الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: العداء الجزائري مقابل الانتصار الدبلوماسي المغربي

سعيد الكحل: العداء الجزائري مقابل الانتصار الدبلوماسي المغربي سعيد الكحل

نجح المغرب، على المدى العقدين الأخيرين، في تحقيق سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية لفائدة وحدته الترابية، خصوصا بعد تقديم مقترح الحكم الذاتي سنة 2007. وفي مقدمة تلك الانتصارات خلو قرارات مجلس الأمن، منذ مبادرة الحكم الذاتي، من عبارة الاستفتاء وتقرير المصير، بحيث جاءت قرارات مجلس الأمن الصادرة منذئذ، تكرس سمو مبادرة الحكم الذاتي التي رحبت بها الهيئة التنفيذية والمجتمع الدولي باعتبارها مبادرة جادة وذات مصداقية. وقد حدد قرار مجلس الأمن رقم 2703 الذي تم اعتماده في 30 أكتوبر 2023، معايير حل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، المتمثلة في حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على روح التوافق، مجددا دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وصفها بـ "الجادة وذات المصداقية".

 

 

ظلت الجزائر تراهن على توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية المسترجعة، لكن الخسران كان حليفها في كل مرة. إلا أن الضربة القاضية التي تلقتها الجزائر تمثلت في تحرير الجيش المغربي لمعبر الكركرات وطرد فلول البوليساريو منه، والذين كانت تستغلهم كلما دنا موعد انعقاد اجتماع اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، بغرض استفزاز المغرب.

 

 

اليأس يعمق العداء الجزائري للمغرب.

لقد تزايدت المكاسب الدبلوماسية للمغرب، خصوصا بعد استرجاع عضويته في الاتحاد الإفريقي ولعبه أدوارا ريادية ضمن هياكله، ومنها رئاسته لمجلس السلم والأمن الإفريقي رغم مناورات الجزائر وجنوب إفريقيا، ثم فوزه أمام جنوب إفريقيا برئاسة مجلس حقوق الإنسان. كما تمكن من إقناع معظم الدول الإفريقية بعدالة قضيته، فسارعت إلى سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية فيما بادرت أخرى بفتح قنصلياتها بالعيون والداخلة. تواصلت النجاحات الدبلوماسية باتساع الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، وكان أقواها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وما تلاه من مواقف أوربية مؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (إسبانيا، ألمانيا) ثم الضربة القاضية لأوهام الجزائر التي أحدثها قرار الرئيس الفرنسي "ماكرون" الاعتراف بهذه السيادة ودعمها في المحافل الدولية.

 

 

بقدر ما يحققه المغرب من مكاسب دبلوماسية، بقدر ما يتعمق العداء الجزائري له. الأمر الذي يفسر تسارع القرارات العدائية لحكام الجزائر ضد المغرب، ومنها:

 

 

ـ إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات، بقرار من المجلس الأعلى للأمن بالجزائر يوم الأربعاء 22 سبتمبر 2021؛ إذ جاء في بيانه الرسمي أن "المجلس الأعلى للأمن قرر الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وكذا التي تحمل رقم تسجيل مغربي ابتداء من اليوم".

 

 

ـ قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 غشت 2021. وهذا قرار، كما جاء في بيان وزارة الخارجية المغربية "كان متوقعًا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده في الأسابيع الأخيرة". بل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى حد التأكيد، في مارس 2023، أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى “نقطة اللاعودة" بسبب ما سماه "استفزاز المغرب المستمر للجزائر".

 

 

ـ إغلاق أنبوب الغاز أوروبا ـ المغرب العربي حيث صدر بيان لرئاسة الجمهورية جاء فيه: "تسلم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اليوم تقريرا حول العقد الذي يربط الشركة الوطنية سوناطراك بالديوان المغربي للكهرباء والماء، والمؤرخ في 31 (تموز) يوليو 2011، الذي ينتهي اليوم،31 (تشرين الأول) أكتوبر2021، منتصف الليل". وأضاف البيان "أمر السيد رئيس الجمهورية، الشركة الوطنية سوناطراك بوقف العلاقة التجارية مع الشركة المغربية، وعدم تجديد العقد". وقد بررت الجزائر إيقاف أنبوب الغاز أوروبا-المغرب العربي، المار عبر الأراضي المغربية " جي أم إي" بما وصفته بـ "الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية". علما أن المغرب لم تصدر عنه أي ممارسات عدوانية، بل ظل يمد يده للسلطات الجزائرية ويدعوها للحوار وفتح الحدود. أما العدوان الحقيقي فهو ما يصدر عن حكام الجزائر سواء بالدعم العسكري والمالي أو الدبلوماسي والإعلامي للبوليساريو الذي صار هو قضيتهم الأولى والوحيدة التي تشغلهم ولا يكفون عن إثارتها في كل المحافل والمنتديات الدولية حتى وإن تعلق موضوعها بالمناخ.

 

ـ منع السفن الجزائرية من التزود بالمواد من ميناء طنجة تنفيذا لقرار حكام الجزائر الذي أبلغته الجمعية المهنية للأبناك والمؤسسات المالية في الجزائر إلى مدراء الموانئ الجزائرية بأنه "في إطار عمليات التجارة الخارجية تقرر رفض أي عملية توطين لعقود النقل التي تنص على إعادة الشحن أو العبور عبر الموانئ المغربية". قرار سرعان ما تراجعت عنه الجزائر بعد بضعة شهور بسبب ارتفاع تكاليف الشحن من موانئ أوربية بعيدة.

 

ـ الانسحاب من المباريات الرياضية التي تحمل فيها الفرق خارطة المغرب بصحرائه. إذ نقل حكام الجزائر العداء للمغرب إلى المجال الرياضي تغذية لحقدهم الدفين وعدائهم المَرضي، كما داسواعلى قوانين الاتحاد الأفريقي لكرة القدم كاف، بمنع رفع العلم الوطني المغربي في المنافسات القارية التي تقام على أرضهم.

 

ـ منع الأساتذة والباحثين من المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تنظم في المغرب. إذ جاء قرار المنع في الرسالة التي وجهتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية إلى رؤساء "الندوات الجهوية للجامعات". كما شمل قرار الوزارة منع الأساتذة والباحثين من نشر بحوثهم في المجلات المغربية وكذا الانسحاب من عضوية إدارتها، وفق ما جاء في الرسالة: “لقد تلقت مصالحنا مراسلة من وزارة الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، تعلمنا من خلالها عن عضوية عدد من الأساتذة الجامعيين الجزائريين في اللجنة العلمية للمجلة المغربية التي تدعى “الباحث”، والتي يديرها الأستاذ محمد القاسمي مغربي الجنسية.

 

ـ تهريب جمهورية الوهم داخل حقيبة. وهي آخر فضيحة ارتكبتها الدبلوماسية الجزائرية بتهريبها جمهورية الوهم داخل حقيبة لحضور الأشغال التحضيرية للنسخة التاسعة لقمة “تيكاد” الإفريقية اليابانية المقررة في السنة المقبلة. علما أن الاتحاد الإفريقي اتخذ قرارا بألا تشارك في مثل هذه المنتديات إلا الدول الأعضاء في هيأة الأمم المتحدة. وسبق لطوكيو أن حددت في وثيقة رسمية من البعثة اليابانية لدى الاتحاد الأفريقي، أُرسلت إلى مفوضية الاتحاد الأفريقي في 19 غشت من عام 2022، أن الدول التي تحضر قمة "تيكاد" هي تلك التي تلقت دعوة موقعة من رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميو والرئيس التونسي قيس سعيد. إلا أن الجزائر أصرت على إحضار ممثل البوليساريو متخفيا باسم الوفد الجزائري.

 

ـ نصب الصواريخ على الحدود مع المغرب؛ إذ نشرت صحيفة larazon الإسبانية تقريرا مرفوقا بالصور أكدت فيه أن "الجزائر نشرت صواريخ قرب حدودها مع المغرب". كما أظهرت الصور التي نشرتها صفحات ووسائل إعلام جزائرية أنظمة صواريخ أرض-جو روسية الصنع من طراز S-350 مثبتة على قواعد عسكرية جزائرية قريبة من الحدود الشرقية للمملكة. وقد تبينت صحة هذه الصور فيما بعد، حيث تم بالفعل التقاطها من قاعدة بوفاريك؛ وهي خاصة بمنظومة صواريخ أرض-جو روسية الصنع من طراز S-350، بعد شرائها في عام 2020.

 

ــ إجراء مناورات عسكرية على الحدود مع المغرب. ففي يناير 2021 أجرى الجيش الجزائري مناورات عسكرية جوية وبرية كبرى في ولاية تندوف قرب الحدود مع المغرب، وقد بث التلفزيون الرسمي مشاهد منها. كما جرت مناورات أخرى حملت عنوان "الحزم 2021"، بإشراف شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري. وفي ماي 2024 أجرت الجزائر مناورات عسكرية ليلية أطلق عليها اسم "شهاب 24" بالقرب من الحدود مع المغرب.

 

إن تسارع القرارات العدائية التي اتخذها حكام الجزائر إلى جانب قرارات متهورة أخرى، ومنها سحب السفراء من بعض الدول التي اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء (إسبانيا، فرنسا) أو فتحت قنصليات بالعيون والداخلة (تشاد)، هي تعبير عن الفشل الذريع الذي انتهت إليه مخططاتهم. إذ لم تكفهم ملايير الدولارات التي بذروها على البوليساريو، ولا التحالف مع التنظيمات الإرهابية لمهاجمة المغرب، فها هم يلجأون إلى التسلح ( 23 مليار دولار سنويا)؛ وقد كانوا على وشك مهاجمة المغرب عسكريا لولا التفوق الذي حققه المغرب بامتلاكه الأسلحة النوعية التي حصل عليها من أمريكا وإسرائيل، خصوصا بعد استئناف العلاقات مع هذه الأخيرة. ولعل تصريح وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة خلال إحدى الندوات الصحافية بأنّ "التكهن بما قد يحصل مستقبلا.. لا أريد أن أخوض في ذلك، والفرضيات مفتوحة،" فيه أكثر من دلالة.