الاثنين 17 فبراير 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: اشتقنا لك يا درسَ الأخلاقِ!

أحمد الحطاب: اشتقنا لك يا درسَ الأخلاقِ! أحمد الحطاب
لما كنا تلاميذ في المدرسة الابتدائية، وبالضبط أثناء الخمسينيات، كان هناك، من بين الدروس التي كنا نتلقَّاها من المُدرسين، درسٌ يحمل اسمَ "الأخلاق". وهو درسٌ كان مُكلَّفا بتبليغِه للتلاميذ مُدرِّسُ اللغة العربية. ودروس اللغة العربية كانت تشمل النحوَ والإملاءَ والشكل والتلاوة والإعرابَ والصرف والمحفوظات…

ودرس الأخلاق هذا كان له دورٌ تربوي un rôle éducatif هائل ورائع يهدف إلى غرس روح الآداب العامة والخاصة في نفوس التلاميذ أو المتعلِّمين les apprenants. وباختصار، كنا نتعلَّم آداب المائدة والأكل وآداب التعامل مع الآخرين واحترامهم وآداب التَّصرُّف والسلوك في الحياة اليومية واجتناب الكذب والنفاق والتَّكبُّر… وباختصارٍ شديدٍ، كنا نتعلَّم ما كان يُسمَّى "الأخلاقَ الحميدة"، أي القواعد السلوكية التي يتطلَّبها العيش داخل المجتمع، أي قواعد اللياقة واللباقة والتهذيب واحترام الغير والعفة والحياء…

اليوم، تمَّ حذف درس الأخلاق من دروس المدرسة الابتدائية، وتمَّ معه حذف جزءٍ مهمٍّ من التنشئة الاجتماعية للمتعلِّمين la socialisation des apprenants التي، من المفروض أو من واجب المدرسة الابتدائية، إلى جانب الأسَر، أن تُساهمَ في بنائها. فما هي النتيجة الملموسة المُترتِّبة عن هذا الحذف؟

النتيجةُ وخيمةٌ و واضحةٌ للعيان وتفرض نفسَها على كل ملاحظ observateur له ولو قدرٌ ضئيل من النباهة والتَّبصُّر وبعد النظر. وللتَّأكُّد من هذه النتيجة الوخيمة، يكفي إلقاءُ نظرة على ما يتم تدوينُه في مواقع التواصل الاجتماعي من سوء الأخلاق والسلوك. أي أن هذه المواقع أصبحت ملحأً لذوي النِّيأت الخبيثة والسلوك والأخلاق السيِّئة وعدم احترام الغير والمس بكرامتهم…

فهذا يسبُّ ويشتم والآخر يطعن في مصداقية الناس، وهؤلاء ينتقدون موضوعا من المواضيع بدون سابق معرفة وعلم، والآخرونَ يخدشون الحياء ويتسابقون للتشهير بالناس ولتلفيق لهم التُّهمَ المجانية… وحدِّث ولا حرج.

وبكل اختصار، مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدرا لسوء الأخلاق والسلوك والتفاهة la futilité والرداءة la médiocrité والتَّنديد بكرامة الناس، عوض أن تكونَ مصدرا لطيب الأخلاق والتَّثقيف والتهذيب والتَّعلُّم. أما إذا كان المُستهدَفُ بسوء الأخلاق إمرأةً، فحجمُ التَّنديد والتَّنكيل والتَّشهير المجاني يزداد ضراوةً لسببٍ بسيطٍ هو أنه، في مخيال كثيرٍ من الناس، المرأة لا تُساوي شيئا. أما إذا حقَّقت هذه المرأةُ نجاحاً مُلفتا للنظر، في مسارها المهني، فبابُ الانتقاد المجاني يُفتَح على مصراعيه. والأحقية، هنا، لمَن أبدع وتفوَّق في هذا الانتقاد المجاني.

ولعلَّ آخِر حدثٍ تمَّ تداوُلُه بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي، هو النجاح الباهر الذي حقَّقته الفنانة المُبدِعة السيدة لطيفة أحرار التي أصبحت، عن جدارة واستحقاق، مديرةً للمعهد العالي للفن المسرحي والتَّنشيط الثقافي Institut Supérieur de l'Art Dramatique et de l'Animation Culturelle. كما تمَّ تعيينُها عضوا في مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي Agence Nationale d'Évaluation et d'Assurance Qualité de l'Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique.

وكلُّ التَّعليقات التي جاءت في مواقع التَّواصل الاجتماعي توحي بأن السيدة لطيفة أحرار لا تستحق لا إدارةَ المعهد العالي المشار إليه أعلاه ولا تعيينَها كعضوٍ في مجلس إدارة الوكالة المُشار إليها، كذلك، أعلاه.

والحقيقة كل الحقيقة أنها تستحق هذا وذاك، عن جدارة وكفاءة. لماذا؟

أولا، لأنها نالت منصبَ مديرة للمعهد عن طريق مباراة لها شروطٌ معيَّنة. ومن ضمن هذه الشروط، أن يقدِّمَ المُرشَّحُ، للجنة التقييم، تقريراً عن تصوُّره لتطوُّر وتطوير المؤسسة التي يرغب في إدارتِها، إضافةً إلى إجراءِ مقابلة entretien معه يدافع خلالها عن مشروعه ويجيب عن أسئلة أعضاء اللجنة. ونجاح السيدة لطيفة أحرار يبيِّن بأن مشروعها ومقابلتَها مع أعضاء اللجنة نالا إعجابَ أعضاء اللجنة، فقرَّروا تفوُّقَها على الأعضاء الآخرين.

أما تعيينُها كعضوٍ في مجلس إدارة الوكالة الوطنية، فهو، كذلك، مستحقٌّ عن جدارةٍ وكفاءة. لماذا؟ لأن التعيينَ في مناصب مدراء المعاهد والمدارس العليا وعمداء الكليات يتطلب من المرشحين أن يكونوا على دراية بما يسيران عليه التعليم العالي والبحث العلمي. وكل المرشحين سبق لهم أن مارسوا مهنة التعليم في الجامعات والمعاهد والمدارس العليا. كما سبق لهم أن أشرفوا على أبحاثٍ علمية، عن طريق إشرافهم على هذه الأبحاث في إطار شهادتي الماستر والدكتوراه.

وهذا هو أساس تعيين السيدة لطيفة أحرار كمديرة للمعهد العالي، وكذلك، تعيينُها كعضوٍ في مجلس إدارة الوكالة الوطنية المذكورة أعلاه.

ولهذا، فكل التعليقات المسيئة للسيدة لطيفة أحرار كَذِبٌ ولا أساسَ لها من الصحة. على ما يبدو إنها تعبيرٌ صارخ للكراهية التي عشَّشت في وعيِ ولاوعيِ بعض الناس إزاء النساء. وهذا النوع من البشر يكفِيه أن تكون المرأة في عِداد الناجِحات لتُصبحَ عُرضةً للقدف والشَّتم والسَّب والكلام الدَّنيء والمنحط…

أما إذا كان المُعلِّقون ينتمون إلى فئة المتديِّنين المتطرِّفين، وعلى رأسِهم فئة بعض علماء وفقهاء الدين، فالكراهيةُ تصبح بُغضاً وسُخطاً وعَداوةً ومقتاً وحِقداً.

أرأيتم لماذا عَنونتُ هذه المقالة ب"اشتقنا لك يا درس الأخلاق". الأخلاق التي غُيِّبَت من قاموس أغلبيةٍ مهمة من أفراد الأجيال الحاضرة. الأجيال التي هي صورة وفية لمدرسة فقدت بوصلةَ تنشئةٍ اجتماعيةٍ أساسُها الاستقامة والأخلاق الحميدة، علماً أن السيدة لطيفة أحرار ليست حالة منعزله تعاني من كراهية الرجال. وهنا أتذكَّر قول الشاعر العربي أحمد شوقي لما قال :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.