الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: ديمستورا...لا، فلا، ثم لا

عبد الرفيع حمضي: ديمستورا...لا، فلا، ثم لا عبد الرفيع حمضي
بالتأكيد أن مهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى  الصحراء المغربية ليست بالهينة، فبالإضافة إلى تعقد النزاع المفتعل وطول مدته، فهناك أيضا خصوصية مسطرة التعيين، فبخلاف العديد من المناصب العليا بالأمم المتحدة أو المهمات الخاصة التي تعود صلاحية التعيين فيها حصريا للأمين العام للأمم المتحدة أو باعتماد التصويت ببعض أجهزة المنظمة الدولية أو هيئاتها المتخصصة. إلا أنه  بالنسبة للمبعوث الخاص فدور الأمين العام يقتصر على اقتراح مرشحين على أطراف النزاع الذين تبقى موافقتهم  شرط وجود، وليخضع بعد ذلك لمسطرة المصادقة النهائية لمجلس الأمن .

وعند شروع المبعوث في مهامه بناءا على تكليف واضح من مجلس الأمن يكون عليه استعمال كل مهاراته  لابتكار  صيغ جديدة من شأنها أن تحظى بموافقة الأطراف. وبالتالي فمنذ وقف إطلاق النار سنة 1990 بلغ عدد المبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء المغربية ثمانية وهم:
1- جوهانس مانس السويسري (1990-1991).
2- صحاب زاد يعقوب خان الباكستاني (1992-1994)
3- إيريك جينسن (1994-1997)
4- جيمس بيكر الأمريكي (1997-2004)
5- بيتر فان فالسوم الهولندي (2005-2008)
6- كريستوفر روس الأمريكي (2009-2012)
7- هورست كوهلر الألماني (2017-2019)
8- ستيفان دي مستورا الإيطالي -سويدي (2021
 
وفي ظل و تحت قيادة خمس أمناء عاميين تعاقبوا على الأمم المتحدة وهم:
بيريز خافيير دي كويلار(البيرو) - وبطرس بطرس غالي (مصر) – وكوفي عنان (غانا) وبان كيمون (كوريا ) وغوتريس (البرتغال).
والمغرب الذي دأب على التعاون المستمر مع المبعوثين الخاصين تسهيلا لمهامهم، كان دائما يدبر خلافه مع بعضهم بالدبلوماسية التي لا تنفي الحزم عند الضرورة كما حصل مع جيمس بيكر وكريستوفر روس الأمريكيين على سبيل المثال.

 
في حضن هذه الخلفية التاريخية وعلى ضوء هذه المعطيات استقبل وزير الخارجية والتعاون الإفريقي  والجالية  المغربية المقيمة بالخارج يوم الخميس 4 أبريل 2024 استفان ديمستورا الذي يقوم بجول إقليمية لدى الأطراف الواردة في قرار مجلس الأمن 2703 من أجل إعادة إطلاق العملية السياسية للموائد المستديرة بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، باعتبارها الإطار الوحيد الذي حددته قرارات مجلس الأمن للوصول إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق.
 
ورغم أن بلاغ وزارة الخارجية والتعاون  لطف مناخ اللقاء إعلاميا، لكن يبدو أن الجو كان مكهربا وشبه ودي خاصة وأن المبعوث الخاص عائد لتوه من زيارة لجنوب أفريقيا الزيارة التي أخرجت العفريت من قمقمه، وبالتالي كان من الضروري مخاطبة المسؤول  الأممي الإيطالي الجنسية بالطريقة التي تنسجم مع خصوصية العقلية الايطالية المتميزة بالوضوح في الخطاب وعدم الإطناب في (الصْواب و اللف و الدوران)  على عادة أهل السويد ،ولهذا فرسالة الوزير المغربي كان لها من الوضوح ما يجعل المسؤول الأممي يعيد النظر في منهجية عمله ومقاربته للملف في حدود تفويضه. فقال بوريطة باسم المملكة المغربية لا ، فلا ، ثم لا .
 
والمقصود ب (لا ) هنا ليست عنوان المجموعة الشعرية للكبير نزار القباني في بكائيته لجمال عبد الناصر . وبعيدة أيضا عن فيلم الرعب الأمريكي لمخرجه جوردان بيل (لا) .ولا حتى الفيلم  الفرنسي الذي تدور أحداثه في الشيلي سنة 1988 والذي اختار له مخرجه عنوانا مثيرا (لا) وأيضا- لا - لا علاقة لها بصرخة الممثل المصري القدير يحيى الفخراني في المسلسل الدرامي الشيق (لا).
 
لكن ما كان يقصده الوزير هو (لا) النافية كما وردت في كل معاجم لغة الضاد الغنية:
1- لا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة بمشاركة من الجزائر.
2- لا حل خارج المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
3- لا عملية سياسية جدية في وقت ينتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو.
هذا الوضوح والحسم في الموقف المغربي لا يمكن فهمه إلا في سياق المقاربة الجديدة للمغرب.

 
فكلنا نتذكر الخطاب الملكي المخلد للذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء والذي ألقاه جلالة الملك من مدينة العيون سنة 2015 والذي كان محددا للداخل وموجها للدبلوماسية المغربية على المستوى السياسي والاقتصادي.
- حيث حسم الخطاب على مستوى الداخل وخاصة بالنسبة للعدد القليل  من انفصاليي الداخل الذين  لازالوا ينساقون وراء أطروحات الأعداء ويروجون لها فقال الملك بصريح العبارة " ليس لهم مكان بيننا".
- أما بالنسبة للدول التي تربطها علاقات التعاون الاقتصادي ببلدنا أو الشركات الدولية والتي دأبت على اختيار مكان استثمارها بالمملكة دون الأقاليم الجنوبية فالأمر انتهى والمغرب بلد واحد من طنجة إلى الكويرة لمن يريد الاستثمار.
- أما على المستوى الدبلوماسي والسياسي فالمغرب أصبح يرفض لغة الخشب في هذا الموضوع مع الأصدقاء والحلفاء قبل غيرهم وعلى ضوء ذلك يمكن قراءة العلاقة مع ألمانيا وفرنسا واسبانيا ........إلخ
فالدرس كان واضحا والمعادلة أضلعها بارزة لكن  معالي ديمستورا يبدو أن قوس زمنه السياسي قد أغلق .