"حدثني صاحبي قال يا كريم يا مولاي إني أجد موقفك صعبا مع الرأي العام الجزائري، فهم يحملونك جزءا من المسؤولية عن جرائم العشرية السوداء، يوم كنت جزءا من النظام الاستخباراتي الجزائري، وهم اليوم يتهمونك بالخيانة الوطنية العظمى لأنك استبدلت العمل مع مخابرات بن عكنون الوطنية، وإن كانت دموية، بالتواطؤ مع مخابرات أجنبية لا تخفي نزعاتها الاستعمارية. وأضاف صاحبي، وبيني وبينه أخوة أقوى وأرقى من روابط الدم، وأنت يا كريم ويا مولاي ويا صاحب النظارة السوداء وربطة العنق الحمراء والبذلة السوداء الأنيقة طامع في الثراء والعيش والرفاه على حساب الجزائر العظيمة، ولذلك لن يكون لك مكان بين الوطنيين الجزائريين.. وهذا ما يردده عنك بعض مشردي الجزائر الباحثين عن لقمة العيش في بعض العواصم الغربية، يرددون هذا عنك باستمرار، وحتى على موائد الإفطار الجماعي في شهر رمضان الفضيل، وحتى على هامش الندوات والملتقيات..
استمعت لصاحبي بإمعان، ذرفت عيناي دمعا حارا، لست أدري إن كان ما تاه جزءا من الندم الذي عبرت عنه يوم أعلنت انفصالي التام عن العمل المخابراتي الإجرامي مع رجال توفيق أم كان تعبيرا لحظيا عن ظلم ذوي القربى، أم أنه حنين لوالدي الذي فارق الحياة قبل عام (21 يونيو 2013)، ولم أكحل عيناي بنظرة إليه حتى وهو في سكرات الموت، أم أنه حلم بلقاء يجمعني بملاكي الوحيد الذي فرقتني عنه وعن الموطن الأول سيوف الظلم الاستخباراتي الجزائري؟؟
كففت دمعي كالطفل البريء وقلت لصاحبي: يوم دخلت العمل مع "الدياراس" الجزائرية عام 1987 كنت أعتقد وأنا شاب يافع لم يتجاوز عمره الربيع الـ 18 أنني أدافع عن الوطن وكرامته وسيادته وحرمته، وأنني حيث أحفظ أمن البلاد وأساهم في عزته ورفعته وحصانته.. وهكذا كان عملي طيلة ارتباطي بهذه الأجهزة، الحمد لله لم أقتل أحدا على الإطلاق.. فأنا أعجز عن قتل حشرة ضارة، فما بالك ببني آدم الذي كرمه الله عن بقية خلقه.. عملت من منطلق حب الجزائر، ولم أكن أعرف يومها أنني وقعت بين مخالب ذئاب بشرية، تبين لي بعدها أنها أخطر على الجزائر من الاستعمار نفسه.
يا صاحبي إنني ألتمس العذر لمن سمعتهم يتحدثون عني بهذه الصيغة، فهم ضحايا الوطنية الزائفة الكاذبة المخادعة التي تروجها أبواق المخابرات الجزائرية ذات الخلفية الاستعمارية.. صحيح قولك يا أخي الذي لم تلده أمي، أني كنت في مقتبل عمر الشباب يوم انخرطت في "الدياراس"، لكنني لم أكن عديما أو فقيرا، ولا جائعا، فعائلتي ثورية ميسورة الحال ومعروفة في منطقة بومرداس والبويرة التابعتين للقبائل الصغرى.. وقبلت العمل لأني خدعت بأن هؤلاء يخدمون أمن الجزائر وسيادتها، ومن أجل الجزائر حياتي تهون.
جبت العالم شرقا وغربا خدمة لعيون الجزائر واستكمالا لنضال والدي رحمه الله إبان ثورة التحرير المجيدة ضد الاستعمار الغاشم، لكنني لما اكتشفت مع تقدم في السن والتجربة، وأنا الطالب النابه، أنني أخدم أجندة عصابات ذات علاقات بالاستعمار ومافيا المخدرات وتجار الدماء، اخترت المنفى هنا في مملكة الضباب، وتركت ورائي، لا أقول أملاكا زائلة، بل حلما لكم أرقني وأذرف دموعي، وانحزت للإنسانية وللجزائر الحقيقية، وليس الوهم.
ما لا يعلمه هؤلاء أنني توقفت في لندن عاصمة الحريات وحقوق الإنسان عام 2001، وأنا في طريقي لتنفيذ مهمة قتل كلفني بها رب الجزائر، وأنا في شهر عسل مع زوجتي التي قطع وصالي بها هؤلاء المجرمون، عملية قتل تستهدف واحد من أبناء أحد الزعماء الجزائيين المعروفين، وأعني هنا نجل رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة أسامة عباسي مدني تحديدا.
اخترت المنفى، ورفضت أن تتلطخ يداي بدم جزائري.. فضلت المنفى والإعلان عن ذلك، وقد كان بإمكاني أن أصمت إلى يوم الدين كما فعلها غيري.
ولكن من خطب الحسناء لم يغلها المهر، كما قال أبو فراس الحمداني، وغنتها الراحلة أم كلثوم في رائعتها "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر"، بل إنني ذهبت أكثر من ذلك، وأعلنت في تصريحات مكتوبة وأخرى مصورة استعدادي للمثول أمام قضاء عادل في دولة وطنية إن تمت محاكمة جنرالات الموت والدمار ومصاصي الدماء.
لا أريد بهذه الأسطر التي أكتبها بمداد غربتي وألم فراق ملاكي أطال الله عمرها ووالدي رحمه الله، أن أعيد الحديث عن مسار علاقتي وعملي مع جهاز المخابرات الجزائرية اللعين، فتلك قضية رويت بعض تفاصيلها في لقاءات صحفية سابقة، ويمكن لمتصفحي محرك البحث غوغل أن يجدوها.. ولكن أريد أن أبارك لكافة الجزائريين ذكرى 01 نوفمبر 1954 المجيدة وأن أبشرهم أن أيام الظلم أصبحت معدودة وأن إقدام المنادين بالحرية والانعتاق من ظلم وجبروت جنرالات الجيش بدأت تدق أبواب الجزائر بعد أن هزت عروش زين العابدين بن علي، ومعمر القذافي، ومحمد حسني مبارك، وعلي عبد الله صالح.. والحل على الجزائر.
عيدكم سعيد وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم... عيد سعيد".
أخوكم المواطن الجزائري من المنفى، المملكة المتحدة، كريم مولاي