الأربعاء 2 إبريل 2025
كتاب الرأي

ميمونة الحاج داهي: قراءة في دلالات صلاة العيد بالمغرب

ميمونة الحاج داهي: قراءة في دلالات صلاة العيد بالمغرب ميمونة الحاج داهي
صلاة العيد بالمغرب هالة الإمامة وتجذر العرش مشهد تتجلى فيه الشرعية والوحدة..تجتمع الرمزية الدينية والشرعية السياسية، في مشهد تأدية الملك محمد السادس لصلاة عيد الفطر رفقة ولي عهده و شقيقه الأمير والأمراء وكبار مسؤولي الدولة، في لحظة تحمل دلالات عميقة تتجاوز البعد الروحاني إلى مستويات أعمق تتعلق بالشرعية والاستمرارية والاستقرار. إن وجود العاهل المغربي في مقدمة المصلين ليس مجرد أداء لشعيرة دينية، هو تأكيد على دوره التاريخي كأمير للمؤمنين، وهو اللقب الذي يحمل في طياته امتدادًا لمؤسسة إمامة عظمى شكلت عبر قرون إطارًا للحكم والمشروعية في المغرب، مما يمنح هذا المشهد بعدًا مؤسساتيًا ممتدًا في الزمان والمكان.
هذه اللحظة تعكس طبيعة النظام المغربي القائم على التلاحم بين العرش والشعب، حيث لا ينحصر دور الملك في المجال السياسي، بل يمتد إلى الروحاني باعتباره حامي الدين وضامن وحدة المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية. فالمسألة هنا تجاوزت الإرتباط الرمزي بالدين، إلى امتداد التقاليد التاريخية التي تضمن وحدة الأمة وتماسكها، حيث تجتمع السلطة الروحية بالسلطة السياسية في صيغة متوازنة تعكس تفرد النموذج المغربي.
إن حضور ولي العهد إلى جانب الملك يضفي بعدًا استمراريًا، إذ تترسخ فكرة انتقال الشرعية في سياق مؤسساتي سلس يحفظ استقرار الدولة. فولي العهد، في هذا الإطار، لم يعد مجرد فرد من الأسرة الملكية، بل هو رمز للمستقبل، يُهيّأ منذ الآن لاستيعاب تقاليد الحكم وأدواره الدينية والسياسية، مما يعكس نهجًا واضحًا في تكريس استمرارية الدولة عبر التحضير المسبق للقيادة المستقبلية.
وجود الوزراء وكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين إلى جانب الملك في هذه المناسبة يكرّس ارتباط الدولة بالدين في إطار من الانسجام بين السلطة السياسية والتوجيه الديني. فلا يُنظر إلى الدين بوصفه مجرد ممارسة فردية، بل كإطار جامع يحفظ وحدة الأمة، ويؤطر سلوك الحكّام والمحكومين على السواء. فالوزراء، بصفتهم المكلفين بتدبير الشأن العام، يعبّرون في حضورهم عن التزام الدولة بالقيم الدينية في تسيير أمور البلاد، فيما يعكس وجود الضباط السامين الدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في حماية الشرعية القائمة على إمارة المؤمنين. هذا البعد يجعل الجيش المغربي مختلفًا عن كثير من الجيوش في المنطقة، التي ظلت بعيدة عن أي إطار ديني واضح، مما جعل علاقتها بالحكم دائمًا محط تجاذبات واضطرابات. في المغرب، الجيش إضافة إلى كونه أداة لحفظ الأمن، هو كذلك جزء من منظومة متكاملة تحمي الشرعية الدينية والسياسية في آن واحد، مما يعزز استقرار الدولة ويمنحها قوة داخلية صلبة.
صلاة عيد الفطر في المغرب بحضور الملك وولي العهد والأمراء والوزراء والضباط السامون والعلماء والأئمة ومختلف شرائح الشعب تبعث رسالة واضحة للداخل كما للخارج. في الداخل، هي تأكيد على أن المغرب دولة ذات عمق تاريخي وروحي، لا تُختزل في أبعادها السياسية فقط، بل تتأسس على مشروعية دينية متجذرة تجعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم تتجاوز المنطق الدستوري إلى مستوى عقد ديني وتاريخي متين. هذا العمق الديني يمنح النظام السياسي المغربي قدرة على امتصاص الأزمات الداخلية، حيث لا يكون الولاء للدولة مبنيًا فقط على أسس قانونية بحتة، بل يمتد إلى أسس روحية واجتماعية مترسخة. أما في الخارج، فهي تذكير بأن الاستقرار في المغرب ليس صدفة، بل هو نتاج نموذج سياسي وديني متكامل، حيث لا تتعارض الحداثة مع الأصالة، ولا تفصل الدولة بين هويتها الروحية والتزاماتها المؤسساتية. إن صلاة العيد في هذا السياق ليست مجرد طقس ديني، بل هي تجسيد عملي لفلسفة حكم جعلت من المغرب نموذجًا فريدًا في التوازن بين الدين والسياسة، وبين الشرعية التاريخية ومتطلبات العصر الحديث، وهو ما يضعه في موقع استثنائي ضمن محيطه الإقليمي، حيث تتباين التجارب وتختلف مقاربات الحكم بين الدول.