لم تقم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بواجبها في القيام بإحصاء ساكنة تندوف وتحديد طبيعتهم القانونية، حيث لازالت هذه ساكنة الوحيدة في العالم التي لم يشملها بعد التسجيل والإحصاء، مما يجعل المفوضية في تناقض تام مع ولايتها العامة، ويجعل الجزائر ومليشيات البوليساريو تستمر في احتجاز ساكنة مخيمات تندوف كرهائن.
وجوب قيام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصاء وتسجيل المحتجزين في مخيمات تندوف وتحديد التصنيف القانوني لوضعيتهم، يعد موضوعا يفرض نفسه بقوة خاصة في المنعطف الحالي الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، واستمرار تقاعسها في القيام بواجبها كذلك، يعد مظهرا من مظاهر فشل الأمم المتحدة في تدبير ملف النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية وفي حماية المحتجزين، وهو ما سنحاول التطرق اليه من خلال مقتضيات الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، لسنة 1951، وهي اتفاقية متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة، تُعرّف لفظة "لاجئ" وتحدّد حقوق الأفراد الذين يُمنحون حق اللجوء، وتحدد أيضا مسؤوليات الدول التي تستقبل اللاجئين. كما تحدّد الاتفاقية من هم الأفراد الذين لا يعتبرون لاجئين، كمجرمي الحرب. وسنحاول أيضا التطرق الى قضية التصنيف القانوني لوضعية المحتجزين من خلال الاتفاقية الدولية لمناهضـة أخـذ الرهائن، التي اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها 34/146 المؤرخ في 17 ديسمبر 1979.
اللاجئ هو الشخص الذي فرَّ من بلده جراء خطر التعرَّض لانتهاكات خطيرة لحقوقه الإنسانية وللاضطهاد. حيث تكون درجة المخاطر التي تتهدد سلامته وحياته جعلته يضطر إلى أن يختار المغادرة وطلب السلامة خارج بلاد. وقد عرفت المادة الأولى من الاتفاقية، بصيغتها المعدلة في بروتوكول عام 1967، اللاجئ على النحو التالي: "كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد".
كما أن المادة 26 من اتفاقية اللاجئين، المعنونة بـ "حرية التنقل"، تقول:
"تمنح كل من الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها حق اختيار محل إقامتهم والتنقل الحر ضمن أراضيها، على أن يكون ذلك رهنا بأية أنظمة تنطبق علي الأجانب عامة في نفس الظروف".
أما الرهينة فهي احتجاز شخص مع التهديد بقتله أو بإلحاق الأذى به ويحتجز كوسيلة للضغط لتحقيق أهداف سياسية أو للحصول على فدية أو غير ذلك. وعملية احتجاز الرهينة وَفق القوانين الوطنية تعد جناية، أما وَفق القانون الدولي الإنساني فقد تم تصنيفها جريمة حرب.
وقد جاء تعريف جريمة أخذ الرهائن في المادة 1 من الاتفاقية الدولية لمناهضـة أخـذ الرهائن، كما يلي: "أي شخص يقبض على شخص آخر أو يحتجزه ويهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية حكومية، أو شخصا طبيعيا أو اعتباريا، أو مجموعة من الأشخاص، علي القيام أو الامتناع عن القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة، يرتكب جريمة أخذ الرهائن بالمعني الوارد في هذه الاتفاقية."
وقد ورد أيضا في القرار 2000/29، الخاص بالدورة السادسة والخمسين للجنة حقو ق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن عملية أخد الرهائن يقوم بها أيضا الإرهابيون والجماعات المسلحة، حيث ورد في نص القرار: «وإذ تضع في اعتبارها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تدين كافة حالات أخذ الرهائن، وإذ تشير إلى قراراتها السابقة بشأن هذا الموضوع، وبخاصة قرارها 1992/23 المؤرخ 28 في فبراير 1992، التي أدانت فيها أخذ أي شخص رهينة، وإذ يساورها القلق لكون الأفعال المتمثلة في أخذ الرهائن بمختلف أشكالها ومظاهرها، بما فيها تلك التي يرتكبها الإرهابيون والجماعات المسلحة، لا تزال تحدث بل ازدادت في مناطق كثيرة من العالم، رغم الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي".
عملية اختطاف الرهائن وإقامة مخيمات تندوف تنطبق عليها الاتفاقية الدولية لمناهضـة أخـذ الرهائن
قامت الجزائر، عند تشكيلها لمخيمات تندوف في السنوات الأولى من افتعالها لنزاع الصحراء المغربية في النصف الأخير من عقد السبعينات من القرن الماضي، بالعديد من الهجمات الإرهابية بواسطة مليشيات البوليساريو، التي استهدفت خطف الرهائن من المدنيين المغاربة الصحراويين، ما بين سنوات 1976 و1983 من بلدات عوينة يغمان، لبيرات والمحبس وابطيح وبوكراع وبوجدور والمسيد وطاطا واقا وفم الحصن ومحاميد الغزلان، ومن مدن طانطان وأسا، والسمارة والبوادي المحيطة بها، مابين سنوات 1979 1983، حيث تم خطف وقتل العديد من المدنيين العزل، والاستلاء على ممتلكاتهم، واغتصاب النساء والفتيات، واختطاف العديد منهم ونقلهم واحتجازهم قسرا. وتم كذلك تهجير سكان الأرياف خلال سنتي 1980-1981، من مناطق تيرس زمور، والزويرات وبيرام كرين ومن عموم شمال موريتانيا، ومن الحنك وأركشاش، على الحدود المالية الجزائرية، حيث تم نقل أغلبهم إلى مخيمات تندوف بالترغيب والترهيب أو باستغلال فقرهم.
وتم خلال عدة سنوات متتالية، القيام بعمليات اختطاف العديد من المواطنين المغاربة الصحراويين، من مدن الأقاليم الجنوبية ومن بوادي الصحراء، منهم العديد من الفتيات والنساء المتزوجات اللواتي تم خطفهن كسبايا. وتم كذلك اختطاف شيوخ وأعيان القبائل وتحطيم رمزيتهم بإخضاعهم لفترات تدريب مهينة وحاطة بالكرامة في ما يسمى بـ «مدرسة 12 أكتوبر»، وإجبارهم فيها على حلق لحاهم، قبل أن يوزعوا كحراس وبوابين والقيام بعمليات البناء والكنس وتنظيف المراحيض..
كما قامت مليشيات البوليساريو في نفس الوقت وتحت إشراف ضباط الأمن العسكري الجزائري بإقامة العديد من السجون، منها سجن «الرشيد» الرهيب، وسجن «عظيم الريح»، وسجن النساء المعروف «بسجن الرويضا» و«الذهيبية»، حيث عانت النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية والتعذيب والإجهاض والمتاجرة فيما يعرف بـ «اطفال الغار»، وهم الأطفال الذين يولدون بسبب الاغتصاب والعلاقات غير الشرعية مع ضباط الجيش الجزائري، أو مع قيادة البوليساريو، حيث يتم سجن الحوامل، وبعد الولادة يغادرن بدون أطفالهن الذين يتم الاتجار بهم ولا يعرف مصيرهم.
ومع توالي السنين ازدادت حدة الأوضاع في المخيمات، حيث ظهرت أعدادا كبيرة من الشباب العاطل عن العمل، بحكم أن السلطات الجزائرية تمنع عليه الاشتغال فوق أراضيها والاندماج بين ساكنة الجنوب، وتعاملهم معاملة الرهائن، بل وتعمد إلى تشغيل العمال من الدول الإفريقية البعيدة في منشآت النفط والغاز في الجنوب الجزائري. ولم يجد شباب المخيمات وكذا العناصر المجندة، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 م، مجالا آخر غير احتراف التهريب بكل أنواعه والانخراط في نشاط الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة والإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، ومع توسع حالة التسيب الأمني وانتشار العصابات قامت الجزائر بمضاعفة إجراءات الاحتجاز ومنع الرهائن من التنقل بين المخيمات الخمس الا بترخيص، ومنع التنقل كذلك خارج المخيمات، وتجريم محاولات الهروب والعودة الى المغرب، وعمدت الى بناء حواجز تحيط بكل مخيمات تندوف الخمس.
عدم إحصاء المحتجزين يؤكد أننا امام وضعية رهائن
لقد تقدم المغرب بطلب إلى اللجنة التنفيذية للمفوضية لإحصاء سكان مخيمات تندوف في أكتوبر 1976، كما وجهت بعدها المفوضية عدة طلبات، طيلة العقود الماضية الى الجزائر وذلك منذ سنة 1977 لتمكينها من إجراء عملية إحصاء في مخيفات تندوف. ورغم مرور حوالي نصف قرن من تواجد المحتجزين في مخيمات تندوف، لم يستطع بعد المنتظم الدولي معرفة العدد الحقيقي، ولا يعرف إن كانوا ينحدرون فعلا من الأقاليم الصحراوية المغربية أم من دول أخرى.
ولازالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتخبط بشأن العدد الحقيقي للسكان المحتجزين بمخيمات تندوف، من خلال نشر أرقام متناقضة ومصطنعة في كل مرة. كما أنها، لم تندد الى حدود الآن بعمليات تجنيد الأطفال في صفوف ميليشيات «البوليساريو»، وهي ممارسة تشكل انتهاكا خطيرا لالتزام احترام الطابع الإنساني والمدني للمخيمات، إضافة الى تجاهلها لعمليات التهجير التعسفي والانفصال القسري بين العائلات وانعدام السلامة والأمن.
فمنذ القرار رقم 1979 (2011)، وطيلة ثلاثة عشر سنة، لازال مجلس الأمن يطالب في كل قرار يخص قضية الصحراء، بضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تندوف. وطيلة هذه السنوات لازالت الجزائر ترفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن المتتالية، دون أن يتخذ المجتمع الدولي التدابير اللازمة لوضع حد للانتهاكات وضمان حماية المحتجزين في مخيمات تندوف. ومنذ سنة 1977 لازالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تتقاعس في القيام بواجبها اتجاه هؤلاء المحتجزين.
من خلال ما سبق، يتبين بشكل واضح أن المحتجزين بمخيمات تندوف، هم في الحقيقة رهائن في يد النظام العسكري الجزائري ومليشيات البوليساريو، ولا تنطبق عليهم بتاتا مقتضيات اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ولا يندرجون ضمن تعريف «لاجئ»، كما ورد في المادة الأولى من هذه الاتفاقية. ولكن تنطبق عليهم مقتضيات وتعريف الاتفاقية الدولية لمناهضـة أخـذ الرهائن، التي اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها 34/146 المؤرخ في 17 دجنبر 1979، وغيرها من قرارات المنظمات الدولية المتعلقة بالرهائن.
محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية