الثلاثاء 30 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: مفكرون ليسوا بمفكرين ...!

يونس التايب: مفكرون ليسوا بمفكرين ...! يونس التايب
لا أدري هل لاحظتم كيف صارت بعض منابر "الإعلام الجديد"، تصر على إلصاق صفة "المفكر" بأشخاص تميزوا بكثرة خرجاتهم التواصلية في السنوات والأشهر الأخيرة. والغريب أن هؤلاء الأشخاص صاروا بدورهم مصرين على اعتبار أنفسهم "مفكرين"، رغم أنهم لم يأتوا بجديد معتبر في أي مجال من مجالات الفكر أو الفلسفة، أو العلوم الإنسانية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو البحث التاريخ، وكل جهدهم الفكري يتلخص في:
- إسهامات "شفوية" عبر اليوتوب ومواقع التواصل؛ 
- حضور دائم في ندوات تنظمها نفس الحساسيات الفكرية والإيديولوجية التي ينتمون إليها؛ 
- ترديد لنفس الخطاب وترويج نفس الأفكار، على امتداد سنوات، دون تغيير ولا تعديل و ا تصويب ولاشك ولا مراجعة؛
- استمرار في الغياب عن ساحة التأليف (لا كتب ولا مقالات علمية)، وعن ساحة إنتاج أو تطوير نظريات فكرية معينة، أو تقديم أطروحة نظرية أو إبستيمولوجية جديدة. 
لذلك، أتساءل: 
- ماذا يعني بالضبط أن تكون "مفكرا" في زمننا هذا ...؟ 
- ما هي الشروط التي إذا توفرت فيك فأنت "مفكر" لا يشق لك غبار ...؟ 
- على أساس أية معايير، يصبح جائزا وصف "فلان" بأنه "مفكر" ؟ 
- هل ينطبق التعريف الموضوعي الدقيق لصفة المفكر، على مل من نراهم حاليا في الساحة من نماذج "المفكرين الجديد"، خاصة من بعض يبدو أنهم يعتقدون أنه أحق بالاستفراد ب "ساحة الفكر" في بلادنا ...؟
- هل يجوز اعتبار شخص ما "مفكرا"، إذا انتفى فيه شرط الالتزام بأخلاقيات التواصل، خاصة مع خصومه ومع عموم المنتقدين لما ينتجه من "فكر" ؟؟ 
- هل يكون الشخص مفكرا حقيقة، إذا لم يجسد قيم المسؤولية المجتمعية و لم يلتزم باحترام الاختلاف ...؟
- هل يكون الشخص مفكرا، حين يستقر خطابه في منظور واحد لا يتغير، يطبعه نزوع مستمر نحو المزايدات الصدامية، لا ينتقل من رأي مستفز إلا ليدافع عن رأي أشد استفزازا، دون إسناد كلامه بما يتفق حول رصانة "فكره" الراسخون في العلم، باختلاف مجالات العلم الممكن أن يشملها النقاش العمومي ...؟
- وهل يمكن أن يجمع المغاربة على تقدير القامات الكبيرة التي زخرت بها بلادنا و لاتزال، من مفكرين أمثال السادة عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري والمهدي المنجرة وعلال الفاسي وعبد الكريم غلاب ومحمد بنيس وطه عبد الرحمان ومحمد شفيق وعبد الله كنون والمختار السوسي ومحمد سبيلا وعبد الكبير الخطيبي، وغيرهم المئات من الأعلام الذين يستحيل ذكرهم جميعا في هذا المقام؛ ثم يأتي زمن ظلمت فيه المصطلحات واختلت المفاهيم حتى أجاز البعض لأنفسهم تضليل وعي الناس من خلال إلصاق صفة "مفكر" ب "فلان" و "علان"، من أصحاب "الشفوي الله يداوي"، بينما التاريخ يشهد وعقول المغاربة تشهد بسمو صفة المفكر ورقي قيمة أهل الفكر الحقيقيين ؟
اعذروني على هذه التدوينة القصيرة، لكنها فرضت نفسها علي، تفاعلا مع ما أتابعه من كثرة "المتكلمين" الذين دأبوا على نشر الكلام "الهضرة"، دون وعي بأنهم يسيؤون للنقاش العمومي أكثر مما يفيدون، ويسيؤون إلى تمثل الجمهور لقناعاتها "الفكرية" أكثر مما ينجحون في كسب عقول جديدة.