الأربعاء 24 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

ياسين كحلي: تذاكر بأضعاف سعرها بين النصوص القانونية وواقع السوق

ياسين كحلي: تذاكر بأضعاف سعرها بين النصوص القانونية وواقع السوق ياسين كحلي
تشكل أزمة السوق السوداء لتذاكر مباريات كأس أمم أفريقيا 2025 نموذجا حيا لاختبار كفاءة المنظومة القانونية في حماية المستهلك وضمان نزاهة السوق، وهي تعكس تداخلا دقيقا بين الحقوق الاقتصادية للمستهلك وضوابط المنافسة والأسعار .. فالممارسات المسجلة، من إعادة بيع التذاكر بأسعار مضاعفة تصل إلى حدود 4000 أو 5000 درهم، في حين أن السعر الرسمي قد يبلغ 500 درهم، أو تداول تذاكر مزيفة عبر المنصات الرقمية، لم تعد مجرد مخالفة تجارية، بل مؤشر على خلل عميق يمكن أن يضع المستهلك في موقف ضعف ويضر بالمنافسة الشريفة .
 
في هذا السياق، يتضح من قانون حماية المستهلك رقم 31.08 أن المواد 3؛ 4 و5 توفر أدوات قانونية لضمان وحماية حقوق المستهلك .. وبالرجوع لمضمون المادة 3 منه؛ حيث تمنح المستهلك الحق في الحصول على منتج أو خدمة مطابقة لما أُعلن عنه، وهو ما يغفل في السوق السوداء عند فرض أسعار مضاعفة أو تسويق تذاكر مزيفة على أنها أصلية .
 
أما بالرجوع للمادة الرابعة من نفس القانون نجدها تحظر كل ممارسة تنطوي على تضليل أو غش، ما يجعل التعامل مع التذاكر المزورة أو خارج القنوات الرسمية خرقا مباشرا. في حين نجد المادة الخامسة تلزم المورد بالإفصاح عن السعر الحقيقي، في حين يفرض سعر مصطنع يفوق القيمة الرسمية بكثير، ما يعكس استغلالا صارخا للمستهلك ويضعه في موقف ضعف .
 
التحليل القانوني هنا يقودنا إلى ضرورة بيان التمييز بين حالتين:
فأما الحالة الأولى تتجلى في إعادة البيع لأسباب مشروعة، مثل تعذر حضور المستهلك للحدث، حيث قد يضيف البائع (الذي يحمل صفة المستهلك قبل عرض ايجابه للتذكرة) مبلغا معقولا لتعويضه عن الجهد أو الوقت المبذولين، وهو فرق مقبول ومحدود قد لا يتجاوز 100 أو 200 درهم، وفي هذه الحالة يظل الفعل مشروعا .
 
في حين الحالة الثانية فهي الشروع في تفعيل الفعل الجرمي المتمثل في النصب والاحتكار، حيث يشتري البائع التذاكر من القنوات الرسمية بنية إعادة بيعها بأسعار مرتفعة جدا ومبالغ فيها دون أي مبرر، مستغلا حاجة الجمهور، وهو ما يشكل انتهاكا صريحا وواضحا للمواد القانونية المذكورة ويخضع للعقوبات المقررة في هذا الصدد .
 
ومن الناحية الاقتصادية، تبرز المادة 5 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كأداة رئيسية لضبط السوق ومنع المضاربة غير المشروعة، إذ تحظر كل ممارسة تؤدي إلى رفع الأسعار بطرق مصطنعة أو خلق ندرة مصطنعة، بما يشمل إعادة بيع التذاكر بأسعار خيالية .. الشيء الذي يوضح أن هذه الأفعال لا تمس المستهلكين وحدهم، بل تعطل آليات المنافسة الشريفة، وتزيد الفجوة بين القدرة الشرائية للمستهلكين وأرباح المضاربين، مما يستدعي تدخل السلطات الاقتصادية بشكل استباقي لإعادة التوازن وحماية السوق .
 
يمكن تصور مثال واقعي لتوضيح أثر المضاربة على السوق:
لنفترض جذلا أن تذكرة بسعر رسمي هو 500 درهم تباع في السوق السوداء بسعر 4500 درهم وتسوق على أنها أصلية . هذا الفعل يخرق بوضوح المادة الثالثة من القانون رقم 31.08 "حق المستهلك في منتج مطابق"، المادة الرابعة "حظر التضليل"، المادة الخامسة "الإفصاح عن السعر الحقيقي" من قانون حماية المستهلك، ويشكل مخالفة للمادة 5 من قانون حرية الأسعار والمنافسة لأنها تخلق ندرة مصطنعة وتزيد الأسعار بطرق غير مشروعة وهي كذلك صورة تجسد منطوق المادة السادسة باعتبارها ممارسات منافية لقواعد المنافسة .. المثال يوضح كيف أن المضاربة والاحتكار تؤثر على السوق ككل، وليس على المستهلك بشكل أحادي، ويبرز أهمية الرقابة القانونية المستمرة في هذا الباب حماية للاقتصاد الوطني .
 
إن هذه الأزمة السوسيو ـ اقتصادية تظهر أن معالجة السوق السوداء لا يمكن أن تتم عبر نص قانوني وحيد، بل تتطلب تكامل النصوص القانونية مع التطبيق صارم وتنزيل الجزاءات على المخالفين، إلى جانب فعالية الرقابة وتوعية جماهيرية مستمرة .. على اعتبار أن التوعية الجماهيرية تلعب دورا محوريا هاما في دعم القانون، إذ يمكن للمستهلك الواعي أن يقلل من فرص المضاربة، ويخلق سوقا أكثر عدلا وشفافية .
 
ومجمل القول؛ بأن أزمة السوق السوداء لتذاكر كأس أمم أفريقيا 2025 تكشف أن القانون المغربي يوفر قواعد قانونية واضحة لحماية المستهلك وضبط السوق، لكن نجاح هذه النصوص القانونية رهين بتصريفها واقعيا لتتبث فاعليتها، إلى جانب التنسيق بين الجهات الرقابية، وتعزيز وعي الجمهور .
 
فالتحدي اليوم يكمن في الجمع بين النصوص القانونية والرقابة الاقتصادية والممارسات التوعوية لتحقيق حماية فعلية للمستهلك، وصون نزاهة السوق، وضمان تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى ببلادنا وفق معايير العدالة الاقتصادية والمنافسة الشريفة والشفافية .
 
ياسيــن كحلـي /مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية