الاثنين 17 مارس 2025
اقتصاد

إلى متى يُترك الفقراء في دوامة الحاجة إلى قفة رمضان؟ الجواب على لسان عائشة العلوي

إلى متى يُترك الفقراء في دوامة الحاجة إلى قفة رمضان؟ الجواب على لسان عائشة العلوي د. عائشة العلوي، خبيرة اقتصادية
على هامش توزيع قفة شهر رمضان يتجدد التساؤل حول تفاقم ظاهرة الفقر في المغرب. لماذا، رغم مرور 60 عامًا، لم يتمكن المغرب من تحقيق الكرامة للفقراء من خلال توفير دخل قار وفرص شغل دائمة، بدلًا من تقديم مساعدات عينية مؤقتة؟
وفقًا لأرقام حديثة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن أكثر من 4 ملايين مغربي مهددون بالفقر. وأبرز تقرير للمندوبية حول نتائج البحث الوطني بشأن مستوى معيشة الأسر، أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة الاقتصادية بلغ حوالي 4.75 مليون شخص في عام 2023.
وتُعرّف المندوبية "الهشاشة الاقتصادية" على أنها مدى تعرض الأسر لخطر الفقر في حال غياب شبكات الأمان، بما في ذلك البرامج الحكومية للدعم وخلق فرص العمل.
فهل يعود هذا الوضع إلى السياسات العمومية والاجتماعية في المغرب، أم أنه مرتبط بطريقة توزيع الثروة، أم بعوامل أخرى؟ 
 "
أنفاس بريس" فتحت النقاش مع د. عائشة العلوي، خبيرة اقتصادية - أستاذة جامعية، وجاءت أجوبتها كالتالي:
 
 
"القفة في الثقافة المغربية هي من العادات الأصيلة المرتبطة بفعل الزيارة وتقديم الدعم خلال المناسبات الدينية والاجتماعية. تشتمل هذه الممارسة جميع الأسر، حيث يتم توزيع القفة والمساعدات الغذائية خلال شهر رمضان والمناسبات الأخرى كوسيلة للتعبير عن التضامن والتكافل الاجتماعي. هذه العادة ليست مجرد إجراء اجتماعي، بل هي أيضا جزء من المنظومة القيمية والدينية في المجتمع المغربي، حيث يشجع الدين الإسلامي على التكافل والتضامن مع الفئات الفقيرة من خلال الزكاة، الصدقات، والأوقاف. 
 
ورغم أهمية هذه الممارسات في التخفيف من معاناة الفئات الهشة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية، فإنها تظل حلاً ظرفياً لا يغني عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المستدامة التي تهدف إلى تقليص الفوارق والحد من الفقر البنيوي. فالاقتصاد العادل لا يُبنى على المساعدات المؤقتة، بل على إصلاحات هيكلية تقلّص الفجوات الاجتماعية وتوفر فرص عمل تحفظ الكرامة. المطلوب اليوم ليس مجرد تخفيف آثار الفقر، بل العمل على معالجة أسبابه الجذرية من خلال سياسات تنموية عادلة ومستدامة تضمن اندماج الجميع في الدورة الاقتصادية وتعزز الاستقلالية الاقتصادية للأفراد والمجتمع.
 
رغم التحولات التي شهدها المغرب، لا تزال بنيته الاقتصادية تعاني من الهشاشة البنيوية والتبعية للخارج، مما يساهم في إعادة إنتاج الفقر والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي. فرغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد والانتقال إلى نموذج أكثر تصنيعًا، لا يزال المغرب يعتمد بشكل كبير على قطاعات "تقليدية" مثل الفلاحة، الفوسفاط، والسياحة، وهي قطاعات تتأثر بسهولة بالتقلبات الخارجية، سواء كانت مناخية أو اقتصادية أو مرتبطة بتغيرات الأسواق الدولية. هذا الوضع يجعل البلاد عُرضة للصدمات الاقتصادية ويحدّ من قدرتها على خلق فرص عمل مستدامة تضمن كرامة المواطنين.
 
إضافة إلى ذلك، يعد اقتصاد الريع أحد العوامل الرئيسية التي تعيق تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يساهم في تمركز الثروة في أيدي قلة من المستفيدين من الامتيازات الاقتصادية، مقابل حرمان فئات واسعة من الفرص التنموية. هذا الوضع يؤدي إلى تعميق الفوارق الاجتماعية، إذ تستمر بعض الفئات في الاستفادة من ثروات البلاد دون مساهمة إنتاجية حقيقية، بينما يُترك الفقراء في دوامة الحاجة إلى الدعم الاجتماعي المستمر. كما تعاني المنظومة الجبائية المغربية من اختلالات كبيرة في توزيع العبء الضريبي، حيث يتحمل الأجراء والمستهلكون النصيب الأكبر من الضرائب، في حين تستفيد بعض القطاعات الريعية والشركات الكبرى من إعفاءات ضريبية واسعة. هذا التفاوت يحدّ من قدرة الدولة على تمويل برامج اجتماعية تنموية تخلق فرص عمل وتوفر حماية اجتماعية حقيقية للفئات الهشة، مما يكرّس منطق المساعدات المؤقتة بدل بناء سياسات مستدامة.
 
إلى جانب ذلك، يشكل اقتصاد الظل نسبة كبيرةم من الاقتصاد المغربي، حيث يعمل ملايين المغاربة في وظائف غير مضمونة وبدون حماية اجتماعية أو تقاعد، مما يجعلهم أكثر عرضة للفقر في أي أزمة اقتصادية أو صحية. كما أن سوق العمل يعاني من ضعف قدرة القطاعات الحديثة على استيعاب الخريجين، مما يدفع الشباب إلى الهجرة أو العمل في ظروف غير مستقرة. من الضروري الاعتراف بأن النمط الاقتصادي السائد في المغرب يؤدي إلى تفاوتات بنيوية، حيث إن النمو الاقتصادي لا ينعكس بالضرورة على تحسين الظروف المعيشية لكل الفئات، بل يتركز في قطاعات معينة وعلى فئات محددة. لذا، فالمشكلة ليست فقط في غياب المساعدات، بل في كيفية إعادة هيكلة الاقتصاد ليكون أكثر إنصافًا وعدالة.
 
لذا، ينبغي التركيز على إصلاحات هيكلية تشمل إصلاح النظام الاقتصادي لجعله أكثر إنتاجية وشمولية، مع التركيز على دعم القطاعات التي تخلق فرص عمل دائمة. كما يتطلب الأمر مكافحة اقتصاد الريع وإرساء قواعد المنافسة العادلة لتحقيق توزيع أفضل للثروة، وتعزيز التصنيع والتكنولوجيا لتقليل التبعية الاقتصادية للخارج، وإصلاح النظام الضريبي لضمان توزيع عادل للثروة وزيادة تمويل البرامج الاجتماعية، وخلق سياسات تشغيل عادلة تحدّ من توسع اقتصاد الظل وتوفر الحماية الاجتماعية للعاملين. وهذا لا يتأتى إلا بدور فاعل وقوي للدولة عبر مختلف مؤسساتها التشريعية والتنفيذية.
 
من هذا المنظور، فإن توفير دخل قار للأسر قد يحمل عدة سلبيات، حيث إنه قد يؤدي إلى خلق "ريع اجتماعي" يكرّس الاتكالية بدل نمط اجتماعي قائم على الكرامة والمساواة. بالمقابل، يمكن توجيه المساعدات المالية نحو دعم الشباب خلال مراحلهم التعليمية والبحث عن العمل، وتعزيز البنية الاجتماعية بما يضمن مجانية التعليم والصحة والسكن للجميع. فكل فرد يمكن أن يكون له دور منتج في المجتمع، سواء كان في العمل الرسمي أو غير الرسمي، مثل ربة البيت أو الحاضنة للأطفال في وضعية إعاقة وغيرهم. المهم هو بناء اقتصاد ومجتمع يضمن لكل فرد مكانًا في دورة الإنتاج والعيش بكرامة، أي تحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لكل فرد في المجتمع، وهو ما يشكل أساس الدولة الاجتماعية".