الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

لحسن العسبي: السيد شنقريحة حرب الرمال لن تقع

لحسن العسبي: السيد شنقريحة حرب الرمال لن تقع لحسن العسبي والسعيد شنقريحة يتسلم "هدية" من وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنيه، خوذة لجندي فرنسي

قد ندغدغ غرورنا قليلا (كما يريد ذلك خبراء الأساليب المخابراتية الجزائرية) ونفرح أن قميص فريق كرة قدم مغربي انتصر على نظام سياسي بقضه وقضيضه هو النظام الجزائري، لكن فطنتنا الوطنية المغربية الصلبة التي شحذتها امتحانات عظام تحمينا لندرك بوضوح وهدوء أن مجال "التفوق المغربي" الحقيقي كامن في واقع الأمور ميدانيا في ملعب آخر وفي مجالات أخرى أشد مضاضة على أصحاب القرار بقصر المرادية بالجزائر العاصمة.

صحيح أنه لا يمكن التغاضي ولا القفز (بقراءة نقدية مسؤولة) على تسجيل واقعة مؤسفة هي أن النظام السياسي الجزائري قد اختار أن يسجن نفسه في زاوية ضيقة صغيرة، حين جعل من معركته (في هذه المحطة ضمن صيرورة عدائه لكل ما هو مغربي كمنهجية حكم بشكل باثولوجي للأسف منذ وصول الثنائي شنقريحة – تبون إلى موقع القرار بالجزائر) معركة مع قميص كرة. فهو بذلك قد بهدل صورة بلده وشعبه الذي له تاريخه الرمزي في ذاكرة الأيام والناس مهما كان، وجعل عنق المعنى "قد السمسمة" بتعبير إخوتنا المصريين. حتى والحقيقة هي أن الحساب الذي حرك مهندسي القرار لاستنهاض حمية "القومية الوطنية الجزائرية" بوهم تهدديها بخطر خارجي (رسم خريطة المغرب على قميص فريق كرة)، إنما غايته التجييش العام لحمية الجزائريين الوطنية لتشتيت الاهتمام عن الإعلان في ذات اليوم من قبل زعيم حركة ماك القبايلية فرحات مهني (التي تعتبرها الجزائر حركة إرهابية متطرفة) تأسيس "الجمهورية المستلقة للقبائل" من داخل رمزية فضاء هيئة الأمم المتحدة بنيويورك يوم 20 أبريل 2024، الذي يتصادف للإشارة مع تواريخ خاصة عند مناضلي الحركة القبايلية الأمازيغية بالجزائر ("ربيع الأمازيغ" بتيزي وزو الذي هو مظاهرات 20 أبريل 1980/ "الربيع الأسود" ليوم 20 أبريل 2001 الذي ووجه بالرصاص وسقط فيه عشرات القتلى)، مثلما أن ساعة الإعلان تم اختيارها بدقة وهي الساعة 6 . 57 مساء التي تصادف ساعة قضاء القوات الفرنسية الإستعمارية بقيادة الماريشال جاك لوي روندون على ما يعرف في الأدبيات التاريخية ب "جيش القبايل" سنة 1856 (وهو النصر العسكري الذي حاز بسببه رتبة ماريشال مقيم عام بالجزائر).

صحيح إذن أنه لا يمكن التغاضي على تسجيل ذلك، لكن أعتقد تحليليا أن أسباب القلق الأكبر كامنة في جغرافيات أخرى.

مخاطر اليأس الجزائري

علمت منذ فترة أن مسؤولا ديبلوماسيا إفريقيا رفيعا، عاد من زيارة مجاملة وسياحة إلى الجزائر على عهد الولاية الأخيرة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (هو الذي عمل سفيرا لبلاده بها)، حين سئل عن رأيه في الواقع الجزائري مقارنة بما يعرفه عن الواقع المغربي، حيث قال:

"لا مجال للمقارنة بين الواقعين، حين كنت هناك بالجزائر كانت المسافة بينهما تتطلب من الجهة الجزائرية ولاية رئاسية واحدة (خمس سنوات) للحاق بالمغرب، أما اليوم فهي تتطلب ثلاث ولايات رئاسية بعمل تنموي متواصل (أي 15 سنة). لكن أخطر ما سجلته وهو المقلق أكثر ارتفاع منسوب اليأس العام على كافة المستويات، فالجميع شبه مشلول بلا إرادة ولا أمل ينتظر معجزة ما".

يجد جزء مما رشح من النخب الجزائرية (الإعلامية والرياضية والحزبية) من ردود فعل متشنجة مبالغ فيها هذا الأسبوع، تجافي حتى الوقائع القانونية المنظمة لإجراء مقابلة رياضية عادية كما تحددها النصوص التنظيمية للاتحاد الإفريقي (الكاف) في محطة تنافسية عادية ضمن صيرورة منافسة كأس الإتحاد الإفريقي طرفها فريق مغربي (من مكر الأمور أن الصدفة جعلته الفريق السابق لرئيس الجامعة الملكية لكرة القدم السيد فوزي لقجع الذي تم تحويله إعلاميا هناك إلى شماعة لسلسلة تحاملات فقط بسبب نجاحه في مهامه الرياضية ببلده المغرب).. أقول يجد جزء مما رشح عن تلك النخب الجزائرية بعض الجواب عن مستوى اليأس الذي أصبح يرزح فيه الفاعل الجزائري في الدولة وفي المجتمع هناك. إذ يخشى ألا نجد له من تفسير سوى أنه "يأس العاجز"، الذي يدفع صاحبه صوب ردود تصنف ضمن خانة "التخبط". وهذا أمر يفرض على "العقل الوطني الجزائري" (وهو خامة كامنة) أن ينتبه إلى مزالق هذا التوجه الذي تؤخذ إليه بلاد الأمير عبد القادر، كونه يبعدها فقط أكثر عن معاركها الحقيقية لإعادة البناء الوطني التنموي السلمي والتعاوني داخليا وخارجيا.

هل يجب علينا أيضا أن نصدق ما يذهب إليه بعض المسؤولين الجزائريين (في نقاشاتهم مع زملاء لهم مغاربة) من أنه علينا مغربيا ألا نحرص دوما على تخطيئ المواقف الجزائرية، كوننا لا نفهم جيدا المزاج الجزائري الذي لا يقبل النقد حتى وهو مقتنع أنه على خطأ على طول الخط. بعضهم يقول بالحرف للأسف: "نعم نحن على خطأ، لكن لا تقولوا لنا إنكم خاطئون، جاملونا. فنحن هكذا".. هل علينا أن نصدق ذلك فعلا؟ يخشى أن بعض ما سجل من ردود فعل هناك بمناسبة موقف متشنج من قميص رياضي (سيطويها النسيان بسرعة أكيد) يدفع إلى تصديق ذلك للأسف. فبعضهم ركبته الحمية وبدأ يصدر عن قاموس ثقيل يقول ب "الدود عن المقدس والسيادي" والحال أن واقع الأمور والصدق مع الذات يفرض عليهم فقط الإحتكام إلى منطق النصوص المنظمة للعبة رياضية عادية لها حجية القانون المقضي به، تنصف تماما الفريق المغربي وقميصه. بل إن الأمر في بعض البلاطوهات التلفزية وفي بعض البلاغات الحزبية أصبح شبيها بمن يستعمل قذيفة لضرب بعوضة. وهذا أمر سريالي معيب لا يليق بصورة بلد من قيمة الجزائر الشعب والناس الطيبين الفقراء إلى رحمة ربهم.

 

هل ولد جيل العداء الأعمى جزائريا ضد كل ما هو مغربي؟

يخشى أن الديناميت الذي ظلت تحشى به أنفس جيل كامل من الجزائريين يؤكد ذلك. لأنه للأسف كما لو أن مخططا نفذ منذ سنوات لتجفيف كل منابع اللحمة الأخوية بين المغربي والجزائري (التي عمدتها محطات نضالية تاريخية وطنية وسقاها الدم المشترك هنا وهناك ضد الإستبداد الإستعماري الفرنسي) قد نجح في ذلك.

فهل نحن أمام أبواب نار ستحرق الجميع؟. كل شيء وارد.

ها هنا تصبح لخلاصة الديبلوماسي الإفريقي حول الواقع الجزائري كثير حجية. أي خلاصة اليأس. لأنه للأسف كما أن الغيرة أمر واقع بين البشر (حتى بين الإخوة في عائلة واحدة) فهي أمر واقع أيضا بين الشعوب والنخب والدول. إذ بمنطق المقارنات هذا بين المنجز المغربي والمنجز الجزائري خلال الثلاثين سنة الأخيرة (منذ القرار السياسي للتداول على السلطة مع حكومة التناوب بالمغرب، والإنخراط في آلية للإنتقال الديمقراطي المؤسساتي وضع له إطاره الأوضح دستور 2011)، يخلص القارئ والمحلل إلى أن مجالات التجاوز المغربية أبعد بكثير من مجرد الغلبة في رسم خريطة على قميص فريق رياضي، وأنها هي التي تحدث كل ردود الفعل هناك من كل ما هو مغربي عند نخبة الحكم بالجزائر (نفس الواقع كان قائما بالمناسبة بين برلين وباريس وبينهما معا ولندن، ضمن سياقات عالمية غربية مختلفة بحسابات القرنين 19 و 20، بكل ما انتهى إليه من فظاعات حروب ثنائية وحروب عالمية مدمرة).

إن التحول المسجل ضمن الفضاء المغاربي والغرب إفريقي (هنا لتقرير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الذي سبق وأعدته الباحثة إيزايبل فرينفيلس سنة 2020، بعض حجيته، حتى وإن كانت خلاصاته معيبة حين طالبت بفرملة المسار التنموي للمغرب) هو أن حصيلة التحول المغربي أعلى من واقع حال باقي البلدان المغاربية (عدا موريتانيا التي انخرطت بذكاء منذ عشر سنوات في صيرورة تراكمية إيجابية تنمويا وأمنيا ومؤسساتيا). مثلا إن الواقع التونسي مؤسف مؤسساتيا وتنمويا، كما لو أن أحفاد القرطاجنيين قد فقدوا بوصلة الإبحار التي ميزتهم دوما وأن رئيسها المنتخب ديمقراطيا الحالي قيس سعيد كما لو أنه جاء فقط ليكبل طاقات نخب تونس (قوة تونس دوما كانت في نخبها مقارنة بكل النخب المغاربية)، ويخشى أن جبة تونس أكبر منه. بينما الواقع الليبي يراوح مكانه بين واقع الدولة الفاشلة وواقع تداخل الأجندات الخارجية وواقع النزوع الوطني لنخبة أصيلة ببلاد عمر المختار. في مقابل انحباس في فطنة الأفكار المبدعة في قصر المرادية بالجزائر بسبب ارتفاع منسوب الفساد المؤسساتي بالبلد، وأيضا بسبب عدم التوفق في التصالح تدبيريا مع شروط نظام السوق والعولمة سواء في بعدها الأروبي المتوسطي أو بعدها الأطلنتي ولا حتى في بعدها الآسيوي (الصيني بطريق حريرها الجديدة).

إن عناوين حصيلة التحول المغربي (المثيرة للغيرة والمقلقة للنخب الجزائرية سواء في الدولة وحتى في المجتمع للأسف) كامنة في ما يسجله الواقع من:

- تنويع غير مسبوق منذ 1994 للإقتصاد المغربي (المزاوجة فيه بين التصنيع والفلاحة والسياحة والفوسفاط)، مع انخراط في منظومة نظام السوق.

- تطوير ملموس للبنى التحتية الميسرة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية الثقيلة (بنية طرقية، بنية سككية، موانئ، مطارات، ثورة في بنية الاتصالات، تغيير في منظومة التكوين المهني التقنية لتوفير يد عاملة متصالحة مع شروط سوق العمل، تعديل شمولي لمنظومة العدالة تجاريا وإداريا، توحيد الشباك الإداري مع الرفع من منظومة محاربة الفساد دون النجاح في تطويقه كما يجب حتى الآن، إعادة هيكلة شمولية للقطاع المالي والبنكي).

- إعادة هيكلة سياسية ومؤسساتية بما يعزز من الخيار الديمقراطي والتداول على السلطة التدبيرية بين الفرقاء السياسيين (سقف دستور 2011)، يضمن السلم الاجتماعي ويقنن التدافع بين الفرقاء السياسيين. مما يترجم واقع حركية سياسية حية فيها تقدم ونكوص، لكنها ليست جامدة، وفيها طبيعيا كثير من مكر السياسة ومنطق توازن القوى.

- إعادة هيكلة شمولية للشأن الديني عبر تقوية وتعزيز الدور المحوري لإمارة المؤمنين، بشكل فوق وطني أصبح له عمق وامتداد غرب إفريقي وضمن جغرافيات الهجرة بأروبا، والتوفق في ترسيم إبعاد الدين عن السياسة وتنظيم الفتوى مؤسساتيا وحماية الخيار المذهبي للمغاربة المالكية ضد التيارات السلفية والإخوانية والشيعية.

- تجويد وتطوير البنية التحتية الأمنية والعسكرية (بشريا وتقنيا) بشكل غير مسبوق سمح للدولة المغربية بتجسير مواقعها أطلسيا ومتوسطيا وغرب إفريقيا ضمن منظومة مؤسسات أمنية وعسكرية دولية رفيعة (الأنتربول، الحلف الأطلنتي، القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، القوات الأممية بمختلف القارات خاصة بدول الساحل والكراييب).

- إعادة موضعة جديدة لموقع المغرب ضمن الخرائط الجيو ستراتيجية بغرب المتوسط وغرب إفريقيا (نهائيات كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال). ثم بالشرق الأوسط (التحالف الإستراتيجي مع اتحاد دول الخليج/ إعادة ترتيب وتدقيق للعلاقة مع واشنطن وإسرائيل وفلسطين والقدس/ تدقيق تعاون استراتيجي مع تركيا). نجاح في تنويع علاقاتها مع الفضاء الآسيوي الصاعد (علاقات استراتيجية تنموية مع الصين والهند وروسيا). ثم أخيرا إعادة هيكلة شمولية لعمق علاقاتها مع كامل إفريقيا بروح تعاون جنوب – جنوب ومنطق رابح – رابح سواء في البعد الفرونكوفوني أو الأنغلوفوني أو البرتغالي.

- العمل بهدوء وخطى رصينة لجعل الورقة المغربية وازنة ضمن أفق "سلة الخبز في العالم" خلال الخمسين سنة القادمة، عبر تجويد وتطوير منظومة الفوسفاط المغربي ومجالات إنتاج الأسمدة والطاقات الخضراء والهيدروجين الأخضر (هنا التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا أمريكيا، وروسيا وأوكرانيا آسيويا، وإثيوبيا ونيجيريا إفريقيا ذي بعد جيو- ستراتيجي).

-الإنخراط (بل وطموح قيادة الشق الإفريقي فيه) ضمن المنظومة الأطلسية الجديدة لواشنطن التي تضم اليوم 37 بلدا من القارات الأربع (إفريقيا، أروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية)...... إلخ.

ها هنا يسجل المسار المغربي عناوين تحوله وتجاوزه التي تقلق النخب الجزائرية، بل تثير غيرتها طبيعيا، وتستثير لديها كل رزنامة ردود الفعل العنيفة في المواقف والخطاب التي تعاظمت أكثر منذ وصول ثنائي السيدين شنقريحة وتبون إلى مركز القرار في الجزائر العاصمة. ويخشى جديا أنها نجحت لربما اليوم في خلق تيار مجتمعي داخل الجزائر مهيكل ضد كل ما هو مغربي وهذا مقلق بالفعل، لأنه جريمة سياسية في حق أمن كل شعوب المنطقة.

لقد تغير العالم ولم تتغير رؤية بعض النخبة الحاكمة بالجزائر الذي يخشى أن تكون فاتورته مكلفة على مستقبل الدولة الجزائرية (بدون أية مبالغة أو نية للتشفي والمزايدة). لأن مكامن الخطر فيه كامنة في إغراء وهم السعي لتعطيل المسار المغربي عبر جره للتصادم بتداخل أجندات خارجية (بعضها فرنسي للأسف وبعضها إيراني). والحال أننا مغربيا ليس لنا لا الوقت ولا الإرادة لذلك، لأن التحديات أمامنا كبلد ومجتمع لا تزال هائلة وكبيرة (لا تزال عندنا أعطاب كبيرة مجالية وأعطاب في التعليم والصحة وأعطاب في منظومة صناعة الإنسان المغربي هوياتيا وثقافيا وقيميا وسلوكيا).

إنه بكل المسؤولية الأخلاقية لا أحد من مصلحته أن تسقط الجزائر أو يتم تفتيتها لأن الفاتورة ستكون مكلفة على كامل المنطقة، على القدر نفسه الذي لا أحد من مصلحته أن يطوق المغرب ويتم تعطيل مساره التطويري (بكل الأعطاب المكبلة له داخليا وخارجيا، التي تخاطب ذكاء نخبه وعقله السياسي الوطني).

إننا نتوهم أن الجزائر أكبر من أن تجعل معركتها مع قميص فريق كرة قدم، ونوقن أن المغرب أذكى من أن ينجر إلى معارك هامشية مماثلة. أيتها الجزائر انتصري للمستقبل الذي طريقه ليست هي الطحالب التي يفرزها واقع اليأس المكبل للأمل والطاقات الآخذ بخناق نخبك الحاكمة. إنه بالغاز الجزائري والفوسفاط المغربي وحدهما سنخلق لنا موقعا في عالم الغد ضمن "سلة الخبز العالمية"، وأنه بحديد غار جبيلات بالجزائر (المدون التزام جزائري بخصوصه في اتفاقية إيفران المغربية الجزائرية لسنة 1972) وميناء الداخلة بالمغرب ستكون كل من الرباط والجزائر العاصمة صوتا ثقيلا وازنا ضمن منطق نظام السوق العالمي الجديد وعولمة القرن 21، التي هي عولمة للجنوب فيها كلمة غير مسبوقة. إننا نؤمن بيقين أنه رغم يأس الواقع فإن تفاؤل الإرادة منتصر دوما.