الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحفيظ زياني: التربية.. الرقيب الوحيد لانتشار المعلومة الصحيحة

عبد الحفيظ زياني: التربية.. الرقيب الوحيد لانتشار المعلومة الصحيحة

يبدو أن العلاقات الإنسانية، في شقها المتعلق بالاجتماعي المعرفي، باتت تفرض نوعا خاصا من التواصل، ذاك الذي ينعت بتعدد الوظائف، ويمتلك رمزية الدلالات.. فهو تواصل لابد أن يخدم جوانب المعرفة، كما يسهر على ضمان انتشار المعلومة الصحيحة، وصولا إلى الحقيقة، تلك التي تفرض نوعا من الموضوعية، وتتحرى الضبط والعلمية، وهي شروط أساسية كفيلة بصنع مجتمع الأفكار، الذي ما زال يندرج ضمن خانة الطوباويات.. فالطابع الإنساني للمسألة، يجعلها من الصعوبة بمكان، بسبب إشكالية دراستها، المرتبطة أساسا بطبيعتها المعقدة، إضافة إلى سيادة الأهواء والنزوات، المتحكم الرئيسي في إنتاج المعرفة القيمية، أو أحكام القيمة المعيارية، التي طغت وتجذرت، واتخذت شكلا نمطيا جاهزا، وهي صورة واضحة لسلطة الذاتية.

إن ما يضع التواصل في قلب المعرفة، هو مكانته وقوة تأثيره، باعتباره تجليا من تجليات السلطة الرمزية المتحكمة في توجيه الأفراد، وصنع فكر جمعي كفيل بالتأسيس لمرحلة القطيعة مع ماضي ترويج المعارف الساذجة المبنية على أسس هشة، من منطلق ترويج الأحكام الاستهلاكية والجاهزة، ويبقى التواصل، كآلية ناجعة لنشر المعلومة الصحيحة، رهانا حقيقيا للتنمية البشرية، في جانبها الفكري، ومقاربة لسانية تخدم مجتمع المعرفة إلى أبعد مدى.

تتحكم المعرفة في البناء الفكري الجاد، وتبقى التربية الركيزة الأساسية لخلق الانسجام بين الأفراد نحو توحيد معارفهم وتقويمها، إذ أنها قناة لربط التفكير بالأخلاق، كما تعتبر حلقة وصل بين الأفراد وبين المجتمع، لكونها تلعب دورا بارزا في خلق منظومة شمولية، موحدة، وقادرة على خلق الرقابة الأخلاقية التي تقوم بتوجيه المعارف في اتجاه المثل الأعلى، كما تقوم بتنصيب الأخلاق على رأس المعرفة، باعتبارها الموجه الفعلي للتفكير النابع من توجيه السلوك نحو الاستقامة، ومن ثمة تصبح قادرة على بناء الشخصية السوية، ففي غياب الأخلاق، تظل كل المعارف باطلة، وقابلة للتقييم ثم التقويم، بل تكاد تكون من دون جدوى.           

يتضح مما أسلفنا، أن التربية تقوم بدور إرساء معالم الشخصية السوية، التي تمتلك أدوات، وآليات، لمراقبة وتوجيه السلوك في اتجاه الأصلح.. ويعد الفكر المبني على قواعد المعرفة المتأصلة والمبنية على قواعد المنهج العلمي، التي تتحرى في جميع مراحلها معياري الصحة والثبات، بعيدا عن الدغمائية وصراع الخلفيات، فتظل سمة بارزة من سمات بناء منظومة الأفكار الصحيحة السوية، التي تتوحد تحت مسمى الأخلاق، لتمتلك طابعا اجتماعيا إنسانيا أخلاقيا، يخضع لسلطة ورقابة القيم.. فقد تقطع المعرفة أشواطا مهمة داخل المجتمع الذي يربطها به علاقة الانتماء، فلا تكاد تقف عند هذه الحدود، بل تتعاداها لتصبح معلومة قابلة للاستهلاك، في إطار الجودة طبعا. لهذا فهي في حاجة دائمة إلى تواصل عقلاني، يستحضر، في كل آن، أساسيتان، وهما: الموضوعية، والعلمية، على اعتبار كونهما منهجان يكفلان انتشار المعلومة الصحيحة، لا الخاطئة، التي تتغذى على الأهواء وتنتشر كالداء انتشاره في الجسد، فتجدها تعم، لتعلن حربها على الحقيقة.