Thursday 6 November 2025

كتاب الرأي

محمد عطيف: المناورات الجزائرية لم تعد قادرة على حجب حقيقة نجاح المغرب في إقرار مبادرة الحكم الذاتي 

محمد عطيف: المناورات الجزائرية لم تعد قادرة على حجب حقيقة نجاح المغرب في إقرار مبادرة الحكم الذاتي  محمد عطيف
تشكل‭ ‬دعوة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بإدماج‭ ‬العائدين‭ ‬من‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬بالأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬لحظة‭ ‬وطنية‭ ‬بامتياز،‭ ‬عنوانها‭ ‬الوفاء‭ ‬والانتصار‭ ‬للوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمملكة‭ ‬المغربية؛‭ ‬فهؤلاء‭ ‬المواطنون‭ ‬الذين‭ ‬حرموا‭ ‬لسنوات‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقهم‭ ‬تحت‭ ‬وصاية‭ ‬نظام‭ ‬جزائري‭ ‬متسلّط،‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬الأم‭ ‬احتضانا‭ ‬أبويا‭ ‬صادقا‭ ‬يترجمه‭ ‬المغرب‭ ‬فعلا‭ ‬لا‭ ‬قولا‭. ‬لذا،‭ ‬فالمملكة،‭ ‬بقيادة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬،‭ ‬تعتبر‭ ‬كل‭ ‬عائد‭ ‬من‭ ‬تندوف‭ ‬ابنا‭ ‬للوطن،‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬لسائر‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬حقوق،‭ ‬وعليه‭ ‬ما‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬واجبات،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬دولة‭ ‬موحدة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التجزئة‭. ‬كذلك،‭ ‬إن‭ ‬إدماجهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬ضمن‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬خطوة‭ ‬إدارية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬عملي‭ ‬لمفهوم‭ ‬“الوطن‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم”،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الكرامة‭ ‬والمصالحة‭ ‬والوفاء‭ ‬ركائز‭ ‬ثابتة‭ ‬للسياسة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭.‬
وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬إن‭ ‬المغرب،‭ ‬بخبرته‭ ‬السياسية‭ ‬ونضجه‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬سيحوّل‭ ‬هذا‭ ‬الإدماج‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬ناجح‭ ‬للتنمية‭ ‬والتمكين‭ ‬الذاتي،‭ ‬يبرز‭ ‬تفوق‭ ‬المشروع‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬النزاعات‭ ‬عبر‭ ‬مقاربة‭ ‬إنسانية‭ ‬تنموية‭. ‬فالعائدون‭ ‬من‭ ‬تندوف‭ ‬سيشكلون‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الجهوي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬القرار‭ ‬المحلي،‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬المهيكلة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬سيؤكد‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬بالأمس‭ ‬ضحية‭ ‬دعاية‭ ‬الانفصال،‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الوطني،‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬ينتقم،‭ ‬بل‭ ‬يصالح‭ ‬ويحتضن‭ ‬أبناءه‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬غيابهم‭.‬
وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المناورات‭ ‬الجزائرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حجب‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬كرّسها‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬مبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬كمرجع‭ ‬أساسي‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬المفتعل‭ ‬حول‭ ‬الصحراء؛‭ ‬بحيث‭ ‬تبنى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬المغربي‭ ‬الواقعي،‭ ‬معبرا‭ ‬عن‭ ‬دعمه‭ ‬الواضح‭ ‬لجهود‭ ‬المملكة‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬دائم‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التوافق‭ ‬واحترام‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأممي‭ ‬يعد‭ ‬تتويجا‭ ‬لمسار‭ ‬دبلوماسي‭ ‬طويل‭ ‬قاده‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بحكمة‭ ‬ورؤية‭ ‬استراتيجية،‭ ‬رسخ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المغرب‭ ‬مكانته‭ ‬كقوة‭ ‬استقرار‭ ‬ومسؤولية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬أمّا‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬فوجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬سياسية‭ ‬خانقة‭ ‬بعدما‭ ‬انكشف‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬النزاع‭ ‬وتمويل‭ ‬كيان‭ ‬وهمي‭ ‬فقد‭ ‬كل‭ ‬شرعية‭ ‬وامتداد‭ ‬شعبي‭. ‬وهكذا،‭ ‬فإن‭ ‬نجاح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬مرجعا‭ ‬دوليا‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬للجزائر‭ ‬سوى‭ ‬التمسك‭ ‬بمواقف‭ ‬متجاوزة،‭ ‬تصطدم‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬بإجماع‭ ‬دولي‭ ‬متزايد‭ ‬حول‭ ‬مشروعية‭ ‬وعدالة‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭.‬
إن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المناورات‭ ‬الجزائرية‭ ‬يتطلب‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الحزم‭ ‬والتعبئة‭ ‬الوطنية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬عبر‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬نموذجا‭ ‬للرفاه‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬فكل‭ ‬استثمار،‭ ‬وكل‭ ‬مشروع،‭ ‬وكل‭ ‬انتخابات‭ ‬محلية‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬هي‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬لأوهام‭ ‬الانفصال‭ ‬وأدلة‭ ‬دامغة‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬الكاملة‭. ‬والمغرب،‭ ‬الواثق‭ ‬من‭ ‬حقه،‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬صحرائه،‭ ‬لأن‭ ‬التاريخ،‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬والشرعية،‭ ‬والولاء‭ ‬الشعبي،‭ ‬كلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد؛‭ ‬الصحراء‭ ‬مغربية‭ ‬وستظل‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬فالمناورات‭ ‬تزول،‭ ‬والحق‭ ‬يبقى،‭ ‬والمغرب‭ ‬ماض‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬مشروعه‭ ‬السيادي،‭ ‬بحكمة‭ ‬ملكه،‭ ‬ووحدة‭ ‬شعبه،‭ ‬وعدالة‭ ‬قضيته‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الانتصار‭ ‬للحق‭ ‬بالحكمة‭ ‬والرؤية‭ ‬والتبصر‭.‬
محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة