بات واضحا للعيان منذ السابع من أكتوبر 2023 مدى الفشل الذريع لمجلس الأمن في إيقاف الحرب الانتقامية التي مازالت إسرائيل تشنها على قطاع غزة وإنهاء العقاب الجماعي الذي تفرضه على سكانها المدنيين. وكشف هذا المجلس مرة أخرى عجزه عن تحمل تبعات حفظ السلم والأمن الدولي، وحالة الشلل التي أوصلته اليها الخلافات والانقسامات بين أعضائه الدائمين. فلم يستطع مجلس الأمن منذ بداية الحرب على غزة اعتماد أي قرار يدعو الى مجرد وقف فوري للأعمال الحربية. ويجدر التذكير ان تسعة مشاريع قرارات قد عرضت على مجلس الأمن منذ مضي ستة أشهر على بداية الحرب الإسرائيلية في غزة من أجل التصويت، لم يعتمد المجلس سوى اثنين منها (2712 و2723 – سنة 2023)، لا يتضمنان النص على وقف لإطلاق النار. وبعد لجوء الأعضاء الدائمين الى استخدام حق النقض (الفيتو) خمس مرات للاعتراض على مشاريع قرارات مختلفة بشأن وقف الحرب في غزة، توصل مجلس الأمن في جلسته بتاريخ 25 مارس 2024 الى اعتماد القرار (2728) الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان.
ومما لا شك فيه ان هذا القرار يعكس معالم بعض التحول الطفيف والنسبي في موقف الولايات المتحدة من الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة، بيد انه يطرح في المقابل محدودية نطاقه وأثره.
- Iمحتوى قرار مجلس الأمن (2728) / 25 مارس 2024 - I
بادرت الدول الأعضاء العشر غير الدائمة في مجلس الأمن الى تقديم مشروع هذا القرار بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة" في شهر رمضان" بما يؤدي الى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، والحاجة الملحة الى توسيع نطاق تدفق المساعدات الإنسانية الى المدنيين في قطاع غزة وتعزيز حمايتهم.
وينبغي التذكير أن تقديم هذا المشروع، جاء بعيد استعمال روسيا والصين للفيتو على مشروع قرار سابق كانت قد عرضته الولايات المتحدة الأمريكية على تصويت مجلس الأمن في 22 مارس 2024، والذي وافقت عليه 11 دولة عضو في المجلس، واعترضت عليه كل من الجزائر وروسيا والصين بينما امتنعت جمهورية كوييانا عن التصويت.
وإذا كان من النادر أن يبادر الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن الى تقديم مشاريع قرارات لهذا المجلس، والتحول التدريجي لهذا الدور في الواقع الى " اختصاص " يكاد ان يصبح حصريا للأعضاء الخمسة الدائمين، فإن تصدي عشرة أعضاء غير دائمين في المجلس، وبدعم من الدول العربية لاقتراح مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة يكتسي طابعا استثنائيا، ويكشف حجم التصدع والانقسام بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وقد حصل في نهاية المطاف مشروع القرار (2728) - رغم تأجيل التصويت عليه لمدة 48 ساعة من أجل الاستجابة لطلبات التعديلات الأخيرة لصياغته – على موافقة 14 دولة عضو في حين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار.
وقد أشاد معظم أعضاء مجلس الأمن باعتماد هذا القرار، من خلال ردود الفعل الإيجابية لكل من الصين وروسيا والملاحظ الدائم لدولة فلسطين والمملكة المتحدة وسلوفينيا و كوييانا واليمن و سييرا ليون و اليابان والأكوادور و مالطا. كما اعتبره الممثل الدائم لفرنسا بمثابة دليل على أن مجلس الأمن " لا زال يستطيع التدخل حينما يقوم جميع أعضائه بالجهود الضرورية للاضطلاع بولايتهم " مضيفا أن سكوت المجلس وصمته كان قد بدأ "يصم الآذان "وبأنه قد "آن الأوان كي يجد مجلس الأمن حلا لهذه الأزمة ".
وفيما يبدو، إن تخطي القرار في هذه المرة لحاجز الفيتو في مجلس الأمن، يرجع على الأرجح الى التدهور الخطير في الوضع الإنساني المأساوي في "رفح "، وإلى إرادة توفير الدعم الدبلوماسي اللازم لجهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الجهود التي استحضرها القرار (2728) في ديباجته، واصفا إياها ب "الجهود الدبلوماسية المتواصلة التي تبذلها [...] بهدف التوصل الى وقف للأعمال القتالية وإطلاق سراح الرهائن وزيادة توفير المعونة الإنسانية وتوزيعها. ولربما يعزى أيضا الى تقلبات وتداعيات الحملة الانتخابية الأميريكية التي دفعت الرئيس" بايدن "إلى أخذ قدر من المسافة من الرئيس الإسرائيلي.
يتميز القرار (2728) بإيجازه الملحوظ، اذ يتكون من ثلاث بنود مقتضبة في صياغتها ومركزة في مضمونها. ويطالب المجلس في البند الأول من القرار ب " وقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان [....] بما يؤدي الى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، ويطالب أيضا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن [........] كما يطلب بأن تمتثل الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين تحتجزهم".
ويشدد القرار في بنده الثاني على الحاجة الملحة الى توسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية الى المدنيين في قطاع غزة بأكمله وتعزيز حمايتهم، ويعيد التأكيد على مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع تمشيا مع القانون الدولي الإنساني، وكذلك مع القرارين السابقين للمجلس 2712 (2023) و2720 (2023). أما البند الأخير فينص على ان يبقي المجلس هذه المسألة قيد نظره الفعلي.
ثمة ثلاثة عناصر يجدر الانتباه اليها في هذا القرار، وتكتسي هذه العناصر في نظرنا دلالة خاصة. أولها كون نص القرار يحيل الى " وقف فوري لإطلاق النار [.....] وفي الصيغة الفرنسية للقرار، وردت عبارة وقف إنساني فوري لإطلاق النار، cessez –le feu humanitaire immédiat بما يؤدي الى ووقف دائم ومستدام لإطلاق النار (في النص الإنجليزي للقرار، ceasefire sustainable Lasting . وقد عبرت فدالية روسيا عن أسفها قبل التصويت على مشروع القرار، لسحب نعت وقف إطلاق النار بالفوري والدائم permanent من الصيغة النهائية للمشروع، معتبرة ان أي صياغة أخرى لتوصيف وقف العمليات القتالية في غزة من شأنه ان يفتح الباب" للتأويل الواسع"، وسوف يسمح لإسرائيل بالاستمرار في عملياتها العسكرية. واقترح المندوب الروسي إرجاع الوصف الذي تم سحبه، غير أن هذا الاقتراح لم يحظ بالعدد الكافي من الأصوات الضرورية لاعتماده (حاز على موافقة الصين والجزائر وروسيا، وصوتت ضده الولايات المتحدة الامريكية وامتنعت عن التصويت 11 دولة عضو في المجلس).
ويتعلق العنصر الثاني الذي ينبغي أن يثير الانتباه بعدم ربط القرار (2728) بين الوقف الفوري لإطلاق النار من جهة، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن من جهة أخرى، بحيث لم يعلق قرار مجلس الأمن وقف العمليات العسكرية لإسرائيل في قطاع غزة على تحقق شرط الإفراج عن الرهائن. وتتعلق الملاحظة الأخيرة بخلو القرار من أي ذكر صريح لحركة حماس على خلاف قرار المجلس (2712) (15 نونبر 2023) الذي يدعو في فقرته الثالثة الى " الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات [....]. وقد عبرت المندوبة الأمريكية عن أسفها الشديد بخصوص هذه المسألة بالذات، لأن المجلس لم يوافق على اقتراحها إضافة تعديل على مشروع القرار ينص على الإدانة الصريحة لحماس، ويدعو المجتمع الدولي الى أن يفرض عليها قبول وقف العمليات الحربية في مقابل الإفراج عن الرهائن.
II- القرار (2728) أية قوة ملزمة؟
أثار مدى توفر القرار (2728) على الطابع الإلزامي، وهل يرتب آثارا قانونية ملزمة للأطراف المتحاربة في غزة نقاشا فور التصويت عليه واعتماده. فقد سارعت السفيرة الأمريكية لدى المجلس الى وصف القرار ب "غير الملزم"، وتكرر هذا الموقف من القرار في تبرير الناطق باسم كتابة الدولة الـأمريكية امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار وتفسيره عدم استعمالها للنقض (الفيتو). وأكد منسق الأمن القومي لدى البيت الأبيض في تصريح له انتفاء أي أثر قانوني ملزم للقرار (2728) الذي لن يؤثر على إسرائيل، ولا على" قدرتها على متابعة حركة حماس".
صحيح أن مجلس الأمن لم يتخذ القرار (2728) في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالأعمال التي يمكن للمجلس أن يتخذها في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، ولم يستعمل مصطلح/ تعبير: "يقرر" décide، لكنه استعمل «يطالب""، exige و"يشدد، insiste، غير أن هذه الصيغة التي صدر فيها القرار لا تعتبر بأي حال سببا مقبولا لإبطال أثره القانوني الملزم.
فبموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة يتعهد الأعضاء بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفقا لهذا الميثاق، حيث ان التزام الدول الأعضاء بقرارات المجلس لا يشترط إحالتها الصريحة الى الفصل السابع، ولا يقتصر قبول القرارات وتنفيذها على تلك التي يتخذها مجلس الأمن في نطاق الفصل السابع على وجه التحديد، على الرغم من أن الممارسة في مجلس الأمن غالبا ما تحيل الى هذا الفصل.
ولعله من المفيد التذكير في هذا الصدد، أن محكمة العدل الدولية قد سبق لها ان أفتت في رأيها الاستشاري في قضية ناميبيا (21 يونيو 1971) أنه خلافا للادعاء بكون المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة لا تنطبق سوى على التدابير القسرية / القمعية التي يقرر مجلس الأمن اتخاذها بموجب الفصل السابع من الميثاق، فإن هذا الادعاء خاطئ في نظر المحكمة ولا يجد أي سند له في أحكام الميثاق. واعتبرت أعلى هيئة قضائية لمنظمة الأمم المتحدة أن نطاق تطبيق المادة (25) من الميثاق، لا ينحصر في القرارات التي تتعلق بالتدابير القسرية وحدها بل يشمل سريانه جميع قرارات مجلس الأمن المعتمدة وفقا للميثاق.
و ذهبت المحكمة فـي تأويلها للطبيعة الملزمة للقرارات التي يتخذها مجلس الأمن بموجب الميثاق ، إلى أن المادة (25) لا تندرج ضمن الفصل السابع للميثاق، وإنما تم إدراجها في الجزء الذي ينص على وظائف وسلطات مجلس الأمن، مضيفة أنه لو كانت هذه المادة لا تنطبق سوى على التدابير القسرية لمجلس الأمن ،التي يتخذها بناء على المواد ( 41 ) و ( 42 ) من الميثاق، وبصيغة أخرى لو كانت القرارات من هذا النوع هي التي تكتسي حصرا الطابع الإلزامي، فإن المادة (25 ) ستفقد في هذه الحالة علة وجودها أصلا في الميثاق ،مادام الأثر الملزم سوف يترتب عن المادتين ( 48 )و ( 49 )من الفصل السابع للميثاق .
وخلصت المحكمة الى التذكير" بأنه يتعين القيام بتحليل متأن ودقيق للصيغة التي يصدر فيها قرار مجلس الأمن قبل التوصل الى استنتاج بشأن أثره الإلزامي".
ويمكن القول بناء على ما سبق، أن تأويل الأثر القانوني للقرارات التي يتخذها مجلس الأمن بموجب الوظائف والسلطات التي تخولها له المادة (25) من الميثاق، ينبغي ان يأخذ بالاعتبار المفردات والتعابير التي وردت في صيغة القرار، والنقاشات التي سبقت اعتماده والأحكام الأخرى للميثاق التي يحيل اليها، فضلا عن جميع العناصر التي من شأنها ان تساعد على تدقيق الآثار القانونية لقرار مجلس الأمن.
وبالنسبة للقرار (2728) تحديدا، فإن مجلس الأمن استعمل صيغة " يطالب « « exige جميع الأطراف بما فيها حماس، بوقف فوري لإطلاق النار [.....] ، وهو أمر لا يمكن للمجلس باي حال أن "يقرره"، « décider »و بالتالي لا يمكن تأويل هذه الصيغة التي اعتمدها المجلس وتفسيرها بشكل معقول بالزعم أن القصد منها مجرد توجيه توصية للأطراف أو حثهم على وقف فوري لإطلاق النار .
وإضافة إلى ذلك، إن جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، تعترف بالطابع الملزم لقرار المجلس (2728)، علما أن هذا القرار يحيل أيضا في الحيثيات الواردة في ديباجته الى التزامات الأطراف بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما يذكر جميع الأطراف بوجوب امتثالها للالتزامات التي تقع على عاتقها بمقتضى القانون الدولي.
إن تشكيك بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن أو الأطراف المباشرة المعنية ببعض القرارات التي يتخذها في الطبيعة الإلزامية لهذه القرارات، ليس بالأمر الجديد في ممارسة مجلس الأمن. فكثير من قرارات المجلس كانت عرضة للطعن في قوتها الملزمة بذريعة عدم إحالتها الصريحة على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو ادعاء انتفاء آثارها القانونية تجاه الأطراف بسبب اللبس والغموض الذي يلفها.
والواقع أن الإبقاء على " جرعة من الغموض البناء" في بعض القرارات كان دائما من أساليب العمل في مجلس الأمن، لأنه هو الذي يسهل حسب بعض المراقبين والدارسين البحث والتوصل إلى توافق مقبول بين أعضاء المجلس، ولولا حفاظه على هذه الجرعة «الضرورية "من الغموض في قراراته، ما كان المجلس سيتوصل الى اتخاذ البعض منها على الأقل، خارج نطاق التدابير القمعية المنصوص عليها في الفصل السابع.
III هل يعتبر اعتماد القرار 2728 نتيجة لتحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ؟
لسنا في حاجة الى التذكير أن الدعم القوي والمتواصل الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل يعد محددا ثابتا للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط منذ تأسيس الدولة العبرية في 1948.ومن المعروف أن ثمة "علاقة خاصة " كما وصفها الرئيس كينيدي منذ 1962، تربط بين الدولتين، وتقوم هذه العلاقة على تحالف استراتيجي وسياسي قوي، تدعمه شبكة من العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية والعسكرية العميقة. ولقد تزايدت قوة هذه " العلاقة الخاصة" على مر العقود بفضل المصالح المشتركة للدولتين، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالأمن الإقليمي وحماية مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من كون التأثير القوي ل "اللوبي " الداعم لإسرائيل وتغلغله في الإدارة الأمريكية قد أثار انتقادات صريحة لعدد من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، فإن الولايات المتحدة تظل حليفا وفيا لإسرائيل وشريكا موثوقا لها في الساحة الدولية، يمنحها مساعدات اقتصادية ومعونات سخية مقارنة مع الحلفاء الآخرين في الشرق الأوسط، بالإضافة الى استفادتها من الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي المتواصل.
وعلى هذا الأساس، لا تتردد الولايات المتحدة في استعمال نفوذها بشكل منتظم للدفاع عن مصالح ومواقف إسرائيل خاصة في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة. وهكذا استعملت الولايات المتحدة نصف عدد المرات التي صوتت فيها بالنقض (الفيتو)، للحيلولة دون اتخاذ مجلس الأمن لقرارات ليست في صالح إسرائيل، وأشهرت حق النقض (الفيتو) بطريقة متواترة ضد عدة قرارات تهم " الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك قضية فلسطين".
غير ان تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وتأثيرها على الراي العام الأمريكي، أجبرت الرئيس "بايدن"على البحث عن الصيغة التي تمكنه من عدم فقدان أصوات الحزب الديمقراطي الموالي تقليديا لإسرائيل، مع الأخذ بالاعتبار أيضا تزايد المواقف المؤيدة للفلسطينيين.
ويكتسي حل هذه المعادلة الصعبة أهمية قصوى بالنسبة للرئيس الأمريكي الحالي، خاصة انه يخوض حملته الانتخابية ضد مرشح موال لإسرائيل ومؤيد لها بشكل علني.
من المؤكد أن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن (2728) وعدم إشهارها لورقة الفيتو لعرقلة اعتماده، يعزى في جزئ منه الى سياق الانتخابات الرئاسية وتفاعلاتها الداخلية، ولكنه يكشف أيضا أن الإدارة الأمريكية توجد في موقف صعب، بين مسايرة الحكومة اليمينية الإسرائيلية في حربها العمياء والذهاب معها الى الهاوية، أو الضغط عليها لتغيير المسار قبل فوات الأوان.
وعموما، ومع افتراض أن اعتماد القرار (2728) في مجلس الأمن، يعتبر عقبة طارئة في" العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنها ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها هذه العلاقة الاستثنائية لهزة من هذا النوع. فقد سبق لمجلس الأمن أن اعتمد القرار (2334) في دجنبر 2016، الذي لم تعترض عليه الولايات المتحدة، كرر فيه المجلس " مطالبته إسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وأن تحترم جميع التزاماتها القانونية في هذا الصدد احتراما كاملا".
بيد أنه من المستبعد جدا أن تقوم الإدارة الأمريكية بما يعتبر ضروريا لإجبار حليفتها إسرائيل على الامتثال لهذه القرارات وتنفيذها في الواقع. فمن المؤكد أن الولايات المتحدة سوف تعترض على اتخاذ أي تدبير قمعي / قسري ضد إسرائيل في حالة عدم احترامها لما يطالبها به مجلس الأمن. إضافة الى ذلك، إن الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يتقلص في مجالات حيوية بالنسبة لإسرائيل بحيث أن %99 من الأسلحة التي تستوردها مصدرها من ألمانيا والولايات المتحدة.
وفي هذه الظروف، وحتى إذا ما اعتبرنا أن اعتماد مجلس الأمن لقراره الأخير (2728) يمثل إكراها إضافيا للسياسة الخارجية لإسرائيل، وقد يعمق عزلتها الدولية غير أن تأثيره يظل محدودا، واحتمال ترتيبه لوقف فوري لإطلاق النار ولو مؤقتا يبدو ضعيفا.
محمد العمارتي : أستاذ القانون الدولي يكلية الحقوق
جامعة محمد الأول / وجدة