ليس من السهل على بلد أن يجمع بين عمق التاريخ، وغنى الثقافة، وتسارع التنمية، ثم ينجح في الوقت نفسه في فرض حضوره القاري والدولي. المغرب فعل ذلك، ولذلك كان محطّ أنظار العالم… ومحطّ انزعاج البعض أيضًا.
فهذا البلد، الذي شكّل عبر قرون طويلة ملتقى حضاريًا بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي، ظل محافظًا على خصوصيته، دون أن ينغلق على ذاته. من الدول المغربية الأولى إلى الدولة العلوية، ظل المغرب كيانًا متماسكًا، يعرف كيف يدير تنوعه الثقافي والديني واللغوي، ويحوّله إلى مصدر قوة لا إلى عامل انقسام.
واليوم، و مع تنضيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم، بدا واضحًا أن المغرب لم يكن فقط يستعد لحدث رياضي، بل كان يؤكد مرة أخرى قدرته على التنظيم، والأمن، والانفتاح. ولهذا شددت السلطات المغربية على أن الإجراءات المتخذة ليست موجهة ضد أحد، ولا تندرج في إطار سياسي ضيق، بل هي تدابير استثنائية فرضتها اعتبارات أمنية خالصة، هدفها حماية المنتخبات المشاركة وضمان سلامة الجماهير المغربية والإفريقية والأجنبية.
غير أن هذا الحرص المشروع لم يأتِ من فراغ. فالمعطيات التي ظهرت للعلن، سواء عبر تصريحات أو مواقف موثقة لسياسيين وإعلاميين ومؤثرين في دولة مجاورة، كشفت وجود نوايا مقلقة للتشويش على نجاح المغرب في احتضان هذا العرس القاري. بل إن بعض تلك التصريحات تجاوزت حدود النقد إلى التهديد الصريح بزعزعة الأمن والاستقرار، وهي تصريحات ما تزال محفوظة في تسجيلات مصورة ومتداولة على نطاق واسع.
ومع ذلك، فإن الرد المغربي لم يكن انفعاليًا، بل كان عمليًا وهادئًا. فمع انطلاق منافسات كأس إفريقيا للأمم، نجح المغرب في خطف أنظار القارة والعالم، ليس فقط داخل الملاعب، بل خارجها أيضًا. والدليل الأبرز على ذلك هو تجاوز عدد عمليات البحث عن المغرب عبر محرك غوغل حاجز المليار عملية بحث، في فترة زمنية وجيزة. رقم صادم ومثير، يعكس حجم الفضول العالمي، والاهتمام غير المسبوق بتاريخ المغرب وثقافته ونموذجه التنموي.
مليار بحث ليست رقمًا عابرًا، بل رسالة واضحة: العالم يريد أن يعرف المغرب، لا كما يُقدَّم في خطابات عدائية، بل كما هو في واقعه—بلد آمن، منفتح، قادر على التنظيم، وصاحب تجربة فريدة في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
وهكذا، يثبت المغرب، مرة أخرى، وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أنه بلد لا تُربكه الحملات، ولا تُضعفه المناورات، بل يخرج من كل اختبار أكثر حضورًا، وأكثر ثقة، وأكثر إشعاعًا