Monday 18 August 2025
كتاب الرأي

فؤاد ابن المير: من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية.. قراءة في مسار تطور الرقابة الدستورية بالمغرب

 
 
فؤاد ابن المير: من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية.. قراءة في مسار تطور الرقابة الدستورية بالمغرب فؤاد ابن المير
تعتبر الرقابة على دستورية القوانين إحدى الركائز الجوهرية في النظم الديمقراطية الحديثة، إذ تضمن أن تبقى التشريعات في انسجام تام مع المبادئ العليا التي يتضمنها الدستور. وفي السياق المغربي، شهد هذا المجال تطورًا مؤسسيًا لافتًا، انتقل من مرحلة المجلس الدستوري إلى إحداث المحكمة الدستورية بمقتضى دستور 2011، وهو تحول يعكس تفاعل المنظومة القانونية مع التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد.
 
1. جذور الرقابة الدستورية في المغرب: 
قبل إحداث المجلس الدستوري، كانت الرقابة على القوانين محدودة النطاق وتُمارس بشكل غير مؤسسي من خلال دور الملك كضامن للدستور. ومع دستور 1992، ثم دستور 1996، تم إرساء المجلس الدستوري كجهاز مستقل مكلف أساسًا بفحص مدى مطابقة القوانين للدستور، والبت في النزاعات الانتخابية، ومراقبة الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان. وقد مثّل ذلك خطوة نوعية نحو إضفاء طابع مؤسساتي على حماية الشرعية الدستورية.
 
2. الانتقال إلى المحكمة الدستورية:
جاء دستور 2011 في سياق سياسي واجتماعي استثنائي، متأثرا بموجة المطالب الشعبية بتوسيع الحريات وتعزيز الرقابة على السلطة. ومن أبرز مستجداته، استبدال المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية، وتوسيع صلاحياتها، خاصة عبر إدخال آلية الدفع بعدم الدستورية التي تتيح للأفراد الطعن في النصوص التشريعية أثناء النزاع القضائي إذا اعتبروها مخالفة للدستور.
كما تم  تعزيز شروط العضوية لتشمل كفاءات عالية في القانون والقضاء، كما تم اعتماد مدة انتداب غير قابلة للتجديد (تسع سنوات) مع تجديد الثلث كل ثلاث سنوات، ما يمنح المؤسسة استمرارية واستقلالية أكبر.
 
3. البعد السوسيولوجي للتحول:
من منظور علم الاجتماع القانوني، لا يقتصر هذا الانتقال على تغيير في الشكل المؤسسي، بل يعكس تحوّلًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع. فالمجلس الدستوري كان يمارس رقابة نخبوية تنحصر في الفاعلين السياسيين والمؤسسات، بينما المحكمة الدستورية أضافت بعدًا تشاركيًا من خلال تمكين المواطن من المساهمة في حماية سمو الدستور.
هذا الانفتاح على المجتمع يعزز الثقة في النظام القانوني، ويخلق ثقافة جديدة يكون فيها الاحتكام إلى الدستور جزءًا من السلوك المدني اليومي.
 
4. المحكمة الدستورية كضامن للتوازن المؤسسي:
تتجسد أهمية المحكمة الدستورية في قدرتها على ضمان التوازن بين السلطات وحماية الحقوق والحريات، والحيلولة دون تمرير قوانين أو إجراءات قد تمس بالمبادئ الدستورية. وقد أصدرت المحكمة منذ إنشائها قرارات ذات تأثير ملموس في الحياة السياسية والقانونية، سواء عبر تعديل نصوص تشريعية أو إبطالها، أو عبر توجيه المشرع نحو مقاربات أكثر توافقًا مع الحقوق الأساسية.
 
خاتمة:
 يشكل المسار من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية مثالًا حيًّا على قدرة المؤسسات على التطور لمواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية. وإذا كان هذا التحول قد أرسى أسسًا أكثر صلابة للرقابة على القوانين، فإن نجاحه يظل رهينًا بمدى استقلالية المحكمة ووعي المواطنين بأهمية تفعيل آليات الرقابة الدستورية.
 
الدكتور فؤاد ابن المير رجل قانون وباحث في علم الاجتماع