مع دخول الموسم الدراسي عده التنازلي وقرب انطلاق الامتحانات الإشهادية، عاد النقاش مجددا حول حصيلة هذا الموسم الذي نودعه على المستوى التعليمي والبيداغوجي، وعلى مستوى ما تحقق من مشاريع الإصلاح التي دخلتها المدرسة المغربية منذ مواسم بحثا عن الجودة التي أضحت رهانا صعب التحقق.
ومن بين أبرز مشاريع الإصلاح ما يتعلق بتدبير الزمن المدرسي، وعلاقته بهذه الساعات الإضافية والتي أضحت ثقلا على كاهل التلميذ وكاهل الأسر، خصوصا بعد أن زاغت عن أهدافها التربوية، وأصبحت ساعات مؤداة عنها ودخلت بذلك عالم البيع والشراء بالنظر لارتباطها بنقط المراقبة المستمرة، وتحديدا بسنتي الباكالوريا الأولى والثانية.
لقد كانت وزارة التربية الوطنية، على عهد الوزير رشيد بلمختار، قد وعدت بتقليص عدد ساعات الدرس من ثلاثين إلى سبع وعشرين ساعة في الصفوف الإبتدائية، بعد أن شكل تدبير الزمن المدرسي واحدا من الملفات المعقدة التي عانت منها المدرسة المغربية، خصوصا وأن ساعات الدرس هي أيضا ساعات الدعم والمساندة. وهي أيضا تلك الساعات الإضافية التي أصبحت مؤداة عنها.
عاد النقاش مجددا حول ساعات الدرس التي يفترض أن تعتمدها المدرسة المغربية سواء تعلق الأمر بالتعليم الإبتدائي أو الثانوي الإعدادي أو التأهيلي. وفتح القانون الإطار للتربية والتكوين الباب للتداول في هذا الأمر من زاوية بيداغوجية واجتماعية، خصوصا وأن عدد ساعات الدرس التي تم الرفع منها في إطار ما عرف بالتضامن في منتصف الثمانينات، لم تخضع وقتها لأية دراسة تربوية لمعرفة أي حد من ساعات الدرس يجب أن يخضع له المتمدرس في كل سلك من الأسلاك. وأي أثر للرفع من هذه الساعات على تحصيلة المتعلم بحسب مستواه السني والمعرفي والحس حركي أيضا. وكيف يمكن لساعات الدرس أن تساهم في منح المتعلم فرصا آخرى لممارسة هواياته المفضلة في الرياضة والموسيقي وغيرها.
وليس سرا اليوم أن عدد الساعات التي يقضيها التلاميذ داخل مدارسهم صباحا وفيما بعد الزوال، هو أكبر من المعدل الذي يحتاجه المتعلم ذهنيا وبدنيا، لكي نمنحه ما يكفي من الوقت للانتباه لقضايا أخرى تساعده على بناء شخصيته، خصوصا وأن الدراسات تؤكد على أن تركيز المتعلم ينتهي مباشرة بعد ساعتين على أبعد تقدير. لذلك كثيرا ما تتحول فضاءات الدرس إلى ساحات للعنف المتبادل بين المعلم والمتعلم مباشرة بعد مرور ساعتين من التلقين والتدريس.
إن ملأ وقت المتعلم بساعات الدرس، خصوصا حينما يكون بمنهج تقليدي عقيم، هو تضييع لوقت كان يفترض أن يقضيه في الرياضة أو في المسرح أوالموسيقى. والحصيلة هي أن مدارسنا لم تعد تنجب أبطالا في الرياضة، ولا نجوما في الفن بعد أن جعلت منهم ساعات الدرس أشبه بالقطيع. ولذلك أيضا يغيب الإبداع والخلق في مدارسنا، ويحضر الاعتماد على الحفظ والذاكرة لدى متعلمينا بسبب هذه الساعات المتراكمة، التي تعني أيضا تضخم البرامج وكثرة المواد الدراسية.
ساعات الدرس
حسابيا، ظلت ساعات العمل التي يقضيها التلاميذ والمدرسون على السواء بداخل حجرات الدرس، تترواح بين 22 ساعة لمدرسي التعليم الثانوي التأهيلي، و24 ساعة لمدرسي التعليم الإعدادي، ثم 30 ساعة لمدرسي التعليم الابتدائي، قبل أن يتقرر تقليصها إلى 27 ساعة فقط. على الرغم من أن الكثيرين يطرحون السؤال عن خلفية هذا التباين بين مدرسي التعليم الابتدائي والثانوي بشأن ساعات الدرس. فهل للأمر علاقة بما هو بيداغوجي، أم لبنية الاستقبال التي فرضت هذا الأمر، أم أن ذلك يعود لبعض التمثلات النمطية التي ألصقت بمدرسي التعليم الابتدائي.
مهما يكن من أمر، فالقضية أبعد من أن تكون مجرد اختيار إداري صرف، في الوقت الذي يجب أن ينظر إليها من خلفية تربوية تقلص عدد ساعات الدرس للتلميذ والمدرس على السواء. وهو رهان يمكن أن يكون مساعدا لتخرج المدرسة المغربية من وضعها المتردي الحالي.
غير أن ما يحدث الآن يفرض منا أن ننظر لملف آخر على غاية كبيرة من الأهمية وهو المتعلق بالساعات الإضافية الخصوصية، والتي يمتد بعضها إلى ساعة متأخرة من الليل. والتي أضحت عبئا ثقيلا على التلميذ وعلى أسرته بالنظر إلى أن بعض المدرسين جعلوها ساعات إلزامية بالمقابل. لذلك على وزارة التربية الوطنية أن تفتح حملتها لمحاربة الظاهرة، ومنع تفشي "دروس الشقق والفيلات" التي أصبحت منتشرة هنا وهناك. غير أن كسب رهان معركة الساعات الإضافية، والتي سبق أن فتحها الوزير بلمختار، تحتاج لتظافر جهود جهات أخرى لعل أقربها هو وزارة الداخلية، التي تعرف مصالحها جيدا أين توجد شققها وفيلاتها. وعليها أن تساهم في إصلاح المدرسة المغربية عبر منع هذه الشقق. تماما كما يفترض في أولياء التلاميذ أن يحاربوا الظاهرة بعدم الانخراط فيها حماية لأبنائهم وللمدرسة المغربية.
تربويا، تعتبر ساعات الدعم والمساندة ضرورية. ويمكن بحسب الحالات أن تنضاف للساعات الرسمية التي يشتغلها المدرسون. لذلك لم يغفل الإصلاح التربوي هذا الجانب حينما تحدث عن الدعم التربوي كإجراء ضروري لضمان حصول التلاميذ على مكتسبات تعليمية كافية للانتقال من سنة دراسية لاخرى، كما قالت بذلك الرؤية الاستراتيجية للإصلاح في مادتها السادسة التي تؤكد على ضرورة اعتماد آليات كفيلة بضمان التتبع دراسيا. كما أن المادة 79 من نفس التقرير تنص على تبسيط آليات التقييم والدعم التربوي، ضمانا لتوفر المتعلمين على حد مقبول للنجاح ومتابعة الدراسة فيما بين المستويات والأسلاك التعليمية. ويأتي هذا التدبير لمعالجة إحدى الإشكاليات الرئيسية التي ظلت تعاني منها المنظومة التربوية، والمتمثلة في إشكالية انتقال عدد من التلاميذ من مستوى تعليمي لآخر دون حصولهم على الحد الأدنى من التحكم في التعلمات الأساسية، وهو ما يظهر بجلاء من خلال التفاوتات المسجلة في تحديد عتبات الإنتقال بين مختلف المديريات الإقليمية. وهذا ما يجد له صدى في التقارير الوطنية والدولية الخاصة بتقويم التعلمات والتي أثبتت تدني مستوى التعلمات وتراجع ترتيب المغرب على المستوى الدولي.
الدعم التربوي
لقد شكل الدعم التربوي واحدا من الملفات التي تناولها الإصلاح حيث يؤكد الباحثون الاجتماعيون والتربويون على أنه يجب التمييز بين الدعم البيداغوجي والبيداغوجية التعويضية، وهي دروس التقوية. ذلك أن البيداغوجية التعويضية تعني دعما وتقوية منطلقين من المدرسة ليصلا إلى خارج المدرسة. وتهدف البيداغوجية التعويضية إلى تعويض أطفال الفئات الاجتماعية الدنيا، لما يشعرون به من حرمان ونقص وفوارق، ترجع بالأساس إلى انتماءاتهم الأسرية، وطمس الفوارق الموجودة بين قيم أسرهم وقيم المدرسة.
يكاد يجمع الباحثون التربويون على أن مطلب إلغاء الساعات التضامنية أضحى ضروريا، وهي التي تمت زيادتها في ثمانينيات القرن الماضي لظروف التعبئة الوطنية خدمة لقضية الصحراء المغربية. فالزمن المدرسي الذي يصل إلى 30 ساعة كاملة أسبوعيا أي ست ساعات يوميا من الاثنين إلى الجمعة بالنسبة لتلميذ الابتدائي يعتبر بكل المقاييس زمنا مرهقا لا يراعي خصوصيات الطفل النفسية والتطورية ،ولا يساير زمنه البيولوجي الذي أثبتت نتائج دراسات وأبحاث بدول لها تقاليد عريقة في البحث التربوي الرزين أن معدل تركيز الطفل في الظروف الاجتماعية الطيبة لا يتعدى في الحد الأقصى ساعتين، ويبلغ أوجه وذروته في حدود العاشرة صباحا. وبالنظر للشروط الموضوعية والغير المرضية عموما المحيطة بالمدرسة المغربية كالاكتظاظ ، والحد الأدنى للتجهيز ، والعادات الاجتماعية ، وتعدد الحصص الدراسية الغير الفنية، فإن تقليص الزمن المدرسي بحذف الساعات التضامنية في التعليم الابتدائي يبدو منطقيا وفي خدمة الطفولة المغربية ،وفي دراسة مقارنة لساعات التدريس الأسبوعية عالميا يبدو أن 25 ساعة أسبوعيا زمن معقول وواقعي ويفي بمتطلبات تمدرس جيد من الناحية البيداغوجية. وحبذا لو تم تعديل بناء استعمالات الزمن بالشكل الذي يجعل الفترة الصباحية، أوحصص ما قبل الاستراحة مخصصة فقط للمواد الأساسية، بينما تخصص الفترة المسائية او حصص ما بعد الاستراحة لمواد التفتح والتربية البدنية .
فمنذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين في شتنبر 1999، ومسألة تدبير الزمن المدرسي مطروحة للنقاش بين نساء التعليم ورجاله والمهتمين بالشأن التربوي، مرتكزين في ذلك على الفقرة الأخيرة من المادة 109 من الدعامة الثامنة الخاصة باستعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية والبيداغوجية، حيث جاء فيها:" تبحث سلطات التربية والتكوین في مبدأ تخفيض عدد الساعات الدراسية الأسبوعية بالنسبة للتلاميذ، خصوصا في التعليمين الابتدائي والإعدادي، وذلك في إطـــار تجديد الـبرامج والمـــناهج طبـــقا للمادتين 106 و 107" هذه الفقرة اختلف في تأويلها بين الوزارة الوصية وممثلي نساء التعليم ورجاله، حيث تجد الوزارة مبررات فهمها في الفقرات الأخيرة من المواد 15 و21 و26 و 31 من المرسومرقم 2.02.854 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، حيث جاءت كالآتي "وتحدد مدة التدريس الأسبوعية لأساتذة التعليم....... بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية والسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية"، وتواصل التنظيمات الممثلة لرجال التعليم ونسائه احتجاجها مطالبة بالتراجع عن عدد الساعات التطوعية التي أضيفت سابقا لجداول المدرسين بصفة استثنائية، وباحترام الإيقاعات الذهنية للمتعلمات والمتعلمين، وعدم تغليب الكم على الكيف.
فبعد الرجة القوية التي تسبب فيها تغيير الساعة القانونية بناء على المرسوم 2.18.855 بتاريخ 26 أكتوبر 2018، وخروج الآباء والتلاميذ للاحتجاج بالشارع العام، أصدرت وزارة التربية الوطنية أغرب مذكرة في شأن الزمن المدرسي.
لقد حددت المذكرة الوزارية 157/18 للابتدائي أربع صيغ أقل ما يقال عنها أنها وضعت من طرف من لاعلاقة له بما يجري بالتعليم الابتدائي، بعد أن صنفت ساعات عمل المدرسين وساعات تمدرس المتعلمين إلى من يعمل 30 ساعة بالوسط القروي، ومن يشتغل 28 ساعة بالوسط الحضري. والحصيلة هي أن هذا الإشكال المتعلق بتدبير الزمن المدرسي لا يزال لم يعرف طريقه للحل، سواء ما يتعلق بساعات الدرس الرسمية، او تلك التي أصبح يطلق عليها ساعات إضافية، والتي وجد فيها بعض نساء ورجال التعليم ضالتهم لأنهم حولوها إلى ساعات مؤدى عنها، خصوصا مع اقتراب موعد الامتحانت الإشهادية والتي تعرف ارتفاعا في سومة بعض المواد وفق تعريفة يحددها العرض والطلب، تماما كما هو معمول به في سوق البيع والشراء.