الأربعاء 24 ديسمبر 2025
سياسة

المحامون بين التحديث وتهديد الاستقلالية.. النقيب البصراوي يكشف 20 ملاحظة تفضح نوايا المشروع الجديد

المحامون بين التحديث وتهديد الاستقلالية.. النقيب البصراوي يكشف 20 ملاحظة تفضح نوايا المشروع الجديد النقيب السابق لهيئة المحامين بخريبكة ، علال البصراوي
قدم النقيب السابق لهيئة المحامين بخريبكة 20 ملاحظة حادة على مشروع قانون مهنة المحاماة.
وانتقد الأستاذ علال البصراوي مسودة القانون 66.23 لتراجعها عن استقلالية المهنة ومكتسباتها عبر عقود، ويرى البصراوي أن المشروع يعكس "خطًا تراجعيًا" يقلص استقلالية الهيئات أمام وزارة العدل والنيابة العامة، من ولوج المهنة إلى نهايتها المهنية.
ويأتي هذا النقد وسط رفض جماعي من هيئات المحامين بالمغرب للمشروع، مطالبين بسحبه لنقاش تشاركي يحافظ على الاستقلالية الدستورية، مع تسليم المسودة لنقباء الهيئات لعرضها على مجالسها.

 
بعد طول كتمان وسرية، ظهرت مسودة مشروع القانون رقم 66.23 المنظم لمهنة المحاماة. وذلك بعدما أحالته الأمانة العامة للحكومة على الوزراء استعدادًا لإدراجه باجتماع مجلس الحكومة، وهي المسودة التي سلمت لنقباء الهيئات لعرضها على المجالس.
وبالاطلاع المباشر على هذه المسودة، سجلنا عددًا كبيرًا من الملاحظات كلها تعكس الخط التراجعي لهذا المشروع على كل الأوضاع والمكتسبات والتجارب التي راكمتها مهنة المحاماة بالمغرب عبر عقود من الزمن، حتى إن المرء يكاد لا يصدق كيف يمكن أن يكون قد حصل نقاش أو توافق أو اتفاق حول هذه المقتضيات!
وحتى تلك التي كنا نسميها في مراحل سابقة قضايا معلقة تم تمريرها، وتمرير أكثر منها.
وللتدليل على ذلك كله، أقدم عددًا من الملاحظات تمثل غيضًا من فيض.

الملاحظة الأولى: إن الملاحظة العامة والأساسية التي تخترق مفاصل المشروع ككل، ونلمسها في كل مقتضياته، هي تلك المتعلقة بالتقليص من استقلالية المهنة خاصة في علاقتها بوزارة العدل والنيابة العامة.
إذ إن جل القرارات التي تتخذها أجهزة الهيئة أصبحت ملزمة بتبليغها إلى النيابة العامة بل وحتى إلى وزير العدل، بدءًا من ولوج المهنة عبر مباراة وتكوين بالمعهد من تنظيم وتأطير وزارة العدل إلى غاية إنهاء الحياة المهنية بالتغاضي (المادة 109) مرورًا بكل مفاصل الحياة المهنية. 
 
الملاحظة الثانية: تكريسًا لنفس النهج المشار إليه أعلاه، نصت المادة 18 من المشروع على أن واجب الانخراط في الهيئة بالنسبة للوافدين الجدد يحدد بقرار لوزارة العدل، بعدما كان هذا من اختصاص الهيئات التي تدبر هذا الموضوع حسبما تقتضيه ظروفها الخاصة، وخاصة على مستوى القدرة الاستيعابية.
وهو أمر لا يقدره ويحس به حقيقة إلا الممارسون في كل هيئة. 

الملاحظة الثالثة: نصت المادة 26 من المشروع على صيغ الممارسة المهنية، ووضعت من بينها ممارسة المحامي بشراكة مع محامٍ آخر مسجل بهيئة أخرى في إطار عقد.
هذه الصيغة لم تكن في يوم من الأيام مطلبًا لعموم المحامين، حيث ظلت الصيغة المعمول بها هي التخابر مع مكتب زميل من هيئة أخرى في إطار الآعراف والتقاليد، أما الشراكة فستكون وسيلة لامتداد مكاتب معينة خارج دائرة الهيئة التي ينتمون إليها.

الملاحظة الرابعة: من صيغ الممارسة أيضًا ما نصت عليه المادة 26 من المشروع حيث يمكن للمحامي إبرام عقد تعاون مع محامٍ أجنبي أو مع شركة مهنية أجنبية للمحاماة.
إنه بشكل واضح فتح باب المهنة للاختراق بعدما ظل عصيًّا لعقود من الزمن.
ما معنى عقد تعاون؟ لا يوجد في أي فرع من فروع القانون عقد اسمه عقد تعاون.
إن كلمة "تعاون" ليست أصلًا اصطلاحًا قانونيًّا، وإنما صيغة عامة تفتح الباب لأمور لا علاقة لها بالممارسة المهنية.
إن مثل هذه الصيغة والصيغة التي قبلها لم تكن يومًا مطلبًا لعموم المحامين المغاربة. 

الملاحظة الخامسة: لأهمية صيغ الممارسة المذكورة في المشروع، تقرر فقط عرضها على التأشيرة وليس للنظر والبث، بل إنه نص على أن لا ترفض التأشيرة إلا في حالة تضمين العقد ببنود مخالفة للقانون، ونص على أن يُبثَّ فيها داخل أجل ثلاثة أشهر، وأن عدم البث يعد بمثابة تأشيرة. 

الملاحظة السادسة: لتيسير تمرير هذه العقود، تم سحب الاختصاص من المجلس وإسناده للنقيب، خلافًا لما كان عليه الأمر في القانون الحالي في المادة 27 التي تنص على أن مجلس الهيئة هو من يرخص بالمشاركة أو غيرها من صيغ الممارسة، يرخص وليس يُعرَّض عليه للتأشيرة. 

الملاحظة السابعة: نصت المادة 38 من المشروع على عدم إلزامية المحامي في القضايا التي يكون أحد طرفيها قاضيًا أو محاميًا، وفي القضايا التي تُطبَّق فيها المسطرة الشفوية طبقًا لقانون المسطرة المدنية، وفي قضايا أخرى ينص عليها القانون.
وهكذا ففي الوقت الذي يطالب فيه المحامون بتوسيع دائرة "الاحتكار" المهني، ينص المشروع على العكس، بل إن حتى من كان خصمه محاميًا أو قاضيًا يُعفَى من تنصيب محامٍ في جميع المراحل بما فيها النقض، ومؤدَّى هذا أنه في دعوى شخصية لمحامٍ أو قاضٍ يجب عليه تنصيب دفاع مقبول أمام محكمة النقض، في حين أن الخصم الذي قد يكون مواطنًا لا دراية له مطلقًا بالقانون يَتَقَاضَى شخصيًّا لمجرد أن خصمه محامٍ أو قاضٍ. 
 
الملاحظة الثامنة: نصت المادة 47 من المشروع على إلزام المحامي بارتداء البدلة أثناء القيام بالإجراءات بكتابة الضبط.
هذا المقتضى لا مبرر له، وسيؤدي إلى الاحتكاك المستمر بين المحامين وموظفي كتابة الضبط.
إن مجال ارتداء البدلة هو جلسات المحكمة حتى يبقى لها احترامها وهيبتها، أما التزاحم مع المواطنين بالبدلة في ممرات المحكمة فَضَرَرُهُ واضح. 
 
الملاحظة التاسعة: نصت المادة 48 من المشروع على إلزام المحامي عند الترافع أمام محكمة خارج دائرة نفوذ محكمة الاستئناف المحدثة لديها الهيئة المسجل بها أن يقدِّم نفسه ويُصْرِحَ بِرَقْمِهِ المهني إلى نقيب الهيئة أو من يمثله.
هذا المقتضى بوضوح هو تكليف بمُسْتَحِيلٍ. إذْ كيف لمحامٍ ينقل صباحًا مئات الكيلومترات أن يبحث عن النقيب أو من يمثله ليقدِّم له نفسه؟!
إنه مثل هذه المقتضيات لا زالت من بقايا المدرسة اللاتينية، وإن الواقع وتعقيداته فرض تجاوزها.

إن كثيرًا من مقتضيات هذه المدرسة تُثْقِلُ كاهلَ المحامي بالتزامات لا طائلَ منها. فالمحامي مَلْزَمٌ أساسًا باحترام القانون وآدابِ وتقاليدِ مهنته، ومنها تقديمُ نفسِهِ للزميلِ الذي يَنُوبُ على الخصمِ وللنقيبِ إذا كانَ حاضرًا بالجلسة. 
 
الملاحظة العاشرة: ألزمت المادة 54 من المشروع المحامي بالتوفر على تكليف مكتوب من موكله يتضمن كثيرا من المعطيات. ومعلوم أن مسألة الوكالة المكتوبة كانت لسنين طويلة من القضايا الخلافية بين المحامين ووزارة العدل. ذلك أنه إذا كانت بعض الممارسات الاستثنائية والقليلة جدا تخص المنازعة في النيابة، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون دافعا لفرض إجراء إضافي يثقل كاهل المحامي والمواطن ويهز الثقة في مؤسسة الدفاع.
 
الملاحظة الحادية عشرة: نصت المادة 72 من المشروع على أنه يتعين أداء الأتعاب التي يتجاوز مبلغها عشرة آلاف درهم بواسطة شيك أو بإحدى وسائل الأداء بطريقة إلكترونية.
هذا المقتضى غير واقعي، إذ يبدو كما لو أنه وُضع ليُطبَّق في جزء من المغرب، وليس على جميع المواطنين، خاصة القاطنين في البوادي والجبال والمناطق النائية الذين لا علم لهم أصلًا بوجود الشيك أو وسائل الأداء الإلكترونية. علمًا أن آخر التقارير ذات الصلة تُبيّن أن نسبة التبنّيك في المغرب تصل بالكاد إلى 50%.
 
الملاحظة الثانية عشرة: تخص هذه الملاحظة المسطرة التأديبية للمحامي أو المحامي المتمرن، خاصة المواد 83 و99 و101، إذ قررت هذه المواد أن النقيب يقوم بمتابعة المحامي أو المحامي المتمرن، وأنه في الوقت نفسه يشارك في المحاكمة ويصوت، في حين أن المقرر يجوز له حضور المداولات دون أن يكون له حق التصويت.
في حين يتعين أن يكون العكس، أي ينبغي ألا تُشارك جهة المتابعة (النقيب) في صدور الحكم الذي يبقى من اختصاص المجلس، وضمنه المقرر الذي لا مبرر لاستبعاد تصويته.
 
الملاحظة الثالثة عشرة: ويُلاحظ من جهة أخرى أن المقتضيات أعلاه نصت على حق المتابع بالاستعانة بمحامٍ لمؤازرته، وكررت لفظ "محامٍ" عوض "الدفاع".
ولعل أبعاد هذا المقتضى تكمن في تكريس ما تذهب إليه بعض المجالس التأديبية اليوم من فرض مؤازرة المتابع بمحامٍ واحد عوض دفاع قد يتكوّن من عدد من المحامين.
وهذا الاختيار مرفوض لأنه يمسّ مباشرة حقوق الدفاع المخوّلة للمواطن بالشكل الذي يراه مناسبًا، ويُضيّق على عمل المحامين حين يُفرض عددهم في كل ملف.
 
الملاحظة الرابعة عشرة: نصت المادة 98 من المشروع على مسطرة وآجال البتّ في الشكايات المرفوعة في مواجهة المحامين وآجال الطعن فيها، وتثير عدة ملاحظات أهمها:
تقصير الآجال الممنوحة لأجهزة الهيئة للبت فيها.خلق طريق جديد للطعن في قرار النقيب بالحفظ أمام مجلس الهيئة.
فتح باب الطعن في قرار الحفظ أمام المشتكي.
جعل قرارات النقيب قابلة للطعن أمام المجلس وغرفة المشورة، بل إن مجلس الهيئة إذا لم يبتّ داخل الأجل المحدد يُحال الملف بقوة القانون إلى غرفة المشورة.
إن المنهجية التي وُضعت بها هذه المقتضيات تعكس فكرة مسبقة بأن المحامي المشتكى به مرتكب للفعل، وأنه ينبغي ألا يفلت، ويجب تضييق الخناق عليه مسطريًا. في حين أن واقع الشكايات المقدمة إلى الهيئات لا يعكس في معظمها هذه الأهمية، إذ إن جزءًا كبيرًا منها يخص ضعف التواصل الناتج عن اعتقاد الموكل بأن على المحامي أن يجيبه دائمًا على هاتفه ليل نهار وأيام العطل، ويناقش معه الملف في كل وقت وحين، وجزءًا آخر من الشكايات يتعلق بتأخر الإجراءات التي لا دخل للمحامي فيها.
إن هذه المقتضيات ستؤدي في النهاية إلى كثرة الملفات أمام غرفة المشورة في مواضيع وجزئيات لا ينبغي أصلًا أن تصل إلى القضاء.

الملاحظة الخامسة عشرة:
في مقتضى مخالف لفلسفة القانون نفسه ولِما يجري به العمل قانونًا وواقعًا، نصت المادة 103 على أن المحامي الذي صدر في حقه قرار بالتوقيف يجب عليه التوقف عن ممارسة أي عمل من أعمال المهنة بمجرد صدور القرار، أي قبل أي تبليغ أو تنفيذ. وفي حالة امتناعه عن التنفيذ الطوعي، يحدد النقيب داخل أجل 48 ساعة تاريخ انتقاله إلى مكتب المحامي المعني للسهر على التنفيذ مع إمكانية الاستعانة بالنيابة العامة.
أمر جيد أن تُحدَّد آجال التنفيذ بالساعات وبهذه السرعة والدقة، لكن ينبغي أن يكون ذلك في كل مناحي التنفيذ وفي جميع القضايا.
 
الملاحظة السادسة عشرة: اهتم المشروع كثيرًا بجزئيات الحياة الداخلية للهيئة، حتى إنه ألزم النقيب في المادة 147 بإحالة النظام الداخلي للهيئة على الرئيس والوكيل العام، ويخضع لنفس الإحالة كل تعديل يطرأ على النظام الداخلي. بل ويمكن للوكيل العام الطعن في هذا النظام وهذه التعديلات.
ونص على أن النظام الداخلي يُودَع أيضًا بكتابة ضبط محكمة الاستئناف.
والملاحظ أن كل هذه المقتضيات جاءت مخالفة لما استقر عليه الاجتهاد القضائي لعقود من الزمن، إذ يعتبر هذا الاجتهاد أن النظام الداخلي هو بمثابة عقد بين أعضاء الهيئة يلزمهم هم ولا يلزم الغير، وأن ما يلزم الجميع هو قانون المهنة وليس النظام الداخلي.
لذلك فإنه لا مبرر لاهتمام المشرّع بتفاصيل وجزئيات الحياة الداخلية للهيئة.
 
الملاحظة السابعة عشرة: في موضوع تشكيلة مجلس الهيئة، حافظ المشروع على الفئوية رغم عدم ديمقراطيتها من الأصل، لكن الأخطر أنه ذهب عكس الاتجاه العام للبنية البشرية للهيئات. ذلك أنه نص في المادة 148 على أن مجلس الهيئة يتكوّن من ثلاث فئات:
فئة النقباء السابقين.
فئة المحامين المسجلين بالجدول لمدة تفوق عشرين سنة.
فئة المحامين المسجلين بالجدول لمدة بين عشر وعشرين سنة.
لكنه خصّص للفئتين الأولى والثانية (النقباء السابقون وأكثر من عشرين سنة) ثلثي أعضاء المجلس.
وهكذا ففي الوقت الذي ينبغي فيه رفع تمثيلية فئة الشباب ما دامت اليوم هي الأكثر في كل الهيئات، نجد أن المشروع قلّص من تمثيليتها.

الملاحظة الثامنة عشرة: في السياق نفسه نصت المادة 158 على رفع مدة الأقدمية للترشّح لمهمة النقيب إلى عشرين سنة، وأن يكون قد قضى ولايتين في المجلس.
ويُلاحظ سواء في المشروع أو في الخطاب العام ذي الصلة أن هناك اتجاهًا إلى إقصاء الشباب أو التضييق عليهم في الوصول إلى مراكز القرار المهني، خلافًا للتوجهات العامة للدولة.
فالشروط الموضوعة لمهمة النقيب تجعل المترشح غالبًا في سن الستين، وتُضيّق من دائرة الاختيار داخل الهيئات، خصوصًا الصغرى منها.
ومادام الاختيار ذهب إلى الولاية الوحيدة، فإنه لا مبرر لجعل الأقدمية في عشرين سنة، فالكفاءة والحكمة وغيرهما من الصفات لا ترتبط دائمًا بالسن أو الأقدمية.
 
الملاحظة التاسعة عشرة: نصت المادة 151 من المشروع على أن من اختصاصات النقيب تدبير المصالح المالية للهيئة، وأسندت له أيضًا الدعوة لاجتماعات الجمعية العامة وإعداد مشروع جدول أعمالها.
ويُلاحظ في ذلك تقليص مهام واختصاصات المجلس، وخاصة في القرار المالي الذي ينبغي أن يبقى جماعيًا على عكس ما ذهب إليه المشروع.
 
الملاحظة العشرون: هي ملاحظة عامة تخترق مفاصل المشروع ككل، وتتعلق بعدم اعتماد المقاربات المتماشية مع السياسة العامة للدولة، وهي أساسًا:مقاربة النوع الاجتماعي.تشجيع الشباب على الوصول إلى مراكز القرار.حماية القرار الإداري والمالي بجعله جماعيًا ما أمكن (تقوية المجلس عوض إضعافه).
 
ختامًا:
إن مشروعًا غابت في وضعه المقاربة التشاركية الحقيقية، وأُحيط التفاوض بشأنه بالسرية حتى عن المؤسسات المهنية، لا يمكن أن يكون إلا على هذه الصيغة التي تتعارض مع دستور 2011 وما تضمّنه من مقاربات،
وتتعارض مع الاجتهاد القضائي وما راكمته المهنة من مكتسبات عبر عقود من الزمن.