الأربعاء 2 إبريل 2025
سياسة

الصادق العثماني: الدروس الحسنية ومساهمتها في بلورة مفهوم الإصلاح الديني لدى الملك محمد السادس

الصادق العثماني: الدروس الحسنية ومساهمتها في بلورة مفهوم الإصلاح الديني لدى الملك محمد السادس الملك محمد السادس
جلالة الملك محمد السادس، ومنذ أن كان طفلا ثم شابا ثم وليا للعهد، ثم ملكا حاضرا ومشرفا على هذه الدروس، اكتسب من خلالها عمقًا فكريًا ودينيًا سمح له بفهم الدين الإسلامي من منظور معتدل وشامل، ما انعكس على نهجه في الإصلاح والتوجيه، ولهذا منذ توليه العرش في عام 1999، أطلق عدة مبادرات إصلاحية في المجال الديني تهدف إلى تحديث الخطاب الديني في المغرب وتعزيز الوسطية والاعتدال، بما يواكب التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها المملكة. يهدف الإصلاح الديني تحت قيادته إلى مواجهة تحديات التطرف، وتعزيز قيم التسامح، ودمج الدين وقيمه النبيلة في الحياة العامة بطريقة تساهم في استقرار البلاد وتنميتها.
 
أبرز إصلاحات جلالة الملك محمد السادس في المجال الديني
- إصلاح الحقل الديني: في بداية عهده، أطلق جلالة الملك محمد السادس مشروعًا إصلاحيًا يهدف إلى تعزيز إشراف الدولة على الشأن الديني، وضبط تدبير المساجد، ومراقبة وتوجيه الأنشطة الدينية، ولهذا تم إنشاء المجلس العلمي الأعلى الذي يشرف على الأعمال الدينية ويعمل على تأهيل الأئمة وتوجيههم بما يتناسب مع التوجهات الدينية المعتدلة والخصوصيات الثقافية للمملكة المغربية. 
 
- اصلاح التعليم الديني: إصلاح نظام التعليم الديني كان جزءًا أساسيًا من خطة الإصلاحات، ومن أجل ذلك تم إحداث الجامعات الإسلامية والمعاهد العليا لتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين، وذلك لتأهيلهم بشكل يتماشى مع متطلبات العصر ويعزز من فهم الدين بشكل صحيح ومتوازن، وتم أيضًا تحديث البرامج الدراسية في المدارس القرآنية والمعاهد العلمية لتشمل علومًا دينية بالإضافة إلى مواد حديثة تواكب العصر، مثل العلوم الاجتماعية والإنسانية.
 
- اصلاح الأوقاف والشؤون الإسلامية: أطلق الملك محمد السادس إصلاحات كبيرة في مجال الأوقاف الإسلامية في المغرب، بهدف تفعيل دورها في تمويل الأنشطة الدينية والاجتماعية. فقد تم إنشاء مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية، وهي مؤسسة تعنى بتحقيق التوازن بين تدبير الأوقاف وتوجيه الأموال لتطوير المشاريع الاجتماعية.  
 
- المساجد والوعظ والإرشاد: الملك محمد السادس أولى اهتمامًا خاصًا لتأهيل الأئمة والخطباء، وأصدر أوامر لتوفير تكوين مستمر لهم في مجالات مختلفة مثل التربية الدينية، التفسير، الفقه، وأيضًا القضايا المعاصرة مثل التطرف والإرهاب، كما تم توجيه الأئمة للخروج عن الخطاب التقليدي الضيق، مع التركيز على تعليم الدين بأسلوب سهل وعصري يتماشى مع متطلبات العصر، مع التشديد على أن الإسلام دين تسامح وتعايش.
 
- الدروس الحسنية الرمضانية: 
كما ذكرنا، تعتبر الدروس الحسنية الرمضانية أحد أبرز المبادرات التجديدية والإصلاحية في الحقل الديني المغربي التي يشرف عليها جلالة الملك محمد السادس بنفسه، من خلال هذه الدروس، يتم استضافة علماء وفقهاء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لعرض وتفسير القضايا الدينية المعاصرة، ولتقديم نموذج من الإسلام المعتدل الذي يرفض العنف والتطرف.
 
- التصدي للتطرف والإرهاب: من خلال الإصلاحات الدينية، يسعى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى التصدي لظاهرة التطرف والإرهاب التي تستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية. يتم ذلك من خلال نشر ثقافة الاعتدال، وتعزيز الفهم الصحيح للإسلام، والتأكيد على أن الإسلام لا يبرر العنف أو القتل باسم الدين،  بالإضافة إلى ذلك، تولي الدولة أهمية خاصة لمراقبة وتوجيه الأنشطة الدينية على الإنترنت ووسائل الإعلام، من خلال إنشاء هيئات لمكافحة الفكر المتطرف، وغير ذلك من المؤسسات التي تهتم بمحارة الفكر الديني المتطرف والعنيف .
 
- التعايش الديني: أطلق الملك محمد السادس أيضًا دعوات لتشجيع التعايش بين مختلف الأديان في المغرب. من خلال هذه المبادرات، يبرز المغرب كداعم للسلام بين الأديان ومناصر للحوار بين الثقافات، وفي هذا السياق، تم العمل على تعزيز العلاقات بين الإسلام والمسيحية واليهودية في البلاد. 
 
نتائج الإصلاح الديني لجلالة الملك محمد السادس في المغرب
- تعزيز الوسطية والاعتدال: تمكن المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من تبني خطاب ديني معتدل، يقوم على التسامح والاعتدال، ويرفض الأفكار المتطرفة.
 
- تقوية المؤسسات الدينية: ساعد الإصلاح الديني في تعزيز المؤسسات الدينية في المغرب، مثل المساجد، المعاهد العلمية، والمجالس العلمية، مما ساهم في تطوير مستوى الوعي الديني.
 
- حماية المجتمع من التطرف: لعبت الإصلاحات الدينية دورًا كبيرًا في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة، من خلال تحديث الخطاب الديني، وتوجيه الأئمة والمرشدين ، وإصلاح التعليم الديني.
 
- حماية الأقليات الدينية: المملكة المغربية لها تاريخ طويل ومميز في تعزيز التعايش السلمي بين الأديان والانفتاح على الحوار الثقافي والديني؛ فالمغرب وعبر تاريخه الطويل تميز بتعددية دينية تعود إلى قرون، حيث عاش المسلمون واليهود والمسيحيون في سلام واحترام متبادل، فعلى مر التاريخ، احتضن المغرب الجاليات اليهودية منذ العصور القديمة، وكان ملاذًا آمنًا لهم خلال فترات الاضطهاد.
 
- الدين في حماية الشعب: قلنا بأن الدروس الحسنية الرمضانية قد ساهمت بقوة في تشكيل الوعي الديني والفهم المقاصدي للإسلام لدى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى ؛ بحيث هذا الفهم وهذه الرؤية المقاصدية للإسلام جعلت جلالته ينظر بعمق وبشمولية مع التركيز على تحقيق المصلحة العامة لشعبه في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، ولهذا أصدر جلالته يوم أمس بلاغه السامي يهيب بالمغاربة عدم القيام بشعيرة عيد الأضحى هذه السنة نظرا للتحديات القائمة. ومما جاء في الرسالة الملكية السامية "ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة. وسنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: "هذا لنفسي وهذا عن أمتي". في هذه الرسالة الملكية السامية يظهر جزءًا من هذا الفهم المقاصدي لجلالته، حيث يرتبط بالحرص على سلامة المجتمع وأمنه الغذائي والروحي والصحي، خاصة في ظل الأزمات الصحية والتقلبات المناخية كالجفاف ونحوة، في مثل هذه الحالات، يعكس ضرورة مراعاة المصلحة العامة وحماية الشعب من الأضرار التي قد تلحق بهم بسبب غلاء أضحية العيد أو قلتها، وهو ما يتماشى مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية التي تسعى إلى الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال، فالرسالة الملكية السامية كذلك تعكس فهماً مرنًا للإسلام يساير الواقع والمتغيرات، حيث يتم اتخاذه بناءً على تقدير المصلحة العامة، مع الحفاظ على جوهر العبادة وتوجيه الناس إلى الطرق البديلة التي تحترم جوهر الدين ومقاصده العليا. 

ختاما، الدروس الحسنية الرمضانية كانت رافدا قويا وعنصرًا هامًا في تكوين شخصية جلالة الملك محمد السادس الإصلاحية، حيث تجمع بين القيم الإسلامية الأصيلة ومتطلبات العصر الحديث، ما يساعده على قيادة البلاد برؤية متوازنة تجمع بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم، ولهذا قام جلالته بإصلاحات دينية جوهرية في المغرب تهدف إلى تحديث الخطاب الديني، وتحقيق توازن بين الحفاظ على التقاليد الإسلامية العريقة وبين التفاعل مع قضايا العصر. هذه الإصلاحات أسهمت في تعزيز دور الإسلام المعتدل في المجتمع، وأكدت على قيم التسامح، والتعايش، والاعتدال، مما جعل المغرب نموذجًا في التعامل مع قضايا الدين والمجتمع في العالم الإسلامي.

الصادق العثماني - أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية