم يطلعوا على كتاباتي ومساري. لقد كتبت لمدة ثلاثين عاما، ومررت بمراحل. بدايتي كانت في مجال الطب والتحليل النفسي، وقدمت أطروحتي لنيل الدكتوراه حول «طابو العذرية»، وهو الموضوع الذي بدأ يكتشفه العالم في السنوات الأخيرة، في حين أنني تناولته كتابة قبل ثلاثين عاما. وبعد ذلك وجهت اهتمامي إلى الجسد، حتى قبل أن ينشغل العالم الأوربي بمسألة الجسد، فبالأحرى العالم العربي. لكن حينها كان ثمة بعض الاهتمام بالموضوع في الولايات المتحدة. أما اليوم فنجد أمامنا عددا لا حصر له من المجلات والدوريات المتخصصة في مسائل الجسد والتجميل. ومع ذلك، فأنا كتبت عن الجسد، العذرية، المرأة... قبل ثلاثين عاما. بعد ذلك، اهتممت بالأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا والعلوم السياسية، حيث حصلت على دكتوراه في العلوم السياسية حول موضوع الهوية السياسية. ولم يقل أي أحد لماذا اهتم مالك شابل بموضوع الهوية السياسية، وهو موضوع مجرد ولا علاقة له بالملاهي والجواري والغلمان. إنني في كل ذلك أسعى لتسليط الضوء على مسألة الحرية الفردية، وعلى تلك المواضيع التي تجمع بين المحرمات والممكنات التي تقدمها الديمقراطية. هذا هو مشروعي التاريخي والفلسفي، وليس فقط الجنس هو ما أسعى للحديث عنه، إذ يظل عاملا ثانويا. لقد عالجت العديد من المواضيع التي لم تتطرق إلى الجنس، لكن قليلا من الناس تحدثوا عنها، فالواضح أن اهتمام القراء يتجه نحو ما يمتعهم أكثر، كالنساء، والجنس...