مما لا يدع مجالا للشك وهو أن ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى جعل من المملكة المغربية قبلة للتسامح والتعايش والتعارف والسلم والسلام والأمن والأمان، وهذا بفضل نموذجه الديني المبني على الوسطية والاعتدال وعدم التكفير، بالإضافة إلى مؤسسة إمارة المومنين، التي تعتبر صمام أمان في المملكة المغربية والدول الإفريقية، لما لها من أدوار طلائعية في خدمة الأمن الروحي والغذائي كذلك ، ولهذا عرفها ابن خلدون في مقدته فقال: “حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا”، فإمارة المؤمنين في المغرب كما في التعريف أعلاه ليست سلطة سياسية يخوّل إليها تسييس الشعوب في مصالحهم الدنيوية فحسب؛ بل يناط بها في المقام الأول حراسة الدين من خلال الحفاظ على ثوابته ورعاية قواعده وتعزيز أواصر الأخوة الإيمانية بين المنتسبين إليه، يقول تعالى "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".
فإمارة المؤمنين قضية مصلحية دينية ودنيوية. وإذا كان مصطلح إمارة المؤمنين قد عرف في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد استمر عبر الأحقاب والعصور تُفرِض عليه الظروف الزمانية والمكانية طوابع مختلفة على حسب مقتضيات تلك الأعصر والأمكنة لمرونة المصطلح وللتغير المستمر في التاريخ. وقد ظل الخلفاء بعد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتوارثون هذا اللقب في بلاد الحجاز والشام والعراق حتى جاء المولى إدريس الأول وتبنى نظام إمارة المؤمنين في المغرب، وإن كانت الوثائق تؤكد بأن أول من حَمِل لقب أمير المسلمين من سلاطين المغرب هو "السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين بعد انتصاره في موقعة الزلاقة بالأندلس" ( Batalla de Sagrajas ) سنة 1086م استطاع فيها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائد المرابطين يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية إلحاق هزيمة كبيرة بجيش قشتالي مسيحي بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون.
قلت: قامت إمارة المؤمنين في المغرب على أسس شرعية، تولى أمرها أهل العلم والورع والشرف
ومن الجدير بالذكر أنه ليس على وجه المعمورة اليوم بيعة بإمارة المؤمنين على الوجه الشرعي غير هذه التي منّ الله بها على أهل المغرب، بل على عالم المؤمنين كافة من خلال الأسرة العلوية الشريفة بالمملكة المغربية، والمهمة الأولى لإمارة المؤمنين هي الحفاظ على بيضة الدين ورعاية ثوابته، وهي مهمة تسهر عليها وتقوم بها مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب خير قيام. وفي هذا السياق تم تأسيس العديد من المؤسسات الدينية في المملكة المغربية والتي عرفت تطورات مهمة في عهد جلالة الملك محمد السادي حفظه الله تعالى منها: "مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة" فهذه المؤسسة الدينية".
تقوم بنشاطات دينية ودعوية وتربوية وتعليمية جبارة في المملكة المغربية وفي الدول الإفريقية، بفضل روابط وعوامل جغرافية وتاريخية تشكلت بين المغرب والبلدان الإفريقية منذ قرون، ظل المغرب وفيا لها عبر تاريخه الطويل، بحيث انتشر الاسلام في القارة الافريقية على يد علماء مغاربة متصوفة الذين نشروا الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعن طريق الحب والتسامح والسلام، ومساعدة الفقراء والاعتناء بهم عن طريق الزوايا الذي تم إنشاؤها في ربوع قارة إفريقيا، لهذا يسمى المتصوف عندنا في المغرب بالفقير، هذه العلاقة الروحية التي تشكلت بين إفريقيا والمغرب جعلت مؤسسة إمارة المؤمنين تحرص على الحفاظ على علاقات متميزة مبنية على ثوابت مشتركة مع هذه البلدان، وظلت هذه العلاقات عبر التاريخ متينة لم تتأثر بالأيديولوجيات الوافدة ولا بالأطماع الاستعمارية، وأثمرت رغبة مشتركة لدى الجميع في خلق وتطوير آليات للتعاون خاصة في المجال العلمي والروحي. من هذا المنطلق جاء إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ثمرة لهذا التعاون من أجل أن تكون إطارا لتوحيد الجهود بين علماء القارة الإفريقية من جهة، وبين بعضهم البعض من جهة أخرى، على ما يحفظ الدين من التشويه والتطرف، وما يجعل قيمه السمحة في خدمة الاستقرار والأمن والسلام والتنمية في هذه البلدان.
وقد تأسست مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في 13 يوليو 2015، ويرأسها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى، ويقع مقرها في مدينة فاس في المملكة المغربية. كما أنها جعلت من اهدافها محاربة التشدد والتنطع والتكفير والإرهاب عن طريق إحياء التراث الإسلامي الوسطي الصحيح، مع التجديد في العلوم الدينية وعصرنتها وملاءمتها مع واقعها، وإقامة الأنشطة الفكرية والثقافية التي من شأنها إعطاء حيوية وحركية جديدة في مجالات الشؤون الدينية والفكرية والثقافية.
المؤسسة تتعاون مع كل الهيئات والمنظمات والمراكز الافريقية الرسمية وغير الرسمية التي تشترك معها في الأهداف والغايات..فالمكانة المرموقة التي يتمتع بها جلالة الملك لدى الشعوب الإفريقية ورؤسائها ، وموقعه الديني كأمير للمؤمنين وسبط النبي الكريم، تعطي للشعوب المسلمة الإفريقية شحنة إيمانية قوية تنهل من النموذج المغربي القائم على الوسطية والاعتدال والتعايش والمحبة والتضامن بين بني البشر. لهذا أولى جلالته ومنذ جلوسه على عرش اسلافه الميامين الاهتمام بإخوانه في القارة الإفريقية مما تعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها المغرب لتعاونه مع هذه البلدان ليس فقط من الناحية الاقتصادية والسياسية ولكن أيضا من الناحية الدينية والاجتماعية، فالزيارات المتكررة لجلالته للدول الافريقية ليست موسمية بل أخذت طابعا ثابتا واستراتيجيا يعكس عراقة الأواصر والروابط التاريخية التي تجمع المغرب بجذوره الافريقية، فسياسة جلالته عندما يتوجه نحو عمقه وامتداده الافريقي، متسلحا بنموذجه الديني، الذي برهنت الأيام أنه قائم على الدعوة إلى السلام بالحكمة والموعظة الحسنة ونابذ لكل أشكال العنف والتطرف، فإنما يكون بذلك من الدول التي تساهم في إرساء الاستقرار في مناطق المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط، والساحل و إفريقيا وحتى أوروبا.
إن نجاح التجربة المغربية في المجال الديني والروحي بقيادة مؤسسة إمارة المؤمنين الذي يترأسها جلالته أضحت محط اهتمام من قبل العديد من الدول الغربية والإفريقية الإسلامية مما دفعها إلى إرسال بعثات من الأئمة للتكوين على يد علماء مغاربة أجلاء، وذلك لم يكن من باب الصدفة بل هو اعتراف بالعمل الدؤوب الذي قام به جلالة الملك محمد السادس من أجل تجديد الحقل الديني بالمغرب .
وختاما، فخلال 25 سنة من الحكم الرشيد لجلالته، رفع من علاقات الشراكة البناءة مع باقي الدول والقارات الأمريكية والأوروبية والأسيوية والإفريقية، وفق دينامية منفتحة ومتكاملة ومنسجمة، المرتكزة على تحقيق الازدهار والتنمية والسلم والسلام والوسطية والاعتدال والتعايش بين مختلف الشعوب والديانات السماوية جعلت من المملكة المغربية منارة عربية وإسلامية حقيقية، بسبب المجهودات الجبارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس خلال ربع قرن من العطاءات والبركات والإنجازات..
الصادق العثماني، أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية