سوف تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ضعيفة حسب الأمين العام لحزب الاستقلال. يتفق أغلب متتبعي الشأن السياسي ببلادنا على أن المشاركة في استحقاقات 2026 سوف تؤكد المسار التراجعي للثقة في مؤسسات يحسم فيها من يمتلك القدرات لضمان أكبر حصة من أصوات عددها يتدنى انتخابات إلى أخرى. ولهذا الأمر ارتباط وثيق بتدني أخلاق كثير من المنتخبين وحمايتهم من طرف أحزابهم، بالإضافة إلى ضعف تنزيل الوعود الانتخابية. نطق نزار بركة بعبارة كانت أصدق ما قاله خلال برنامج على القناة الأولى يوم الثلاثاء 18 مارس. قال إن ما يخيفه ويشغل باله خلال الانتخابات المقبلة هو ضعف المشاركة. وربط هذه الأخيرة بمنسوب الثقة في المؤسسات الذي يتراجع بقوة. حاول أن يبرر هذا التخوف بالصعوبات التي يواجهها المواطن رغم العمل المتواصل للحكومة وما تنهجه من سياسات. ولكنه لم يتبع نفس المنهجية حين انتقل النقاش إلى ملف محاربة الفساد. رفع شعار الأخلاقيات ومواثيقها التي لا تجدي نفعًا أمام تغول مظاهر الاغتناء السريع وغير المشروع للكثير من المسؤولين وبعض علية القوم. حرص دستور المملكة على مبادئ وحقوق للمواطنين في مجال المحاسبة، ولكن الحكومة وأغلبيتها تجاهد من أجل تضييق الخناق على حق المجتمع المدني في الترافع في قضايا الفساد ومن ضمنها "الجمعيات الفاسدة" حسب وزير العدل. يريدون امتيازًا قضائيًا للمسؤولين وتغييب الرقابة الحقيقية لفضح الفساد. وهنا يجب أن يتميز حزب الاستقلال بتاريخه ويختار صف المناضلين من أجل حماية المواطنين من أخطبوط الفساد. وسيعتبر كل تصويت من أجل سد الطريق على المجتمع المدني في قانون المسطرة الجنائية مخالفًا لمبادئ هذا الحزب التاريخي والوطني. يؤكد وزير العدل على الأدوار التي يمكن أن يؤديها المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية ومفتشيات الوزارات وهو لا يعرف أن القانون المنظم لهذه المؤسسات يحدد أدوارها في الافتحاص والمراقبة وشيء من تقييم السياسات العمومية. قد تسفر تقارير هذه المؤسسات عن ضبط مخالفات تتعلق بعدم التقيد بمقتضيات قانونية في مجال الصفقات العمومية أو في مجالات التدبير بصفة عامة، وقد تسفر كذلك، من خلال المراقبة الميدانية، عن كشف مخالفات تتعلق بكميات الأشغال في مجال البنيات الأساسية أو بسوء تتبع مراحل التنفيذ وعدم التقيد ببنود عقود التنفيذ. ولا يمكن لهذه المؤسسات أن تتبع حسابات الشركات المنفذة للمشاريع لضبط حركتها من أجل فحص بعض التحويلات لفائدة أحد المسؤولين على سبيل المثال. ولا يمكن لهذه المؤسسات أن تتبع تراكم ثروات المسؤولين المشكوك في سبل تكوينها. كما لا يمكنها، بحكم القانون، أن تبحث في عمليات قد تتعلق بشراء أصوات خلال الانتخابات أو ببيع تزكيات أو الاستيلاء على عقارات أو تبييض أموال. كما أنها غير مؤهلة ولا ذات حق في تكييف المخالفات قانونيًا. ولكل هذا يشكل المجتمع المدني، الذي يجب أن تخضع جمعياته وكل ملفاته والذمة المالية لمسؤوليه للمراقبة، أحد الأعمدة لحماية الوطن من المفسدين بحكم الدستور. يجد الإنسان نفسه في حيرة أمام ما يسمعه من كلام "المسؤولين السياسيين" وخصوصًا من يوجدون في مراكز القرار وطنيًا ومحليًا. كثرت خرجات مكونات الأغلبية لتسجيل سبق في نعت المتسببين في غلاء الأسعار "بالمضاربين والسماسرة". وصل مستوى حدة تأثير "خطابهم" المناسباتي" إلى شحن الكثير من المواطنين والتسبب، بطريقة غير مباشرة، في الهجوم على تجار الخضر والفواكه في بعض الأسواق الأسبوعية وإلحاق الأذى بأرزاقهم. لا زالت كلمة رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، حول "إعادة الترابي" للمغاربة راسخة في الأذهان. ويذكرنا هذا الكلام بالمارشال ليوطي حين وصف استعمار المغرب بأنه "مهمة لإدخال الحضارة" إلى بلادنا". ويجدر بكافة زعماء الأحزاب أن يعيدوا ترتيب مؤسساتهم قبل أن يعيدوا "الترابي" لمن ينتظر تحقيق وعود انتخابية قدمت له منذ سنة 2021. يعيش المواطن وسط جعجعة سياسية دون طحين. قدمت له وعود بالأطنان في مجالات القدرة الشرائية وخلق مليون منصب شغل وسكن ومدرسة ومستشفى للعلاج. لاحظ هذا المواطن أن أطنان الوعود فقدت، منذ انتخابات 2021، وزنها المفترض مع مرور الوقت. تغلغل الغلاء في الأسواق وزادت نسبة البطالة وأصبح الولوج إلى العلاجات في القطاع العام صعب المنال رغم تعميم التغطية الصحية. تزايد عدد حالات المسؤولين المحالين على القضاء بأسباب شبهات اقتراف أفعال تتعلق بالفساد والرشوة، ولا زال المواطن يشتكي من تصرفات تعرقل حصوله على خدمات عدة مرافق عمومية. يزداد إيقاع الاستثمار في البنيات الأساسية في مجال النقل والتنقل وتخزين المياه ولكن أثرها المباشر على عيش المواطن العادي غير ملموس. قد تكون لها آثار اقتصادية على المدى المتوسط والطويل إذا تمت برمجتها وإنجازها بحكامة تدبيرية جيدة؛ لكنها لا تؤثر بطريقة مباشرة وفعالة على المواطن وخصوصًا على الطبقات الاجتماعية التي تعيش في وضعية هشاشة هيكلية. يوجد المغرب في بداية مرحلة تحتاج إلى عزم سياسي لتحصين كل مؤسساته ضد هشاشة لم تعد تحتاج إلى دراسات وأبحاث لتأكيد افتقادها لثقة المواطن. وقد أكد الأمين العام لحزب الاستقلال على أن طريق الإصلاح يتطلب أشواطًا إضافية لتحقيق الوعود الانتخابية وما جاء في البرنامج الحكومي. ولكن الواقع لا يرتفع والمشهد الحالي لا يطمئن. قد يزيد حجم الاستثمار وقد تزيد المنح والهدايا الضريبية والعقارية للمستثمرين ولكن غياب التتبع وتقييم كل المشاريع المستفيدة من كافة التحفيزات، يبطل كل أمل في الوصول إلى هدف مليون منصب شغل. ويبدو هذا الهدف "الانتخابي" بعيد المنال.
وستظل مستويات البطالة، حسب تقرير صندوق النقد الدولي ليوم 18 مارس الأخير، بعد مهمة المراجعة الدورية في إطار البند السابع، في مستواها الحالي إلى غاية سنة 2030. وستتراوح معدلاتها بين 12.9% سنة 2026 و11.8% سنة 2030.