في أواخر شتنبر 2025 خرجت حركة شبابية لامركزية تُعرف باسم «جيل زد 212» إلى الشارع، وعمت المظاهرات مدنا عدة بعد دعوات متواصلة عبر منصة "ديسكورد". هذه الحركة ليست امتدادا للأحزاب أو النقابات أو مختلف الفاعلين التقليديين، بل نتاج تعبئة رقمية سريعة غزت الفضاء العمومي الرقمي بالمغرب.
إذ لم تكن شرارة الغضب مجرد تذييل إعلامي، بل تراكمت سلسلة إخفاقات في الخدمات العامة، وهناك من ربط الاحتجاجات بغضب بعد حالات وفاة مرتبطة بنقص الرعاية الصحية، خاصة شريط فيديو لوزير الصحة يدعو فيه المواطنين للتظاهر بالرباط إن لم يستحسنوا الخدمات المتوفرة، ما منح الحراك طابعا أخلاقيا وموضوعيا ورمزيا في آن واحد. هذه المأساة حولت استياء متناثر إلى غضب جماعي قابل للقياس.
لفهم هذا الحراك يجب الجمع بين تفسيرين مكملين: تفسير موضوعي (ظروف مادية واجتماعية) وتفسير تنظيمي-ثقافي (كيف جُهزت الموارد وصيغت اللغة التي اجتذبت الجماهير). من منظور بنية "الفرص السياسية"، فالحراك استغل ظرفا محفوفا بضعف شرعية النخبة (الحزبية) لدى الشباب الجديد الغاضب: هي القدرة على تحميل مسؤولية تدهور الخدمات العامة إلى سياسات حكومية واضحة، ووجود انتفاضة رمزية متمثلة في الوفاة نتيجة "إهمال" صحي، خلق «نافذة الفرصة» للتعبير الجماهيري. حين تصبح الفجوة بين توقعات المواطنين وأداء الدولة واضحة ومؤلمة، يزداد احتمال تحول الاحتجاجات من تذمر إلى نشاط جماعي.
لكن وجود الفرصة وحده لا يفسر سرعة الانتشار، هنا تبرز نظرية تعبئة الموارد بصورة مركزية: الموارد الأساسية في حالة «جيل زد 212» كانت رقمية (شبكات ديسكورد كآلية للتعبئة، وشبكات تيك توك، إنستغرام وسائل للترويج) التي سمحت بنشر الدعوات والتنظيم دون بنية هرمية أو قيادة مركزية. هذه الموارد الشكلية (قنوات اتصال، قدرة على إنتاج محتوى جذاب، وتنسيق سريع) مكنت الشباب من تحويل الاستياء المباشر إلى حركة واسعة خلال أيام. النمو السريع في عضويات ديسكورد مثال واضح على ذلك.
تتجلى نظرية التأطير في اختار كثيرين من منظمي الحراك خطابا مزدوجا يجمع بين مطالب اجتماعية ملموسة (صحة، تعليم، شغل) ولغة وطنية مهادنة (التأكيد على حب الوطن والرموز الوطنية). هذا التأطير الذكي خفض من قدرة الخصوم على توصيف الحراك بالـ"الخيانة" أو محاولات انقلابية، ووسع من قاعدة التعاطف بين طبقات اجتماعية مختلفة. في حالات كثيرة، نجاح الحركة يعتمد على قدرتها على صوغ سرد يربط التجربة اليومية للناس بمطالب قابلة للفهم ومقبولة أخلاقيا.
كما لا يمكن تجاهل عنصر الهوية الجيلية، حيث أن حركات "الجيل الجديد" لا تطالب فقط بتحسين الخدمات بل تطالب بحق في جودة الحياة والكرامة والمستقبل. هذا بعد ثقافي سيجعل مطالب الحراك متعددة الأوجه، ويصعب حلها بإجراءات تقنية بحتة. فعندما يقترن استياء اقتصادي واجتماعي بهوية جيلية متميزة، يصبح الحراك أقل قابلية للامتصاص عبر سياسات ترقيعية بسيطة.
وفي الأخير إن احتجاجات جيل زد 212 ليست انفجارا عاطفيا معزولا، بل نتيجة لتقاطع ثلاثة عوامل: سوء شروط الخدمات العامة، نافذة فرصة سياسية تحفز التعبئة، وموارد رقمية تسمح بالانتشار السريع، مع تأطير يقلل من عزلانية الحركة أمام الجمهور. هذا المزيج هو ما يفسر سرعة ظهورها، اتساعها، وصعوبة احتوائها بالوسائل التقليدية فقط.
عمر صبار
رئيس المركز المغربي للدراسات والعلوم الاجتماعية
رئيس المركز المغربي للدراسات والعلوم الاجتماعية