يحتفل العالم باليوم الدولي للديمقراطية الذي يصادف الخامس عشر من شتنبر من كل سنة ويخصص لاستعراض حالة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، كما يشكل فرصة لاثارة الانتباه لأهمية تعزيز التمسك بحرية التعبير والحريات المدنية وسيادة القانون، وضمان خضوع المؤسسات للمساءلة وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
غير أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد بهذه المناسبة في رسالته الى مختلف دول العالم ونخبها، أنه " مع ذلك فإنّ هذه الحقوق والقيم، تتعرض للهجوم في جميع أنحاء العالم، موضحا " أن الحريات تُنتقص، والفضاء المدني يتقلص، والاستقطاب يزداد حدة، وانعدام الثقة آخذة في الإزدياد".
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أقرت عام 2007، الاحتفال باليوم الدولي للديمقراطية، وأكدت أن الديمقراطية تشكل قيمة عالمية تستند إلى إرادة المواطنات والمواطنين التي يتم التعبير عنها بحرية لتحديد أنظمتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما حثت الحكومات على تعزيز البرامج الوطنية المكرسة لتعزيز الديمقراطية وتوطيدها.
تراجع الثقة
وإذاكان اليوم الدولي للديمقراطية، يكتسى أهمية خاصة خلال العام الجاري، لكونه يشهد إجراء انتخابات في أزيد من 50 بلدا، يشكلون نصف سكان العالم، فإن هذه الاستحقاقات تتزامن مع الأزمة العميقة التي تشهدها الديمقراطيات الغربية، والتي تشكل تهديدا كبيرا على استقرار أنظمة، المجتمعات الغربية وعلى تجانسها. من بين معالم هذه الأزمة، صعود التيارات اليمينية المتطرفة بعدد من بلدان القارة الأوروبية، التي استفادت من تراجع شعبية الأحزاب التقليدية، والعزوف عن الاهتمام بالشأن السياسي وتقلص نسب المشاركة في الانتخابات وفي الانتماء للأحزاب السياسية.
كما يعود " العياء الديمقراطي" الذي تعانى منه عدد من الديمقراطيات الغربية، خاصة بالقارة العجوز في جانب منه إلى انخفاض في منسوب الثقة بالهيئات السياسية والنخب، وكذلك تراجع أداء النقابات وهيئات المجتمع المدني، وهو ما ساهم في تقدم التيارات اليمينية المتطرفة في الانتخابات، رغم أن هذه التنظيمات الشعبوية، لا تخفى عدائها الواضح للديمقراطية التمثيلية.
إرتداد ديمقراطي وشعبوية
وهناك عوامل أخرى ساهمت بدورها في الصعود المدوى لليمين الشعبوى منها تدنى مستوى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بأوروبا، وتآكل الطبقة السياسية وفشلها في إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة، وهو ما مكن من ضاعف جاذبية الخطاب الشعبوي لدى الجمهور، وطرحت معه تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية التي هي في حدودها الدنيا، نظام سياسي يقوم على أساس الانتخابات الحرة والتنافسية، والمنتظمة، رغم أن الديمقراطية تفترض كذلك وجود هوامش لحركات المعارضة السياسية وللأحزاب التي تمثل مجالا ملموسا من خيارات الناخبين، إذ يستطيع قادتها أن يتنافسوا علنيا على مواقع السلطة، لكن من خلال توفير ضمانات ممارسة هذه الحقوق السياسية والمدنية كحرية التعبير والصحافة وحرية الاجتماع و المعتقد .
وتمثل حرية الصحافة، حجر زاوية للديمقراطية، لدورها في إتاحة فرص التصويت الواعي والحر، من خلال التعريف بكافة الخيارات المطروحة، وتوفير المعلومات ذات الصلة. كما أن الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، مبادئ رئيسة تقوم عليها كذلك المجتمعات المحتضنة للجميع والتواقة للسلام، فهذه المبادئ تكفل الحرية، وتدفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام، وتوفر الحماية للحقوق والكرامة للجميع.
ديمقراطية وحروب
لكن في ظل عالم جد مضطرب، ومعولم، وعودة للحروب في عدد من المناطق، وتفشي العنصرية والنزاعات ذات الطبيعة العرقية والطائفية، وتعدد ظواهر التطرف وعدم التسامح وتغذية وتشجيع الميولات الاستبدادية، وانتقال المجتمعات في من الميل الطبيعى للديمقراطية، إلى الشعبوية، نجم عنه " الارتداد عن الديمقراطية" التي ليست مجرد مؤسسات وفصل للسلطات وقضاء مستقل. بل تتطلب كذلك، أن تتمكن المواطنات والمواطنين من ممارسة هذه الديمقراطية حتى تتطور وتنمو. وهنا يمكن للإعلام الحر والمستقل والتعددي، أن يساهم بدوره في تنشيط النقاش حول قضايا الديمقراطية، خاصة عندما تكون مؤسسات الوساطة من أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني، قد فقدت مصداقيتها، فإن الإعلام، يظل حاضرا، باعتباره الأداة الرئيسة لتشكيل الرأي العام وتوفير المعلومات المخالفة. إلا أن دور وسائل الإعلام وقدرتها على تعزيز الديمقراطية، لازالت جد محدودة، ولم تنل الاهتمام المطلوب من الأوساط العلمية المعنية بالديمقراطية.
ديمقراطية وذكاء اصطناعي
وإذا كان اليوم الدولي للديمقراطية ينعقد هذه السنة تحت شعار " الذكاء الاصطناعي"، فإن الأمين العام للأمم المتحدة اعتبر في رسالته أن هذا الموضوع ينطوي على القدرة على تعزيز وتعضيد المشاركة العامة الكاملة والفعالة، والمساواة، والأمن، والتنمية البشرية، وكذلك النهوض بالتثقيف بشأن العمليات الديمقراطية، وتشكيل فضاءات مدنية أكثر شمولاً حيث يكون للأفراد رأي في ما يتخذ من قرارات ويكون بوسعهم مساءلة متخذي هذه القرارات.
غير أن الأمين العام دعا بالمقابل الى تجنب المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي دون رادع، والتي قد تكون لها آثار وخيمة على الديمقراطية والسلام والاستقرار، من خلال انتشار المعلومات الزائفة والمضللة، وتنامى خطاب الكراهية، واستخدام ما يسمى بالتزييف العميق، مشددا على ضرورة " أن يخدم الذكاء الاصطناعي البشرية على نحو عادل وآمن ومواصلة العمل لبناء عالم أكثر شمولاً وعدلاً ومساواة".
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي له القدرة على المساعدة في إنقاذ أهداف التنمية المستدامة وفتح آفاق مستقبل أكثر استدامة وإنصافا، فإن فرص الذكاء الاصطناعي ليست متساوية، إذ تتركز قدراته حاليا في يد قلة من الشركات الكبيرة وعدد أقل من البلدان، وهو ما يتطلب التعاون والتضامن بهدف تسخير إمكانيات هذا الذكاء بشكل عاجل لسد الفجوة في البلدان النامية، حسب الأمين العام للأمم المتحدة.