Monday 29 September 2025
كتاب الرأي

لعروسي: رقصة على حافة الهاوية.. سناب باك الإيراني وأذرع الأخطبوط في الشرق والمغرب العربي

لعروسي: رقصة على حافة الهاوية.. سناب باك الإيراني وأذرع الأخطبوط في الشرق والمغرب العربي زكية لعروسي
إيران اليوم ليست مجرد دولة تواجه عقوبات، بل أخطبوط يمتد بأذرعه في كل زاوية من الشرق العربي والمغرب العربي، يرسل مجساته السياسية والإقتصادية والاستخباراتية، ويوازن بين القوة العسكرية، النفوذ السياسي، والشبكات الاجتماعية. إعادة تفعيل آلية سناب باك وعودة العقوبات الأممية الثقيلة ليست تصعيدا تقنيا فحسب، بل محاولة للسيطرة على هذه الشبكة المتشابكة من النفوذ والتهديدات، حيث يمثل الملف النووي رأس هذا الأخطبوط، في حين تمتد أذرعه لتبسط سيطرتها الرمزية والمادية على المنطقة.

على المستوى الدولي، إيران تتقن فن التوازن المزدوج: تظهر صلابة في وجه الغرب، وتستثمر الانقسامات بين واشنطن وأوروبا وروسيا والصين لتوسيع هامش المناورة. الولايات المتحدة تمارس أقصى درجات الضغط، مطالبة إيران بالتخلي عن جزء كبير من مكتسباتها النووية مقابل رفع مؤقت للعقوبات، بينما تغض الطرف عن الضربات الإسرائيلية على منشآتها، ما يمنح إيران حججا لتقديم نفسها كضحية للضغوط الدولية. 
 
أوروبا، من جانبها، عالقة بين التفاوض وفرض العقوبات، ما يجعلها تبدو تابعًا أكثر من كونها وسيطا مستقلا. لكن القوة الإيرانية الحقيقية تتجلى في أذرعها الإقليمية. العراق وسوريا ولبنان واليمن لم يكونوا ساحات عابرة، بل كانت قواعد ثابتة لتمديد نفوذ هذا الأخطبوط: ميليشيات، شبكات سياسية وإقتصادية، إستخباراتية، وحتى مجتمعية، تتحرك بتنسيق مركزي من طهران. واليوم، تمتد هذه الأذرع إلى المغرب العربي، حيث تراقب طهران الأوضاع السياسية والاجتماعية بدقة، مستغلة الصراعات الداخلية والهشاشة السياسية، لتزرع نفوذها تدريجيا، وتهيئ الأرضية لأي توسع مستقبلي.
 
التاريخ يلعب دورا إستراتيجيا محوريا. إيران تعتبر نفسها وريثة الإمبراطورية الفارسية التي إصطدمت بالعالم العربي، وتسعى لإعادة إنتاج نفوذها التاريخي بثوب معاصر، عبر أدوات سياسية، إقتصادية، وعسكرية متشابكة. النووي الإيراني، هنا، ليس مجرد برنامج تقني، بل ورقة إستراتيجية تستخدمها طهران لتعزيز أوراقها في ساحات عربية متصدعة، وتحويل المخاطر إلى أوراق ضغط على اللاعبين الإقليميين والدوليين.
 
في المغرب العربي، تتحرك إيران بحذر لكنها بثبات، تبحث عن موطئ قدم عبر شبكات سياسية وأحيانًا اقتصادية، مستفيدة من هشاشة الأنظمة أو الانقسامات الداخلية. الهدف ليس مجرد النفوذ، بل زرع عناصر تأثير متشابكة تمكنها من فرض خطابها أو ضمان مصالحها في أي تسوية إقليمية مستقبلية. النووي هنا يصبح بطاقة إستراتيجية إضافية، تجعل أي محاولة لتقييد نفوذها مكلفة ومعقدة.

ما يجعل إيران أخطبوطا استراتيجيا هو قدرتها على توزيع أذرعها بحيث تجعل أي رد فعل مباشر مكلفا. بين الخراب الذي خلفته في العراق وسوريا واليمن، والتمدد الحذر نحو المغرب العربي، وبين الحفاظ على البرنامج النووي والضغط على الغرب، تبدو إيران كقوة إقليمية توازن بين الانتقام من الماضي وفرض النفوذ في الحاضر، مع سعي دائم لإعادة رسم خرائط القوة التاريخية بطريقة معاصرة.
 
الواقع أن الأزمة اليوم ليست فقط في اليورانيوم أو أجهزة الطرد المركزي، بل في شبكة النفوذ الإيرانية الممتدة والمتشابكة، التي تعيد إنتاج صراعات تاريخية تحت ستار سياسات معاصرة. الغرب لم ينجح في كسر إرادة إيران، وإيران لم تحصل على إعتراف كامل بها كقوة طبيعية في محيطها. وبين الماضي الذي يطارد الحاضر والمستقبل المعلق على حافة الهاوية، يبقى النووي الإيراني وأذرعها الإقليمية عنوانا لصراع حضاري وجيوسياسي متعدد الطبقات، حيث شبكة سناب باك الدولية لم تقدم حلا، بل ساهمت في صناعة مأزق عالمي وإقليمي جديد يجعل الشرق العربي والمغرب العربي قلب هذه اللعبة الاستراتيجية المعقدة.