الأربعاء 12 مارس 2025
سياسة

محمد الطيار:من مظاهر فشل الأمم المتحدة في تدبير ملف النزاع المفتعل.. المحتجزون بمخيمات تندوف.. رهائن وليسوا لاجئين

محمد الطيار:من مظاهر فشل الأمم المتحدة في تدبير ملف النزاع المفتعل.. المحتجزون بمخيمات تندوف.. رهائن وليسوا لاجئين محمد الطيار
لم‭ ‬تقم‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بواجبها‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بإحصاء‭ ‬ساكنة‭ ‬تندوف‭ ‬وتحديد‭ ‬طبيعتهم‭ ‬القانونية،‭ ‬حيث‭ ‬لازالت‭ ‬هذه‭ ‬ساكنة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشملها‭ ‬بعد‭ ‬التسجيل‭ ‬والإحصاء،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المفوضية‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬ولايتها‭ ‬العامة،‭ ‬ويجعل‭ ‬الجزائر‭ ‬ومليشيات‭ ‬البوليساريو‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬احتجاز‭ ‬ساكنة‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬كرهائن‭.‬

وجوب‭ ‬قيام‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ ‬بإحصاء‭ ‬وتسجيل‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬وتحديد‭ ‬التصنيف‭ ‬القانوني‭ ‬لوضعيتهم،‭ ‬يعد‭ ‬موضوعا‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬بقوة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المنعطف‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬واستمرار‭ ‬تقاعسها‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بواجبها‭ ‬كذلك،‭ ‬يعد‭ ‬مظهرا‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬فشل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬ملف‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬للمملكة‭ ‬المغربية‭ ‬وفي‭ ‬حماية‭ ‬المحتجزين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنحاول‭ ‬التطرق‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقتضيات‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الخاصة‭ ‬بوضع‭ ‬اللاجئين،‭ ‬لسنة‭ ‬1951،‭ ‬وهي‭ ‬اتفاقية‭ ‬متعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬برعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬تُعرّف‭ ‬لفظة‭ "‬لاجئ‭" ‬وتحدّد‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يُمنحون‭ ‬حق‭ ‬اللجوء،‭ ‬وتحدد‭ ‬أيضا‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستقبل‭ ‬اللاجئين‭. ‬كما‭ ‬تحدّد‭ ‬الاتفاقية‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬لاجئين،‮ ‬كمجرمي‭ ‬الحرب‭. ‬وسنحاول‭ ‬أيضا‭ ‬التطرق‭ ‬الى‭ ‬قضية‭ ‬التصنيف‭ ‬القانوني‭ ‬لوضعية‭ ‬المحتجزين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضـة‭ ‬أخـذ‭ ‬الرهائن،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬34‭/‬146‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬1979‭.‬

اللاجئ‭ ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬فرَّ‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬جراء‭ ‬خطر‭ ‬التعرَّض‭ ‬لانتهاكات‭ ‬خطيرة‭ ‬لحقوقه‭ ‬الإنسانية‭ ‬وللاضطهاد‭. ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬درجة‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تتهدد‭ ‬سلامته‭ ‬وحياته‭ ‬جعلته‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬المغادرة‭ ‬وطلب‭ ‬السلامة‭ ‬خارج‭ ‬بلاد‭. ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬بصيغتها‭ ‬المعدلة‭ ‬في‭ ‬بروتوكول‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬اللاجئ‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي: "كل‭ ‬شخص‭ ‬يوجد،‭ ‬وبسبب‭ ‬خوف‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬للاضطهاد‭ ‬بسبب‭ ‬عرقه‭ ‬أو‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬جنسيته‭ ‬أو‭ ‬انتمائه‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬آرائه‭ ‬السياسية،‭ ‬خارج‭ ‬بلد‭ ‬جنسيته،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف،‭ ‬أن‭ ‬يستظل‭ ‬بحماية‭ ‬ذلك‭ ‬البلد،‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬جنسية‭ ‬ويوجد‭ ‬خارج‭ ‬بلد‭ ‬إقامته‭ ‬المعتادة‭ ‬السابق‭ ‬بنتيجة‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف،‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬البلد"‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬26‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬المعنونة‭ ‬بـ‭ ‬"حرية‭ ‬التنقل"،‭ ‬تقول:
"تمنح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتعاقدة‭ ‬اللاجئين‭ ‬المقيمين‭ ‬بصورة‭ ‬نظامية‭ ‬في‭ ‬إقليمها‭ ‬حق‭ ‬اختيار‭ ‬محل‭ ‬إقامتهم‭ ‬والتنقل‭ ‬الحر‭ ‬ضمن‭ ‬أراضيها،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬رهنا‭ ‬بأية‭ ‬أنظمة‭ ‬تنطبق‭ ‬علي‭ ‬الأجانب‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الظروف"‭.‬
أما‭ ‬الرهينة‭ ‬فهي‭ ‬احتجاز‭ ‬شخص‭ ‬مع‭ ‬التهديد‭ ‬بقتله‭ ‬أو‭ ‬بإلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬به‭ ‬ويحتجز‭ ‬كوسيلة‭ ‬للضغط‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فدية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬وعملية‭ ‬احتجاز‭ ‬الرهينة‭ ‬وَفق‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬تعد‭ ‬جناية،‭ ‬أما‭ ‬وَفق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصنيفها‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭.‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬تعريف‭ ‬جريمة‭ ‬أخذ‭ ‬الرهائن‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضـة‭ ‬أخـذ‭ ‬الرهائن،‭ ‬كما‭ ‬يلي: "أي‭ ‬شخص‭ ‬يقبض‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬يحتجزه‭ ‬ويهدد‭ ‬بقتله‭ ‬أو‭ ‬إيذائه‭ ‬أو‭ ‬استمرار‭ ‬احتجازه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إكراه‭ ‬طرف‭ ‬ثالث،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬منظمة‭ ‬دولية‭ ‬حكومية،‭ ‬أو‭ ‬شخصا‭ ‬طبيعيا‭ ‬أو‭ ‬اعتباريا،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬علي‭ ‬القيام‭ ‬أو‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بفعل‭ ‬معين‭ ‬كشرط‭ ‬صريح‭ ‬أو‭ ‬ضمني‭ ‬للإفراج‭ ‬عن‭ ‬الرهينة،‭ ‬يرتكب‭ ‬جريمة‭ ‬أخذ‭ ‬الرهائن‭ ‬بالمعني‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭.‬"

وقد‭ ‬ورد‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬2000/29،‭ ‬الخاص‭ ‬بالدورة‭ ‬السادسة‭ ‬والخمسين‭ ‬للجنة‭ ‬حقو‭ ‬ق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬أخد‭ ‬الرهائن‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬أيضا‭ ‬الإرهابيون‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬حيث‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬القرار:‭ ‬«وإذ‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬التي‭ ‬تدين‭ ‬كافة‭ ‬حالات‭ ‬أخذ‭ ‬الرهائن،‭ ‬وإذ‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬قراراتها‭ ‬السابقة‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وبخاصة‭ ‬قرارها‭ ‬1992/23‭ ‬المؤرخ‭ ‬28‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1992،‭ ‬التي‭ ‬أدانت‭ ‬فيها‭ ‬أخذ‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬رهينة،‭ ‬وإذ‭ ‬يساورها‭ ‬القلق‭ ‬لكون‭ ‬الأفعال‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬الرهائن‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكالها‭ ‬ومظاهرها،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الإرهابيون‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحدث‭ ‬بل‭ ‬ازدادت‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬رغم‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي"‭.‬
‭ ‬
عملية‭ ‬اختطاف‭ ‬الرهائن‭ ‬وإقامة‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬تنطبق‭ ‬عليها‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضـة‭ ‬أخـذ‭ ‬الرهائن
قامت‭ ‬الجزائر،‭ ‬عند‭ ‬تشكيلها‭ ‬لمخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬افتعالها‭ ‬لنزاع‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬السبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بواسطة‭ ‬مليشيات‭ ‬البوليساريو،‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬خطف‭ ‬الرهائن‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬المغاربة‭ ‬الصحراويين،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سنوات‭ ‬1976‭ ‬و1983 من‭ ‬بلدات‭ ‬عوينة‭ ‬يغمان،‭ ‬لبيرات‭ ‬والمحبس‭ ‬وابطيح‭ ‬وبوكراع‭ ‬وبوجدور‭ ‬والمسيد‭ ‬وطاطا‭ ‬واقا‭ ‬وفم‭ ‬الحصن‭ ‬ومحاميد‭ ‬الغزلان،‭ ‬ومن‭ ‬مدن‭ ‬طانطان وأسا،‭ ‬والسمارة‭ ‬والبوادي‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬مابين‭ ‬سنوات‭ ‬1979 1983،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬خطف‭ ‬وقتل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل،‭ ‬والاستلاء‭ ‬على‭ ‬ممتلكاتهم،‭ ‬واغتصاب‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات،‭ ‬واختطاف‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬ونقلهم‭ ‬واحتجازهم‭ ‬قسرا‭. ‬وتم‭ ‬كذلك‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬الأرياف‭ ‬خلال‭ ‬سنتي‭ ‬1980-1981،‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬تيرس‭ ‬زمور،‭ ‬والزويرات‭ ‬وبيرام‭ ‬كرين‭ ‬ومن‭ ‬عموم‭ ‬شمال‭ ‬موريتانيا،‭ ‬ومن‭ ‬الحنك‭ ‬وأركشاش،‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬المالية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬أغلبهم‭ ‬إلى‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬بالترغيب‭ ‬والترهيب‭ ‬أو‭ ‬باستغلال‭ ‬فقرهم‭. ‬

وتم‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬متتالية،‭ ‬القيام‭ ‬بعمليات‭ ‬اختطاف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬المغاربة‭ ‬الصحراويين،‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬ومن‭ ‬بوادي‭ ‬الصحراء،‭ ‬منهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬والنساء‭ ‬المتزوجات‭ ‬اللواتي‭ ‬تم‭ ‬خطفهن‭ ‬كسبايا‭. ‬وتم‭ ‬كذلك‭ ‬اختطاف‭ ‬شيوخ‭ ‬وأعيان‭ ‬القبائل‭ ‬وتحطيم‭ ‬رمزيتهم‭ ‬بإخضاعهم‭ ‬لفترات‭ ‬تدريب‭ ‬مهينة‭ ‬وحاطة‭ ‬بالكرامة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬«مدرسة‭ ‬12‭ ‬أكتوبر»،‭ ‬وإجبارهم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬حلق‭ ‬لحاهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يوزعوا‭ ‬كحراس‭ ‬وبوابين‭ ‬والقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬البناء‭ ‬والكنس‭ ‬وتنظيف‭ ‬المراحيض‭.. ‬

‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬مليشيات‭ ‬البوليساريو‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وتحت‭ ‬إشراف‭ ‬ضباط‭ ‬الأمن‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬بإقامة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السجون،‭ ‬منها‭ ‬سجن‭ ‬«الرشيد»‭ ‬الرهيب،‭ ‬وسجن‭ ‬«عظيم‭ ‬الريح»،‭ ‬وسجن‭ ‬النساء‭ ‬المعروف‭ ‬«بسجن‭ ‬الرويضا»‭ ‬و«الذهيبية»،‭ ‬حيث‭ ‬عانت‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬من‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الجنسية‭ ‬والتعذيب‭ ‬والإجهاض‭ ‬والمتاجرة‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬«اطفال‭ ‬الغار»،‭ ‬وهم‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يولدون‭ ‬بسبب‭ ‬الاغتصاب‭ ‬والعلاقات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬مع‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬سجن‭ ‬الحوامل،‭ ‬وبعد‭ ‬الولادة‭ ‬يغادرن‭ ‬بدون‭ ‬أطفالهن‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬الاتجار‭ ‬بهم‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬مصيرهم‭. ‬

ومع‭ ‬توالي‭ ‬السنين‭ ‬ازدادت‭ ‬حدة‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬أعدادا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬تمنع‭ ‬عليه‭ ‬الاشتغال‭ ‬فوق‭ ‬أراضيها‭ ‬والاندماج‭ ‬بين‭ ‬ساكنة‭ ‬الجنوب،‭ ‬وتعاملهم‭ ‬معاملة‭ ‬الرهائن،‭ ‬بل‭ ‬وتعمد‭ ‬إلى‭ ‬تشغيل‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬البعيدة‭ ‬في‭ ‬منشآت‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري‭. ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬شباب‭ ‬المخيمات‭ ‬وكذا‭ ‬العناصر‭ ‬المجندة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬سنة‭ ‬1991‭ ‬م،‭ ‬مجالا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬احتراف‭ ‬التهريب‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬والإرهابية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ومع‭ ‬توسع‭ ‬حالة‭ ‬التسيب‭ ‬الأمني‭ ‬وانتشار‭ ‬العصابات‭ ‬قامت‭ ‬الجزائر‭ ‬بمضاعفة‭ ‬إجراءات‭ ‬الاحتجاز‭ ‬ومنع‭ ‬الرهائن‭ ‬من‭ ‬التنقل‭ ‬بين‭ ‬المخيمات‭ ‬الخمس‭ ‬الا‭ ‬بترخيص،‭ ‬ومنع‭ ‬التنقل‭ ‬كذلك‭ ‬خارج‭ ‬المخيمات،‭ ‬وتجريم‭ ‬محاولات‭ ‬الهروب‭ ‬والعودة‭ ‬الى‭ ‬المغرب،‭ ‬وعمدت‭ ‬الى‭ ‬بناء‭ ‬حواجز‭ ‬تحيط‭ ‬بكل‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬الخمس‭.‬

عدم‭ ‬إحصاء‭ ‬المحتجزين‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬امام‭ ‬وضعية‭ ‬رهائن
لقد‭ ‬تقدم‭ ‬المغرب‭ ‬بطلب‭ ‬إلى‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للمفوضية‭ ‬لإحصاء‭ ‬سكان‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1976،‭ ‬كما‭ ‬وجهت‭ ‬بعدها‭ ‬المفوضية‭ ‬عدة‭ ‬طلبات،‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬الى‭ ‬الجزائر‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1977‭ ‬لتمكينها‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬إحصاء‭ ‬في‭ ‬مخيفات‭ ‬تندوف‭. ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬تواجد‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬بعد‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬معرفة‭ ‬العدد‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬ينحدرون‭ ‬فعلا‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الصحراوية‭ ‬المغربية‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬

ولازالت‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين،‭ ‬تتخبط‭ ‬بشأن‭ ‬العدد‭ ‬الحقيقي‭ ‬للسكان‭ ‬المحتجزين‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬أرقام‭ ‬متناقضة‭ ‬ومصطنعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬كما‭ ‬أنها،‭ ‬لم‭ ‬تندد‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬الآن‭ ‬بعمليات‭ ‬تجنيد‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬ميليشيات‭ ‬«البوليساريو»،‭ ‬وهي‭ ‬ممارسة‭ ‬تشكل‭ ‬انتهاكا‭ ‬خطيرا‭ ‬لالتزام‭ ‬احترام‭ ‬الطابع‭ ‬الإنساني‭ ‬والمدني‭ ‬للمخيمات،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬تجاهلها‭ ‬لعمليات‭ ‬التهجير‭ ‬التعسفي‭ ‬والانفصال‭ ‬القسري‭ ‬بين‭ ‬العائلات‭ ‬وانعدام‭ ‬السلامة‭ ‬والأمن‭.‬
‎‎
فمنذ‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬1979 (2011)،‭ ‬وطيلة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬سنة،‭ ‬لازال‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يطالب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قرار‭ ‬يخص‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء،‭ ‬بضرورة‭ ‬إحصاء‭ ‬ساكنة‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭. ‬وطيلة‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬لازالت‭ ‬الجزائر‭ ‬ترفض‭ ‬الامتثال‭ ‬لقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المتتالية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬التدابير‭ ‬اللازمة‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للانتهاكات‭ ‬وضمان‭ ‬حماية‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭. ‬ومنذ‭ ‬سنة‭ ‬1977‭ ‬لازالت‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ ‬تتقاعس‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بواجبها‭ ‬اتجاه‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحتجزين‭.‬
 
من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يتبين‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬المحتجزين‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬رهائن‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬ومليشيات‭ ‬البوليساريو،‭ ‬ولا‭ ‬تنطبق‭ ‬عليهم‭ ‬بتاتا‭ ‬مقتضيات‭ ‬اتفاقية‭ ‬1951‭ ‬الخاصة‭ ‬بوضع‭ ‬اللاجئين‭ ‬ولا‭ ‬يندرجون‭ ‬ضمن‭ ‬تعريف‭ ‬«لاجئ»،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭. ‬ولكن‭ ‬تنطبق‭ ‬عليهم‭ ‬مقتضيات‭ ‬وتعريف‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضـة‭ ‬أخـذ‭ ‬الرهائن،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬34/146‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬دجنبر‭ ‬1979،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالرهائن‭. ‬
 
محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية