Wednesday 13 August 2025
كتاب الرأي

البغيل: نظرات في قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية وما تثيره من إشكالات قانونية كبيرة(1)

 
 
البغيل: نظرات في قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية وما تثيره من إشكالات قانونية كبيرة(1) عبد اللطيف البغيل
القرارات التي تصدرها وزارة الأوقاف لإعفاء الرؤساء والأعضاء الذين لم يقوموا - حسب بيان الوزارة المثير للجدل - بالتكليفات التي عينوا من أجل القيام بها، تثير إشكالات قانونية كبيرة، والوزارة مع الأسف عندما حاولت إزالة بعض هذه الإشكالات عن قراراتها، وتبديد ما حولها من شكوك في بيانها المشهور حول إعفاء رئيس مجلس علمي محلي، عمدت إلى حمل مسألة الإعفاء على مسألة التعيين، وذهبت في ذلك إلى الارتكاز على التعليل الضمني غير المذكور لا في حالة التعيين ولا في حالة الإعفاء. وقد سبق أن بينا رأينا في هذا القياس وقلنا إنه قياس مع وجود الفارق، وبينا وجه المفارقة في مناسبة سابقة. ومع الأسف فإن هذا التدخل من الوزارة الموقرة من خلال بيانها المشار اليه، لم يرفع تلك الإشكالات ولم يزل ما أثير من شكوك عن قراراتها، وبالتالي تبقى الإشكالات والشكوك قائمة حولها، وتتفاقم هذه الإشكالات إذا كان الشخص المعفى معينا بظهر شريف، كما في حالتي أنا شخصيا، حيث تم تعييني بظهر شريف عضوا بمجلس علمي محلي، وكما في حالة تعيين عدد من الرؤساء والأعضاء الذين تم إعفاؤهم بقرارات وزيرية، وهم معينين بظهائر شريفة، وهذا التعيين يستند إلى نظر مولوي سديد وتدبير ملكي حكيم، محفوف بالصواب والتأييد، وتكريم للشخص المعين من قبل مولانا الإمام وتشريف له وتكليف، فكيف يمكن إعفاؤه بقرار من الوزير. مع أن القرار كيف ما كان نوعه لا يمكن بحال أن يلغي الظهير الملكي الشريف ولا أن يعطل مفعوله، ولا أن ينهي مفعول ما تقرر به، وهذا أمر من الناحية القانونية غير مستساغ، ولا هو مما يقبل القياس عليه تعليلا أو بغير تعليل، لأن الظهائر الملكية الشريفة تعد قانونا من أعمال السيادة، لا يمكن الطعن فيها ولا نقضها بقرار قضائي أو بقرار وزيري ولا بغير ذلك. فكيف تسنى لوزارة الأوقاف أن تعفي بقرار ما عينه أمير المؤمنين بظهير؟ وما هو سندها القانوني الذي سمح لها بذلك ولا نعلمه، بل ولا يعلمه فقهاء القانون؟ 
 
فإذا لم يكن للوزارة سند قانوني يبرر لها إبطال ما قرره الظهير الشريف - وهذا ما نجزم به قطعا- فإن الوزارة بهذا تتجاوز حدودها، وتنصب نفسها حاكمة بقراراتها لما هو أعلى منها شأنا وقدرا، وهي الظهائر الملكية القاطعة في دلالتها والحاسمة فيما تقرر بمقتضاها، والمتحصنة من إمكانية المساس بها بأي طريقة كانت، سواء قضائية أو إدارية،  لارتباطها بالسيادة العلية، وما اقتضته الإرادة الملكية، المبنية على النظر السديد لسيدنا المنصور بالله والمؤيد بتوفيق من الله تعالى.
 
والذي تقرر في قواعد الاجتهاد القضائي المغربي منذ مدة طويلة، هو أن (الأدنى لا يحكم الأعلى). وفي قواعد الفقه الإسلامي قرر الفقهاء أنه يتعين: "الأخذ بالأعلى حتى يتبين الدليل على الأدنى".  
 
وبهذا فإن قرار وزير الأوقاف يعد قانونا وفقها أدنى من الظهير الشريف. فكيف يتم إبطال مفعول الظهير الشريف بمجرد قرار غير معلل من الوزير؟ والحال أن وجود ظهير ملكي شريف وهو أعلى بكثير من القرار الوزيري، يقتضي إقامة الدليل وبيان الحجة لتسويغ هذا القرار، إعمالا للقاعدة التي أشرنا إليها آنفا. ولا يجوز والحالة هذه أن تعمد الوزارة إلى إنهاء مهام عضو أو رئيس معين بظهير هكذا وبجرة قلم. ثم كيف سوغت الوزارة لنفسها أن تسوي بين قرارها وبين ظهير ملكي شريف إعمالا للقياس أو لغيره، دون أن تكلف نفسها ببيان مستندها على هذه التسوية، وتبين ما به تزيل توهم هذه التسوية، إن كانت لا ترى التسوية في الواقع؟ وبعبارة أخرى كان يتعين على هذه الوزارة أن تتعامل مع ما قرره الظهير الشريف باعتبارها تابعة، والتابع تابع لمتبوعه كما هو معلوم، والشأن في التابع ألا يتجاوز متبوعه، وفي حالتنا هذه تعد الوزارة  تابعة بقرارها، ومتبوعها هو أمير المؤمنين من خلال ما قرره في ظهيره الشريف، الذي هو الأصل، في حين يبقى القرار أمرا عارضا، وليس حكم الأصل كحكم الأمر العارض، ولا استقلال له عن الأصل، فكان على الوزارة في قراراتها هذه أن تبين تبعيتها، سواء في الإشارة الصريحة إلى المبرر القانوني الخاص أو من جهة التعليل الذي يبرر إقدام الوزارة على إنهاء مفعول ظهير ملكي شريف، وبالتالي إبطال استحقاق الشخص المعفى لهذا التشريف المولوي، بمجرد عبارة جافة ومختصرة جدا، ولا تتجاوز سطرا واحدا تقول فيها الوزارة : (يعفى فلان ابن فلان من مهام رئيس أو عضو بالمجلس العلمي لكذا...) وكأن لسان حال الوزارة بهذا يقول : لا تسأل الوزارة عما تفعل....
 
وأرى أن التصرف هكذا يعد ضربا من تجاوز التابع للمتبوع ومخالفة قانونية صريحة، ومسا بإرادة مولوية شريفة يجب على الوزارة ألا تقع فيها في قادم القرارات التي ستصدرها مستقبلا، وتتحمل مسؤوليتها فيما اتخذته من قرارات أنهت بمقتضاها أثر ظهير شريف، دون مسوغ قانوني صريح.
 
هذا فيما يتعلق بإعفاء فئة الرؤساء والأعضاء المعينين بظهائر شريفة، التي كان على الوزارة قبل أن تقدم على إعفائهم أن تقيم الدليل وتبين الحجة التي تستند إليها، لتبرير قرارها مع وجود ظهير ملكي شريف أعلى من قرارها وأسمى، ارتباطا بعلو وسمو مُصدِره وهو أمير المؤمنين نصره الله وأيده، وعلى هذا كان على الوزارة أن تتصرف بما ينسجم مع مقامها كطرف أدنى وتعمل تحت إمرة  مولانا أمير المؤمنين مصدر الظهير الشريف، وتبين دليل أهليتها لإبطال مفعول علو الظهير الشريف.
د/ عبد اللطيف البغيل ، عضو مجلس علمي سابق